الخِطاب الثاني

1.4K 110 38
                                    

العاشِرة صباحً أخر مارس؛ حيث الربيع المشرق و الأزهار المُتفتحة و الطيور المغردة تعلن عن ميلاد فصل جديد، ولكن أيضا هناك الرياح القوية المحملة بالأتربة و العواصف المزعجة التي طالما عكرت صفو هذا المناخ.

كانت فترة إستراحة ما بين المُحاضرات، وضع حقيبته علي كتفيه ثُم خرج من قاعة المُحاضرات متجهً إلي الحديقة الصغيرة المتواجدة بجانب مبني الدراسة؛ مكان هادئ قليل ما ياتي إليه أحد. جلس علي مِقعد صغير في زاوية غير مرئية و وضع حقيبته جانبه ثُم وضع سماعة الرأس بعد أن أوصلها بهاتفه و بدأ يستمع إلي مقطوعاته الموسيقية الهادئة.
لمح مجموعة فتيات يدلفن الحديقة يضحكن و يبتسمن، إبتسامة واسعة إرتسمت علي مُحياه حينما شاهدها بصحبتهن. أزال السماعة من علي رأسه ثُم أوقف الموسيقي المُنبعثة من هاتفه و بات يُراقب حديثهن

"حسناً هذا مكان هادئ و مُناسب للغاية لإلتقاط بعض الصور التذكارية لنا لتكون ذكري لطيفة لنا معاً حينما نتخرج"

قالت ليندا و كانت تبتسم بشر، هو يعلمها جيداً و يعلم كم هي مُتنمرة و قادرة علي تدمير من أمامها بكلماتٍ بسيطة دون أن يهتز لها جِفن.

"أوافقكِ الرأي يا ليندا، هيا يا فتيات لنقف خط عرّضياً"

كانت نيكول، هي صديقة ليندا المُقربة. تمتلك نفس الشخصية المُتنمرة البشعة. ما آثار دهشته هو كيف لها أن تكون معهن؟! هو يعلم جيداً ما نيتهن من هذا التجمع، يعلم انهن سيُدمروها بكلِماتهن اللاذعة. تجمعن الفتيات كما قالت نيكول و وقفت ليندا أمامهن لتلتقط الصورة.

"كونِ الأخيرة في الصّف يا سيلين" أردفت نيكول بنبرة قاسية و ما هي إلا لحظات و تلون الجو باللون الأصفر الباهت

"ل-لِما يا نيكول؟"

تسائلت بتلعثم، لتتعالي نبضات قلبه خوفاً عليها مما ستقوله و من طريقة حديث نيكول معها.

"تعلمي أنكِ بدينة يا عزيزتي و إذا وقفتِ بالمُنتصف لن يظهر الباقي"

أردفت و كانت تبتسم بسُخرية، ليضحك باقي الفتيات علي كلامها، أما هي ف كانت عيناها علي وشْك ذرف الدموع، هو يود أن ينهض و يُلقنهن درساً و يُعانقها بقوة، يُخفيها بداخله عنهن، لكِنه أضعف من ذلك، هو بالكاد علي قيد الحياة.

"معذرةً"
تمتمت سيلين و إلتفت خارِجة من الحديقة وهي تمسح عيناها بقوة، ما إن خرجت حتي تعالت ضِحكاتهن و كلامهن اللاذع عنها، مما جعل دموعه تتساقط في هدوء علي وجنتيه. هو عاجز عن حِمايتها.
هبت عاصفة قوية محملة بالأتربة جعلتهن يفرون تاركين الحديقة.
ظل ساكناً في مكانه يبكي بصمت علي حالِها و علي ضعفه و قلة حيلته و عجزه عن حمايتها حتي هدأت العاصفة. مسح دموعه عن وجهه ثُم أخرج الدفتر الصغير من حقيبته، فتحه وشرع في الكتابة بالقلم الذي كان بداخله

"عزيزتي سيلين..

أنا حقاً أعتذر لكِ، أعتذر عن ضعفي الذي يقتُلني، أعتذر عن عدم حمايتكِ من عديمات الإحساس، أعتذر لكِ عمّا سمعتيه منهن. لا تُنصتِ لهم أنتِ لستِ كذلك يا جميلتي، أنتِ فاتِنة للغاية! و حسناً أنا لا أُبالغ إطلاقاً، لا تستمعِ ولا تُلقِ بالاً لحديثهم كرّة أُخري.
كونِ قوية يا سيلين، لا تجعلِ من نفسكِ لُقمة مُستساغة البلع لهن، لا تُريهن ضعفكِ ثانية، لأنهن ستعتادن علي كسركِ و الإطاحة بكِ دوماً.

كل الحُب."

برِفق قطع الورقة من الدفتر ثُم ثناها نصفين و أخرج من حقيبته مظروفً قُرمزي ووضعها بداخله ثُم وضع المظروف و الدفتر و القلم داخل حقيبته.

إستقام واقفاً و وضع حقيبته علي كتفيه ثُم خرج من الحديقة و بعدها خرج من الجامِعة، لا طاقة له علي إكمال اليوم. قبل عودته إلي منزله ذهب إلي طريق منزِلها، أخرج المظروف من حقيبته ثُم وضعه في الصندوق البريدي و رحل في طريقه لمنزله خائر القوي.
________________________________

شكراً حقيقي علي التفاعل علي الفصل الأول فرحتوني جداً والله 💜

في أي انتقادات؟

تعليقات؟

قولوا الي ف نفسكم 😂💜🌸

Asperger Syndrome || مُتلازمة أسبرجرWhere stories live. Discover now