.|10|.

609 115 30
                                    


لم أرغب فعلياً بالدراسة، ولم أكن بأيّ مزاجٍ حسنٍ للشروع في المُطالعة، فتوقفتُ مُتصلبةً عند إحدى الأرفف؛ أحاول التفكير بسبب وجيهٍ مُقنع لوجودي هنا غير أن المكان مُريح.

-" بالمناسبة يا آنسة، سنُغلق بعد نصف ساعة. " أخبرت شابةٌ كانت قريبةً مني عند مكتب الاستقبال، تقوم بترتيب بعض الكتب. شابةٌ بمقتبل العمر، ذات ملامح حسنة كان يُمكن للبعض أن يراها جميلة، وشعرٌ فحميٌّ حريري حتى وسطها. تساءلت عن هويتها، هل تُراها تقرب لعائلة سايمون؟ فلا يبدو أنها على عجلةٍ فيما تفعله رُغم أن موعد الغلقِ قريب.

ثم ما خطبها؟ تُحاول إخراجي أم ماذا؟ لم أسمع يوماً عن صاحبِ مكتبة يطلب من زبائنه الاستعجال. أعني، إنها مكتبة ! لشخصٍ طبيعي يبحث عن معلوماتٍ لبحثٍ ما وليس حتى معتاداً على الكتب فسيستغرق فيها وقتاً بالتأكيد أطول. ربما هي الأخرى تريد الإسراع فحسب بالخروج من هنا، حتى تعود لدفء بيتها وتتمتع بعشاءٍ عائلي.

التقطتُ كتاباً لم أكن متأكدة حتى عن ماذا كان، واتخذتُ طريقي لركن القراءة أين جلستُ ورحت بدلاً عنه أطالع السقف. قد أجعل هذه هوايةً جديدة ! أطالع السقوف وأرى الفروقات بينها بُغية تضييع الوقت، قبل أن أعود لسقف بيتي المُكنى بالصحراءِ الباردة.

-" كيف تتحكم بتصرفاتِ ابنك الرضيع أو حيوانك الأليف؟ همم، موضوعٌ مثيرٌ للاهتمام " قوطع تأملي بصوتٍ توقعت، أو تأملت، أن أسمعه لليوم. كان يرمق الكتاب الذي بين يدي في استغرابٍ امتزج برغبةٍ في الضحك.

-" أهلاً بك أيضاً، سايمون " ذاك كان ردي، أرفقته بإمالة رأسي مجدداً للأعلى واستغراقي بالتأمل.

-" ما الذي تفعلينه هنا بهكذا وقت؟ " تساءل، وداخلياً استغربتُ انفتاحيته اليوم للكلام عكس العادة.

-" ماذا يبدو لك أنني أفعل؟ تارةً أطالع السقف، وتارةً أطالع كتاب كيف تتحكم بابنك الرضيع وحيوانك الأليف على أمل أن أجد حلاً لعائلة عناكب تحت سريري. " جزءٌ من الكلامِ لم يكن كذباً، هناك بالفعل عائلة عناكب تحت سريري. أعتبرهم رفاقي.

-" مُثلجاتٌ والدنيا ستتحول لها من تساقطه الكثيف وكتابٌ حول كيف تُربي رضيعاً وحيواناً، مُؤشراتٌ لحالةِ اضطرابٍ محتملة. أنتِ بخير؟ "

سعلتُ قبل أن أجيبه، ويبدو أن البرد سيبدأ بفعل مفاعيله علّي بدايةً من الزكام القريب:" ألا يمكن للشخص أن يكون غريباً في هذه الحياة دون أن تُحاسبوه أنتم، أيها البشر؟ " ولكن، وطبعاً، أفسد رونق جُملتي جسدي الذي أطلق عطسةً خفيفة، بدأت أعيني بالدمع معها.

دون أدنى كلمة، وقف وابتعد إلى اللا أدري أين. ومع ذلك انحرفت عيناي نحو تلك الشابة، ووجدتها تُحدقّ فيها بنبرةٍ لم أفهم فحواها، سرعان ما أشاحت بها وبوجهها حال لمحها لاكتشافي لها في حركاتٍ مضطربة.

عدتُ مجدداً أسأل نفسي: ماذا أفعلُ هنا؟

لم أوعى على العالمِ من أفكاري التي تشابكت بعدها إلا على إحساس شيءٍ ثقيلٍ دافئ يحتضن جسدي الذي بدأ بالفعل يرتعش. كانت بطانية، وقد وضعها سايمون عليّ، قائلاً ما ابتسامة:" لا بأس، يُمكنكِ البقاء هنا كما تريدين. الثلج في تراكمٍ بأيّ حال في الخارج وستبدأ العاصفة المؤقتة، كذلك .. " اتخذ مكاناً بجانبي بينما رفعتُ الغطاء لحدّ أذناي ثم رأسي علّهما يدفآن، في حين أنه امسك بكتابي وفتحه مُكملاً:" لا أعتقد أن أهلكِ سيمانعون مبيتكِ عند أحد الأصدقاء، صحيح؟ " قالها بنبرةٍ هادئة، رزينة، كما لو أنه لا مباشراً يُخبرني بكم يبدو عليّ التشردُ واضحاً.

أزعجني هذا بعض الشيء؛ لكنني تيقنتُ بأنه لم يقصد أيّ اهانة، فلم أقل شيئاً بعدها، وكذلك هو.

بالنهاية، بين صقيع حياتي الحالي، أظنني ظفرتُ هنا ببعض الدفء، فقط البعض..

تيهان رُوح.Where stories live. Discover now