.|24|.

549 95 38
                                    


-" سيكون المكان مملاً دونك " قال سايمون، بينما ابتسمت ورُحت أضع ما تبقى من أغراضٍ في خزانتي داخل حقيبتي، وأحملق بالشتائم المُزخرفة على واجهتها بخط تيا الذي عرفته من سنوات يُخطط لسهراتنا عطلنا كل موسم. تحولت بسمتي للسخرية لذلك، وقلت مُغلقةً إياها، للأبد:" ليس كما لو أنك لم تكن وحيداً من قبل. " تغيير المدرسة كان القرار الأمثل لي بهذا الوقت، لم يتبقى الكثيرُ على نهايتها إلا أن درجاتي اتخذت منحى سيئاً منذ ديسمبر من العام الماضي؛ دعوتُ أن أتمكن من تعديلها حتى أنجح، درجاتُ أول فصل كانت جيدة لذا فقد احتجتُ لدفعةٍ نفسية حتى لا يُفكر عقلي إلا بالتفوق بالاختبارات القادمة، وتغيير المدرسة التي بِتُ أكره كل ركنٍ فيها بدا .. مُنعشاً. كان عليّ النجاح، إن لم يكن لأجلي فلأجل أمي؛ أريدها أن أمنحها ما تفرحُ له ودخول ابنتها الجامعة كان كافياً لتحقيق ذلك. ربما.

-" صحيح، لكنني تعودت على وجودكِ بطريقةٍ ما. " لحق بي بينما بدأت بالمشي في بهو هذه المدرسة المشؤومة، لآخر مرة. واستكمل:" أنتِ أشبه بـ.. كتابٍ رائع أستمتع بقراءتي له، لكنه وقريباً سينتهي وسأضطر لوضعه بالرفّ ونسيانه بالتدريج. "

-" هذا قاسٍ ! أنا سأغير المدرسة فحسب، لا أموت ! " لكنني لم أتجاهل أول جملةٍ من تشبيهه، في الواقع، هي تحوم الآن بعقلي..

حين وصلنا لخارج المدرسة، أين واجهتنا الشمسُ المُتنازلة، أوقفني عن المشي عبر الإمساك بذراعي. رمقته مستغربة، فقال متردداً:" قد يبدو هذا غريباً .. لكنني أشعر أن الأمر لن يقتصر فقط على تغييركِ للمدرسة، أشعر أنك .. ستبتعدين أكثر. "

لم أقل شيئاً في البداية، كما لم أبدي أيّ رد فعل. إلى أن قلت:" وما الذي يجعلك تشعر بهذا؟ "

-" لا أدري، تصرفاتك؟ " منحني بعدها نظرةً كانت في الأغلبِ ترجيّاً، لم أستجب له، فأضاف:" أوه هيا ! لِم تُصرّين على إخفاء الأمر؟! "

-" لا يوجدُ أمرٌ لأخفيه ! " أنكرت. أعني بالفعل، لا يوجد الكثير ممّا أخفيه عنه، باستثناء حقيقة إعجابي به التي أحاول .. كيف أقولها؟ مسحها ونسيانها تماماً. أنا من النوع المُستسلم إن تذكرتموه، أفضل عدم خوض المعركة من البداية إن كنتُ متأكدةً من نتيجتها؛ حتى لا أخرج منها مُحطمة.

آه، وديانتي. هذا إن لم يكن قد اكتشفها لوحده ولم يرد التكلم عنها، نحنُ لا نتكلم عن الاديان إلا نادراً وخلالها لا أظن أني ذكرتُ رأيي الشخصي فيها. ربما يظنني غير مؤمنة إطلاقاً.

ترك يدي، شكلّ ملامحاً تباينت بين الانزعاج والغضب؛ أرفقها بقوله:" فقط أخبريني، هل أنا أهمك؟! "

كنتُ أعلم أنه لم يعنِ ما تمنى قلبي أن يعينه، كما أنه لم يعلم أن ما طرحه للتو كان سؤالاً في الصميم. " نعم؟ " بترددٍ أجبته.

-" إذاً فأنتِ تثقين بي، صحيح؟ "

-" بالتأكيد؟ "

-" إذاً لِم لا؟!! "

تنهدت. وحاولتُ شقّ ابتسامةٍ بوجهي قائلة:" اسمع، حالياً حياتي تُعاني أعاصير مُتتالية تقوم بتكوينها في متاهات جدّ مُعقدة، وأنا أحاول إيجاد مفري منها، ربما سأخبرك حينما أفعل؟ فقط .. لا تقلق علّي، حسناً؟ أنا بخير. " لم يبدُ أنه اقتنع، ولستُ ألومه، " هل تثقُ أنت بي؟ "

عقد حاجباً، وعكسي كان رده تلقائياً:" كلا. " أشاح بوجهه مُكملاً:" وتعلمين شيئاً؟ افعلي ما تريدين، طالما لا يهمكِ تدخلي فلن أتدخل. "

لم أقاوم نفسي عن الابتسام بشكلٍ حقيقي هذه المرة، ماذا يمكن أن أفعل؟ هو لطيفٌ بشكلٍ لا يُقاوم عندما يغضب، نفس لطافة رؤيتك طفلاً صغيراً يضحك بكامل سعادته وبراءته بالطريق، نفس لطافة قُطيطٍ يموء بخفة ويلتف حولك.

من الممكن أن أعانقه، أليس كذلك؟ أعني، لازلنا أصدقاء بعد كل شيء. والأصدقاء يعانقون بعضهم هنا.. ثم أنني لم أهتم لإجابة السؤال، كنتُ قد نفذت ذلك بالفعل.

كما توقعت، فلا زلتُ أعشق الدفء الذي أُحسه كلما اقتربت منه.. اللعنة. " أنت صديقي الوحيد الذي أحب، لا تقلق، لن أخفي عنك أيّ شيء. تأكد من ذلك .. "

وتمنيت أن ألتزم بكلمتي.

تمنيت..    

تيهان رُوح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن