.|3|.

957 129 33
                                    


عدّلتُ من وضعِ قبعتي الصوفية الحمراء على رأسي، ونفخت قليلاً في يديّ المُحمرتين. نظرتُ أعلاه حيث الغيمُ قد بدأ في زفِّ دموعه المتجمدة؛ حيثُ وعلى الأرجح فسيستمر بفعله هذا لمدةٍ طويلة ستكون طوال هذا الشهر، شهر ديسمبر.

سمعت بعض لحظة نداء تيا البعيد، استدرت لأجدها تنزل من سيارتها وقد ازدانت بأفخر وأغلى أنواعِ المعاطف والأوشحة عليها، تتجه نحوي بحيويةٍ كبيرة.

خططنا اليوم للتسوق لحفلتها القريبة التي ستكون بمناسبة عيد ميلادها، أو أنها خططت، وأنا وافقت فقط بغية تغيير الجو من حولي قليلاً غير بيتي الكئيب الذي قليلاً ما يتواجد أبواي فيه. 

مع مرورنا من متجر لآخر، لاحظت ابتداء الجميع بتجهيزات عيد الميلاد ورأس السنة، واللذان لا احتفل شخصياً بهما. فلا الأول من عقيدتي، ولا الثاني من قناعاتي.

-" سيرين، هلاّ قضيتِ عيد الميلاد هذا معي ومع عائلتي؟! دائماً ما تتذمرين من قِلة تواجد أهلك بالبيت، وفكرت أنه سيكون من الرائع لو انضممتِ لنا ! " اقترحت تيا، على وجهها بسمةٌ مشرقة.

أجل، ذاك صحيح، هي لا تعلم حقيقة ديانتي. فمظهري لا يوحي بانتمائي لأيّ منها مع شعري الخفيف الوسط الطول، وكذلك لم يكن عدم الذهاب للكنيسة بالأمر صعب التبرير في أي مجتمع حرٍ كالذي أعيش فيه في بريطانيا. لكن وباعتقادي، فهي لا تزال تظنني مسيحية. وأنا شخصياً أفضل عدم توضيح هذه النقطة لها. الديانات ليست من اهتمامات تيا، سواء السلبية أو الايجابية، لكن ورغم كل شيء، لستُ أدري كيف ستكون ردة فعلها نحوي بعد أن تعلم أني مسلمة..

شعرت فجأة بغصةٍ عند وصولي لهذه الكلمة.

-" أنظري لهناك " قالت، فامتننت لإخراجها إياي من دوامة الأفكار تلك، ونقلت نظري لحيث تشير. كانت هناك شابةٌ محجبة، تنتقل من مكان لمكان بجانب متجر الزهور.. رميتُ نظرةً متسائلة لتيا فوضّحت:" ظننتهم لا يحتفلون بهذا العيد، ماذا تفعل هي هناك؟ "

-" تشتري زهوراً؟ أم أن الزهر حِكرٌ على الغير مسلمين فحسب كذلك؟ " لستُ أدري كيف كانت نبرتي حين قُلتها، لأنها تسببت بحملقة تيا فيّا لدقيقة، قُبيل أن ترد:" لست أعني ذلك. غالباً فمتاجر الزهور الآن مشغولة ببيع شُجيرات ونباتات عيد الميلاد المزينة، مما أثار استغرابي. " تغيرت ملامحها للاهتمام لدى لمحها متجراً للملابس، فذهبت مسرعةً نحوه بينما تبعتها ببطء.

عادت صورة تلك السيدة بعقلي، مظهرها البسيط وكيف لا تهتم بأيٍّ من أشباه تيا الذين سيتساءلون؛ أو الأسوأ منها الذين فقط سيُسيئون.

ورُغم ذلك، هي كانت تحمل ابتسامة، ابتسامةً مشرقة. تساءلت كم لها أن تكون قويةً لهكذا درجة، كيف لها أن تتحمل كل ما تتعرض له في بلاد الغربة هذه التي لا تعترف بها، وأهماً، كيف هو شعور حملها لمثل هكذا بسمةٍ وسط محيطٍ لا يريد منها سوى الدمع؟

لمأعلم، وربما لن أفعل أبداً .. 

تيهان رُوح.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن