«سأغيّر ملابسي قبل أن ننطلق».
وقفت سِيلا وأخذت حقيبتها للحمام البسيط مُغلِقة بابه خلفها.

حاولت جاهدة ألا تبكي لكنّ دموعها أبت الانصياع لها وانهمرت بغزارة على خدّيها، لذا حرِصت ألا تُصدِر صوتا وبدأت بخلع ملابسها متجنّبة انعكاسها في المرآة القذرة.

حين انحنت لتحمل بعض الماء من الدلو لتغتسل به، شعرت بوخزة ألم آتية من الإصابة على فخذها ؛ التي كانت تزداد سوء كل يوم. آثار أنياب الأفعى خلّفت بقعتين سوداوتين تمتد منهما خيوط متشعّبة تصل إلى سرة بطنها حاليا. بدا وكأن حِبرًا يسري في عروقها بدل الدم، وشحوب بشرتها أبرز ذلك أكثر.

«لو كُنتُ لايكان عاديّة لشُفي هذا في لحظته...».
تمتمتْ بمرارة وسحبت ثوبا يتجاوز ركبتها كي يُغطي الإصابة ولا تُقلِق بها لِيونار وسيزار.

-----

رحلتهم إلى حيث توجد مملكة الثعالب استغرقت منهم يومين، وحتى عندها كانوا قد وصلوا للحدود فقط.

غابة عظيمة امتدّت أمامهم اجتاحها ضباب كثيف بالكاد ظهرت من خلاله جذوع الأشجار العالية. إشارات التحذير الحمراء كانت متعددة وتعِد بمصير أليم لمن يتعدى على تلك الأرض لكنها كانت أرض سيزار وهو خبير في أوهامها.

«لِم الجوّ بارد هنا؟».
اصطكّت أسنان سيلا ببعضها من برودة الجوّ. أرادت بشدة اتخاذ هيئة ذئبها لتُدفئ نفسها.

«الجوّ في الجبال عادة بارد، مرتفعة عن مستوى سطح البحر، أقرب للفضاء وذلك الهراء... هاتي يدكِ».
أحكم حقيبته على ظهره ثم أمسك بيدها بينما أمسك الطبيب الأخرى.

«أي جبل؟ أنا لا أرى الأشجار حتى!».
ضيّقت عينيها لأقصى درجة لكنها لم ترى شيئا سوى الضباب الرماديّ في كل مكان.

«لا تتركا بعضكما ولا تبتعدا عني، تشبثا جيدا إلى أن نصل».
وسحبهما خلفه داخل الغابة الغريبة.

فور تجاوزهم الحدود تبادرت إلى سمعهم صرخات جلبتها الرياح من كل الاتجاهات، أطياف أشباح تجوّلت حولهم والبعض منها اخترقهم هامِسا بأسمائهم.

«سيزار! ما هذا بحق القمر؟!».
صاح لِيونار وأغمض عينيه كي لا يرى المزيد من الوجوه المُشوّهة... وجوه مألوفة له.

«لا تستمتع لها! فقط اتبعني، نكاد نخرج».
جذبه سيزار ليُمسك بيده هو الآخر.

«عمّا تتحدثان؟ ومن أين ظهر ذلك الجبل؟».
تكلمت سيلا مستغربة من توتّرهما الشديد. ما كانت تراه لم يكن سوى غابة عادية، ضبابية فقط.

«يُمكِنُكِ رؤيته؟!».
توقف الثعلب ونظر إليها متفاجئا، لا يُفترض أن يراه غيره.

«الأطياف لا تخترقها أيضا!».
أضاف الطبيب مُلاحِظا كيف تجنبتها الأطياف ولم تلمسها حتى.

سِيلا ✓Where stories live. Discover now