الفصل السابع

Start from the beginning
                                    


وأمامه كانت هي تجاهد للحفاظ على ثباتها أمامه...
صفا روحي!!!!
بصوته الهامس هذا تصيب دقات قلبها بالجنون...
هل يعلم هذا الرجل كم تحبه...؟!!!
هل يعلم كم تموت وتحيا آلاف المرات بقربه..؟!!!
هل يعلم أن روحها معلقة بدقات قلبه...؟!!!
أنفاس صدرها تخرج مشبعة برائحته...؟!!!
هل يعلم هذا الغيور الذي ينتفض غضباً الآن...
أن طيفه يقف حائلاً بين عينيها وبين كل الرجال...؟!!!!
فلا تكاد تتبين رجلاً سواه وسط الوجوه؟!!!
ليته يعلم...
بل ليته أبداً لا يعلم!!
أطرقت برأسها أخيراً وكأنها تخشي أن تفضحها نظراتها...
فاقترب منها أكثر ليحتضن وجهها براحتيه هامساً بحرارة:
_رددتكِ يا صفا!
دمعت عيناها وهي تشعر بالمهانة...لتهمس بعتاب ذبح قلبه:
_بهذه البساطة يا شيخ عبد الله؟!!!تطلقني بكلمة وتردني بكلمة؟!
ازدرد ريقه ببطء وهو عاجز عن الرد..
صفا تستحق اعتذاراً لكنه لن يعتذر...
لم يفعلها يوماً ولن يفعلها...
فزمّ شفتيه بتوتر وهو يرمقها بنظرات حائرة...ليهمس بعدها متردداً:
_تريدين اعتذاراً ؟!!!
ابتسمت بسخرية مريرة لتهمس بنفس اللهجة القاتلة وكأنها تقرأ أفكاره:
_وهل يعتذر الشيخ عبد الله؟!!!
أخذ نفساً عميقاً وهو يتوه في وديان عينيها اللائمتين...
ليجد نفسه يهمس دون وعي:
_لو طلبتِها أنتِ فسأفعلها لأجلك!!
أغمضت عينيها بألم وهي تشعر بقلبها يكاد يتوقف...
هي تشعر أنه صادق...
قلبها الذي يحفظ معالم خرائطه كلها يخبرها بذلك...
لكنها تخشى العودة إليه...
تخشاها كما تتمناها!!
لكنه -هو الآخر- قد التقط ترددها بشعوره بها....
ليميل على وجهها الذي يحتضنه بكفيه ...
فيقبل عينيها هامساً بصدق:
_لا تتركيني أبداً يا صفا...أنا حقاً أفتقد نفسي عندما أفتقدك.
سالت دموعها التي طالما أخفتها على وجنتيها...
فمسحها بأنامله هامساً بألم:
_لا تبكي.
نظرت إليه بألم يمتزج برجائها...
لتلتقي عيناهما في حديث طويل...
كلاهما معذّبٌ بصاحبه...
مقيدٌ به...
وضائعٌ معه!!!!
لتقطع هي صمتهما بعد لحظات هامسة بمرارة:
_لم يتبقَ لنا سوى فرصة واحدة يا عبدالله...طلقة واحدة أخيرة وأُحرّم عليك للأبد!!!!
اتسعت عيناه بصدمة وكأنه انتبه فقط الآن لما تقول...
ليجد نفسه يضمها إليه بكل ما أوتي من قوة...
فيعتصرها بين ذراعيه وكأنه يخشي أن يفقدها...
ثم تأوه بعدها هامساً بحرارة:
_أحمقٌ أنا لو أضعتكِ من يدي.
رفعت عينيها إليه برجائها المذبوح ألماً...
فمال على شفتيها ليتناولهما بقبلة مشتاقة...لكنها دفعته برفق هامسة بعتاب رقيق:
_أنا فشلتُ أن أكون امرأة وأماً...أليس هذا...
قاطع حديثها بشفتيه اللتين اعتقلتا باقي عبارتها...وهو يضمها إليه برفق حانٍ...
وكأنه يعتذر بلا كلمات...
ليغمرها بعاطفته الخاصة فتشعر أنه اليوم مختلف...
