.|4|.

803 114 35
                                    


الموت، الموت، الموت..

كلمةٌ من ثلاث حروف، وقعها حين تُذكر على قلبِ الشخص يكون قوياً بما لا يُمكن حتى الوصف. ذاك ما لم يكن ما حصل معي حال تلقيّ لخبر موت خالتي ' المُفجِع ' بيومٍ من أيام أول أسبوعٍ من ديسمبر.

كنتُ أرى أمي تبكي، بشدة، فتفهمت. كنتُ أرى أبي غائباً، كما العادة، وتفهمت. كنت أرى معارفها وقد غلّفتهم ظلمة دجىً اختفى فيه مفهوم النور بالمطلق تماماً، وببساطة، تفهمّت.

ما لم أتفهمه، هو تفهمي هذا.

هل تراني مُلبّدة مشاعرٍ كما يقولون؟ أم أنه المنطق فحسب الذي يفرض علّي هذا البرود في جنازة من لم أكن يوماً بأيّ قربٍ منها؟ أم أنه كِلا الأمرين؟

-" تشبهينها كثيراً، سيرين." التقطتُ اسمي من بين ضوضاء عقلي، فاستدرتُ لمُلقية الجملة بهدوء. كانت سيدة، وكما الجميع ممن هنا، قد غلفّتها حِلكة السواد بكل قطعةٍ من ثيابها. لتضيف مع تعديل خصلةٍ من شعرها الحُر:" لا تعرفيني، كما المعظم هنا، لكني كنت من أحبّ الأصدقاء لخالتك. لربما لا تعرفين هذا، لكنها كثيراً ما كانت تتكلم عنكِ فخورة، وتعبر عن مدى حبها لك. " دخل عقلي الفوضوي في سلسلته من الأفكار التي استُجمعت في تساؤلٍ واحد. " عفواً؟ "

قهقهت السيدة قهقهةً أقرب منها لمحاولة كبت عبراتٍ من حريتها، ثم أضافت:" لا عليكِ من كلامي. لا عليكِ على الإطلاق. أنا مُجرد سيدةٍ وحلّ عليها الصقيع فجأة بعد فقدان أعز رفاقها فلا تدري بما تتفوه، خاصةً مع تذكرها كل الأهداف والأحلام التي كانت تطمح لها؛ ولم تتمكن من ذلك بفضل لعنة الموت التي حلّت عليها ! " اختتمت قولها بدمعةٍ أعلنت استسلامها، فتركتها لحالها واتجهتُ مبتعدةً عن الجمعِ نحو شرفة البيت أين قد يمكنني أن أتنفس.

أتنفس..

هل يعني فعلي هذا أني حيّة؟ وهل عدمه فقط هو ما يعني أنك ميت؟

ماذا عن ذاك الذي يتنفس، لكن تلك الكلمة لا تتعدى هواءً يتسلل لجسده ويخرج، دون أي معنى وهدف؟ ماذا من الممكن أن تعنون حياته وحالته، سوى أنها كومةٌ من فراغ؟

تساءلتعن لم أتساءل فجأةً عن مثل هذا أمر، وحاولت تجاهل إجابة هذا السؤال.    

تيهان رُوح.Where stories live. Discover now