الزهرة الخامسة و الثمانون : ظلالٌ و نيران.

382 44 18
                                    

وشوشاتٌ متقطعة تليها وشوشاتٌ أخرى ثُمَّ يليها مشهد حيثُ ألسنةُ اللهبِ تأكلُ كُلَّ شيءٍ، ليلةٌ منَ المفترضِ أن تكونَ عتماءُ مسالمةٌ لا ينيرها سوى ضوءُ القمرِ أصبحت تشعُ برتقاليًا يتدرجُ بينَ الأصفرِ و الأحمرِ جاعلًا من دماءِ الانسِ حولهُ تغلي خوفًا و رهبة، هُناكَ حيثُ تجثو تلكَ الطفلة ذاتُ الشعر الأسود الطويل تفتحُ عيناها الخضراوتانِ المرتجفتانِ على أوسعيهما فقط كما شفتيها الشبه مفتوحتينِ تعقدُ حاجبيها و تتشبثُ برمالِ الأرضِ بشدة بينما تحدقُ بذلكَ الجحيمِ أمامها .

همست دونما وعي : كيفَ آلت الأمورُ لتصبحَ هكذا ؟...

سكتت لتردفَ بعدَ بضعِ ثانية : لما.. ذا ؟، لماذا.. لا أستطيعُ حمايتهم ؟.

شهقت شهقةً مرتجفةً و ممدودةً ببطءٍ شديدٍ لتزفرها أشدَ إرتجافًا و سرعة

أردفت : كيفَ لي أن أحميهم ؟، فليخبرني أحدكم كيفَ لي أن أحميهم... رجاء...

صوتٌ قادمٌ منَ الغابةِ بالكادِ تخللَ أذنيها، لكنهُ كانَ أكثرَ من كافٍ ليجذبها نحوهُ، نهضت ببطءٍ شديدٍ لتتوغلَ في الغابة و سرعانَ ما لمحت عيناها طفلانِ و طفلة أخرى ، أحدهم بشعرٍ أحمر ، و الآخرُ بشعرٍ أسود أما الأخيرةُ فهيَ كستنائيةُ الشعرِ، غيرَ أنَّ أذناها لم تسعفاها سوى في سماعِ طلاسمٍ لا تفهم و على حينِ غرةٍ بدا لها أحدُ الثلاثةِ كما لو كانَ يضحكُ بجنونٍ بينما جرى الاثنانِ الآخرانِ نحوَ الغابة بينما لحقَ بهما الطفلُ الأخير ، هيَ كانت على يقينٍ بهويةِ الثلاثة، و لم تستغرق وقتًا حتى حسمت أمرها لتلحقَ بهم سريعًا، ألقت تعويذةً ما دونَ اللجوءِ إلى تلاوتها لتبرزَ عدةُ ظلالٍ منَ الأرضِ مقيدةً الطفلَ ذو الشعرِ الأحمرِ و البشرة السمراء

هتفَ مايكل : اللعنةُ عليكِ آنا اتركيني أذهب !!.

همست بينما تتخطاهُ راكضة : آسفة مايكل، يجبُ عليَّ حمايتهُ مهما كلفَ الأمر !.

أما حيثُ راين و سارا فهما واصلا الجريَ حتى وجدا نفسيهما أمامَ تلكَ البحيرة الذهبية فاتخذا منَ الكهفِ قريبًا منها مخبأ

قالَ راين من بينِ أنفاسهِ المتقطعة : انتظري هُنا... سأعودُ حالًا.

التفَ خارجًا لتتشبثَ سارا بقميصهِ دونَ أن تهمسَ بأيِّ كلمةٍ مما دفعَ الأخير لإظهارِ ابتسامةٍ متكلفةٍ قائلًا : لا بأس سارا، تريدينَ مني جلبَ إدغار أليسَ كذلكَ ؟.

اتسعت حدقتا عيني المعنية لتقول : هوَ ما زالَ حيًا صحيح ؟.

صمتَ راين متشبثًا بملابسهِ محتارًا بما يجيبها وقبلَ أن يفعلَ انقضَّ عليهِ أحدُ الشياطينِ ذوي المعطف الأسودِ منَ العدمِ ليطرحَ راين أرضًا راكبًا فوقهُ، الغريبُ يحاولُ الهجومَ و راين يدافعُ بيأسٍ بينما يدركُ أنَّ خسارتهُ هيَ مسألةُ وقتٍ لَن يطول، و على حينِ غرةٍ اخترقت جسدهُ شفراتٌ سوداءٌ عملاقة ليهويَ جسدهُ فوقَ جسد راين، أبعدهُ الأخيرُ بصعوبةٍ لتتضحَ أمامهُ هيئةُ تلكَ الفتاةِ سوداءُ الشعرِ خضراء العينانِ

قالَ متفاجئًا : آنا...

