أدركت سِيلا من كلماته أنه بالتأكيد ليس بشرِيّا لكن لا وسيلة لها لتعرِف فصيلته بسبب غياب ذئبتها وغريزتها عنها، فهي لا تظهر إلا ليلة القمر المكتمل.

«كاد قلبي أن يقع أرضا!».
تذمّرت ويدها تتفقد نبضه لتتأكد أنه لم يقع فعلا ثم سارعت بالوقوف قبل أن يبتلّ سروالها أكثر وتظهر وكأنها تعرضت لحادث.

«كما أرى، فقد وقع جسدُكِ بأكمله وليس قلبكِ فقط».
أضاف بنفس النبرة مُراقِبا حركاتها دون الالتفات إليها.

جلسته كانت مسترخية، رجله اليمنى فوق ركبته اليسرى وكوعه متكئ على المقعد الرخاميّ بينما ذقنه مُسند في راحة كفّه. يرتدي بنطالا رماديّا واسعا وقميصا أبيضا، خصلاته السوداء التي تغطي جبهته بفوضوية تدعم نظرية أنه بملابس النوم. لكن رغم الهيئة الهادئة التي يظهر بها إلا أن هالته تبعث شعورا قويّا بالتهديد، وذلك ما فشلت سِيلا في الإحساس به.

لم تجِد كلاما ذكيّا تردّ به فتجاهلته وتقدمت نحو مجموعة نباتات لم ترها من قبل، حتى في كتب الزراعة التي طالعتها كثيرا. أوراقها كانت شائكة الحوافّ بلون أزرق يشع في الظلام وساقها قصيرة تنمو أفقيّا.

أغراها شكلها الفريد فمدّت يدها نحوها بفضول قبل أن تظهر عصا زمرديّة أمامها وتمنعها من الاستكشاف.

رفعت سِيلا رأسها لتجد تلك العجوز الغريبة تنظر لها ناهية لكنها لم تنبس بحرف.

«لمسة واحدة كفيلة بإدخالك في غيبوبة أبديّة».
نطق الشاب مُفسّرا تصرف العجوز.

«إذا كانت سامة لهذه الدرجة لمَ يضعونها في الحديقة الملكية؟!».
تعجّبت سِيلا وابتعدت خطوة عن النبتة.

«لأنها نادرة، ولا أحد يدخل الحديقة عدا ثاميا التي تعتني بها».
أجابها مشيرا برأسه للاتجاه الذي غادرت فيه العجوز.

«ولمَ أنتَ هنا؟».
سألتْ بينما تُناظره دون الالتفات إليه.

«ولِم أنتِ هنا؟».
رد متحاذقا.

«أعمل، على عكسِك؛ جالِس كالبومة في الظلام وتُفزِع الأبرياء».
وضعت يدها على خصرها وتحدثت بنبرة مُطابقة.

«تعملين؟ نعامة خرقاء مثلك تتعثر في اللاشيء وتقع على مؤخرتها عند كل منعطف، تعمل؟! صدمةُ عمري...».
ظهر شبح ابتسامة على شفتيه لم يتكبّد عناء إخفائها.

«بومة!!».
انفعلت سِيلا لدرجة أنها تلعثمت في الكلام قبل أن تتمكن من قول الإهانة التي كانت أبعد ما يكون عن الإهانات.

«نعامة خرقاء».
نبرته الباردة أشعلت فتيل غضبها فأرادت أن ترميه بشيء صلب يكسر جمجمته لعلّ الريح التي تُحرك خصلاتها تزيح الغبار المتراكم على دماغه فيتصرف بلباقة.

لكن قبل أن تُحقق رغبتها نادى صوت داني باسمها من بعيد فاكتفت بتوجيه نظرات ناريّة نحو الشاب المستفِز ثم غادرت.

حين تأكد من ابتعادها بما يكفي انحنى ممسكا ببطنه ضاحكا بصخب حتى ترقرقت عيناه بالدموع.

«سِيلا...».
همس بعد أن هدأت قهقهاته ثم رفع عينيهِ الداكنتين صوب القمر المنصوف مُحتفظا بتعابير مسترخية.

----
🎴

----🎴

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.
سِيلا ✓Where stories live. Discover now