لمساته أكثر حنوّاً ورفقاً و...حرارة!!!!
وكأنه حقاً مشتاق!!!!
هل حقاً يفتقدها كما يقول...؟!!!!
وهل يدرك أنه لم تعد له معها سوى فرصة واحدة...؟!!!!
غابت أفكارها عن رأسها الذي تشوش بمشاعرها الآن...
ليختفي سؤالها من دائرة إدراكها تدريجياً...
لكنه أبداً لم يغادر عقلها الذي كاد يجن بحيرته...
تري...كيف ستكون نهاية مشوارنا الطويل يا عبدالله؟!
======
جلست ماسة في غرفتها وهي تشعر بالضيق والملل...
السيدة حورية لازالت في المشفى منذ يومين...
والجنين في وضع خطر...
نعم...هي مهددة بفقده...
لهذا أبقاها الأطباء هناك تحت الملاحظة....
وهي هنا لا تدري ماذا تفعل بالضبط...؟!!!!!
عملها يختص بالسيدة...
والسيدة ليست هنا...
فما الذي يتوجب عليها القيام به...؟!!!
لقد بعثت أحد الخدم يستأذن من السيد عاصي أن تذهب لمرافقة السيدة حورية في المشفي...
لكنه بعث إليها برد مقتضب مفاده الرفض!!!
لا...لم تذهب إليه بنفسها...
فهي لم ولن تنسي حديثه الغامض معها آخر مرة...
ولا جملته -الكارثية -التي أنهى بها حواره معها...
ماذا كان يعني بتخليصه لها من كوابيسها مقابل ماسة؟!!!
ماسة هذه كان يقصدها هي بها...؟!!!!
أم أنه لفظ مجازي لشئ ثمين يريده منها فحسب؟!!
وما هو هذا الشئ الثمين الذي تملكه هي لتمنحه له...؟!!!!
وكيف يثق بقدرته على تخليصها من هواجسها بهذه القوة...؟!!!!
كاد رأسها ينفجر من كثرة تساؤلاتها...
لكنها سعت لنفضها وراء ظهرها وهي تحاول إقناع نفسها أنه لم يكن يقصد شيئاً بعينه ...
ربما كان فقط يهذي بأي كلام!!!
لكن عقلها عارضها بقوة....
عاصي الرفاعي كلماته محسوبة بالحرف...
لا حرف يزيد ولا حرف ينقص...
وما قاله كان يعنيه...
وهذا ما يثير جنونها حقاً!!
سمعت طرقات خافتة علي باب غرفتها فقامت لتفتح الباب...
لتفاجأ بالخادمة تدعوها للقاء السيد عاصي في مكتبه...
خفق قلبها بعنف وهي تود لو تهرب من هذا اللقاء...
بل من هذا القصر كله...
نعم...ستفعلها!!!
مع كل هذا الرعب الذي يخنق أنفاسها ستضطر للرحيل...
منحها هذا القرار نوعاً من القوة فذهبت إليه بخطًى واثقة...
حتى وقفت قبالته تنتظر أمره بالجلوس...
فرفع إليها عينين مشتعلتين بغضب لم تعرف له مبرراً...ليقول بعدها بنبرته الآمرة:
_اجلسي!
جلست مكانها وهي تتأهب لتخبره بقرارها في الرحيل...
لكنه بادرها بسؤاله الذي امتزجت كلماته بغضبه المكتوم:
_لماذا بعثتِ برسالتكِ مع الخادمة ولم تأتي إليّ بنفسك؟!!!
أخذت نفساً عميقاً تتمالك به شجاعتها...
ثم تجاهلت سؤاله لتقول بثبات متحاشية النظر لعينيه:
_أنا أريد الرحيل سيد عاصي...لم أعد أرغب في العمل هنا!
لم يصلها رده للحظات فاضطرت لرفع عينيها إليه...
وليتها ما فعلت!
عيناه كانتا أكثر اشتعالاً من أي وقت رأتهما فيه...

ماسة وشيطان   Where stories live. Discover now