تمسكت آنا بكفِ راين تسحبهُ نحوها لينهض الأخيرُ فقالت : أ أنتما بخير ؟.

أومأ راين إيجابًا ليحيطَ بهم عشراتٌ من ذوي المعطفِ الأسود فهتفت آنا : تعرفُ أينَ تجدُ حقلَ الزهورِ صحيح ؟، رجاءً إقتلع تلكَ الزهور السوداء و الملطخةَ بالاحمر !، سأهتمُ بالبا--

قاطعت كلامها صرخةٌ أطلقت من سارا التي حوصرت من قبلِ عددٍ من ذوي المعطفِ الأسودِ فما كانَ منها و راين سوى التوجهِ نحوها، غيرَ أنَّ تياراتٍ من الرياحِ تشكلت حولهما لتدفعهما مقيدانِ إلى شجرةٍ بحبالٍ منَ العدمِ عاجزانِ عنِ الحركة

حدثت آنا نفسها قائلة : سحرُ الرياح، مما يعني أنها سيدتي، يجبُ أن تكونَ قريبةً مِن هُنا..

و بالطبعِ مستخدمة السحرِ الوحيدة بينَ الأطفالِ الثلاثة هيَ آنا لذا هيَ و بصعوبةٍ حررت نفسها و راين، و رغمَ ذلكَ هيَ كانت متأخرة بالفعلِ، شجرةٌ انقسمَ جذعها إلى اثنينِ لتهويَ فوقَ جسدِ سارا لتسحقهُ تمامًا و تتناثرُ دمائها في كُلِّ مكانٍ أمامَ عيني راين و آنا اللذانِ بقيا يحدقانِ بذلكَ المنظرِ بتعابيرٍ اختلطت بينَ الفزعِ و النكران دونَ أن يكونَ بيدهما شيء، لحظاتٌ مرت لتستعيدَ آنا حسها بالواقعِ فتلقي تعويذتها لتخترقَ الظلالُ أجسادَ ذوي المعطفِ الأسودِ واحدًا تلوَ الآخر ثُمَّ تلتفتُ نحوَ راين

قالت : سامحني.. لَم تعد هُناكَ طريقةٌ أخرى.

تراجعَ راين خطوةً إلى الخلفِ فتلت آنا تعويذةً ما ليفقدَ الأولُ وعيهُ تدريجيًا أو هذا ما اعتقدتهُ هيَ، فقد تمسكَ راين بيدها قائلًا : توقفي مهما كانَ ما تفعلينه آنا، لَن تتخلصي مني بهذهِ السهولة

فتحت آنا عينيها على أوسعيهما لتقولَ مدافعة : أنتَ مخطأ !، لَم أكن أقصدُ شيئًا كهذا أبدًا !، كُنتُ أحاولُ إخراجكَ منَ القر--

هتفَ بها راين : من سمحَ لكِ بذلك !.

أردفَ بهدوء : سأساعدكِ آنا، أنتِ تخططينَ لشيءٍ ما صحيح ؟، رجاء دعيني أساعدكِ.

بعدَ صمتٍ طويلٍ أجابت آنا : آسفة، لن تستطيعَ مساعدتي بوضعكَ الحالي... راين ساما... رجاءً كُن هادئًا.

التفت ظلالُ آنا حولَ قدمِ راين لتدفعَ بهِ مصطدمًا بشجرةٍ فيفقدُ الأخيرُ وعيهُ تدريجيًا لتواصلَ آنا توغلها في الغابةٍ جريًا، وشوشاتٌ تليها وشوشاتٌ أخرى، و مشهدٌ حيثُ تقفُ آنا في أرضٍ زجاجيةٍ بينَ مجموعةٍ منَ المجنحين، ثُمَ مشهدٌ آخرُ حيثُ تطلبُ شيئًا مِن ملكةِ الكيميائيين فتنحني إحترامًا لها، و أخيرًا مشهدٌ حيثُ يحيطُ بها سكانُ قرية ما

سألها العجوزُ قائلًا : أمتأكدةٌ مِن قراركِ ؟، آنا ساما..

أومأت آنا بالإيجابِ : أجل، ليسَ هُناكَ طريقةٌ أخرى، لذا رجاءً جدي.. إن حدثَ وجاءَ شابٌ بشعرٍ أسودَ وعينانِ بنفسجيتان، أرشدهُ إلى الطريق.

flores pueblo - قيد التعديلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن