«الآن يمكننا التخطيط للزفاف بأمان».
نطقت الأميرة مُبتسمة فدفعها عنه بسخط.

تملّكته قوة مُفاجئة استغلّها في الركض خارج جناحه وإلى الحديقة ليُنقِذهم.

لكنه تأخّر كثيرا.

عند وصوله كان الخدم المُلثّمون بالأسود يُفككون المنصة ولا أحد منهم استجاب لأسئلته. تجاوزهم الملِك ليرى بركة النيريد التي صارت مياهها داكنة الحُمرة وعلى سطحِها طفت جثث المُعدمين.

فرو الثعلب واللايكان صار ورديّا بعد أن تشبّع بالدماء أما عينا الطبيب فكانتا مفتوحتين تُحدّقان به باتهام. بيد مرتجفة سحب ميكا الذئب إلى حافة البِركة ليُسنِده على رِجله، لمسته جعلته يعود لهيئته البشرية فاستلقتْ سِيلا هامِدة بين ذراعيه.

لم يهتمّ بابتلال ملابسه ولم يشعُر ببلل خدّيه، كل ما سجّله عقله في تلك اللحظة هو أنهُ فقدها... فقدها قبل أن يملِكها فِعلا.

اهتزّ جسده بنشيج صامِت وضمّها إليه مُرددا اسمها، برودُها أخبره أنها لن ترُد عليه أبدا فما بين ذراعيه الآن هو مجرّد خلايا ميتة ستتحلل قريبا أما روحها فقد تركته منذ وقت طويل.

كان يجدُر بِه أن يحتفِظ بها لنفسه الليلة التي شكّ في أنها يُمكن أن تكون توأم روحِه، عندما كمّد بكفّ قميصه شفتيها اللتين تعرضتا للسعة النيريد الشائك وشعر بفوضى أفكاره تهدأ ليُردد ذئبُه أنها نجمتُه. وجب عليه عندها أن يحميها ويُعلِن للعالم أنها مِلكه كي لا يتجرأ أحد على إيذائها حتى في غيابه.

لا فائدة لرغبتِه في تملّكها ولا لمشاعِره فقد ضاعت منه بالفعل.

«هل فقدَ جلالته عقله؟».
سألت زوجة الجنرال تُكمم فمها من منظر الجثث المُدمِية.

«أخشى ذلك، أعيدوه إلى جناحه وأرسِلوا طبيبا جديدا إليه. سأتولّى شؤون المملكة إلى أن يستعيد رُشده».
تكلّم ناتال بأسى على الملك الشاب ظانّا أن مفعول السم لا يزال يُسبب له هلوسات حتى في يقظته.

تقدّم عدد من الحرّاس ليسحبوا منه جثة سيلا ويرموها مجددا في البركة فغرِقت بين النيريدات الشاحِبة كالموت. لم ينفع صياح ميكا ولا تخبّطه بين قبضتهم، فالضعف الذي جلبه تخلي ذئبه عنه تركه بشريّا ضعيفا.

في وقت قصير وجد نفسه مُكبّلا بسريره وخطيبته تُمسِك بيمينه بين كفّيها ودموعها كسيل لا نهائيّ.

«لِمَ تفعل هذا؟ أتُحاوِل تجنّب زفافنا؟! لقد وعدتني! ميكا، لقد وعدتني!! لِم تُفسِد الأمر الآن!؟».
انتحبت فيولين بصخب فلم يقدِر حتى على التربيت على رأسِها لتهدئتها ولا شيء قد يقوله يملِك المفعول ذاته عليها.

أغمض عينيه بإحكام وتمنّى أنه لا يزال جالِسا في الحديقة إلى جانب النعامة الخرقاء، يتأمّل تفاصيل وجهها دون أن تشعر به ثم يستفزّها لتطرب أذنيه بصوتها. تمنّى أن صديقه المُقرّب معه في تلك اللحظة كي يُفقِد الأميرة وعيها فيحظى بالهدوء الذي يُفضّله. وتمنّى أنه لم يجِد الثعلب الأبيض لتبقى كل مشاكله معه خارج القلعة وليس على رأس الملك ميكايليس.

سِيلا ✓Where stories live. Discover now