خير

1.8K 77 10
                                    

كانت تنظر لي من بعيد باشمئزاز ، وكأنني نصف كائن او ما شابه، وكنت أنظر أنا لأمي، ما بها هذه السيدة ترمقني بنصف.عين !
ابتسمت أمي وقالت: مبروك يا صغيرتي ....
ها ماذا يا أمي ؟
هذه السيدة تريد خطبتك لإبنها !
وإن كانت تريد خطبتي لما ترمقني هكذا ...
حركات يا بنيتي حركات !
كانت نظراتها تحرقني، شعرت بأنها تخترق كل تفصيل صغير بي، أدرت رأسي عنها، وبدأت اتحدث مع صديقتي، اقتربت وهمست: أين أمك؟!
ها ما قالته أمي صحيح، هذه تريد خطبتي، ها هي بجانبي وأشحت بنظري عنها
تحدثت مع أمي، أخذت موعد على زيارة بيتنا، لكن يا أمي لا أريد ...
هاتفت من أحب، قلت له أرجوك ، افعل أي شيء وتقدم لخطبتي، بداية سنقرأ الفاتحة، لا أريد أي شيء غيرك ...
قال لي: كيف سأتقدم لخطبتك؛ وأنا ما زلت على مقاعدي الدراسية، ولا أملك سوى مالا يكفيني لأن أشتري فطوري، وما زلت آخذ مصروفي من أبي !
لكن أحدهم سيخطبني غيرك!
قال: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، إن كنت خيرا لك لن تكوني إلا نصيبي ...

أغلقت الهاتف، بدأت أبكي بصوت مرتفع، وبين كل دمعة ودمعة أخرج صوتا غريبا يشبه الألم...
قرعت أمي الباب، دخلت، ووقفت تنظر لي، ما بكِ؟
شعرت بأن الزمن توقف عند تلك اللحظة، قلت لها لا شيء...
جهزي نفسك سيأتون اليوم لرؤيتك ...
حسنا يا أمي، وقفت أمام مرآتي ، كان الحزن يخيم كل تفاصيلي الصغيرة،برغم ذلك بدأت اضع مساحيق التجميل على وجهي ، وبالفعل كنت جميلة!

جاؤوا، جلسوا قليلا مع والدي، قدمت لهم القهوة، استرقت النظر للعريس، يبدو طيبا، تلاقت نظراتي مع نظراته ، شعرت بالراحة، ومن ثم تذكرت من أحب، ادرت ظهري وخرجت مسرعة قبل أن يكشف أمر دمعتي

تبعتني أمي للمطبخ ، ما رأيك به؟
يا أمي لا أعلم خيره من شره!
بعد الخطبة ستحبينه؟
ومن قال بإنني موافقة....
يا بنيتي أنه غني، ولديه قصر !
حسنا أمي ، فكرت قليلا، كان قلبي يعتصر ألما، برغم هذا قلت موافقة...
بعد أسبوع، كنت ما زلت أتلصص النظر على حساب حبيبي الشخصي، أرى تعليقاته، ومنه أعلم حالته ...
كان قوي، برغم خسارتي، يبدو بأنه بخير، كنت اتسائل أيعقل بأنه كغيره من الشبان اتخذ من قلبي ملهاة له
هاتفته ثانية، قلت له خطبتي بعد اسبوع !
صرخ بوجهي، لا ، أنتِ لي
تعجبت من ردة فعله، لكن لا نصيب بيني وبينك ...
قالها : أرجوكي لا تتزوجي غيري، انا أحبك ، بضع سنين وسيصبح حالي أفضل وآتي لخطبتك ....
كان ذلك القرار الأصعب في حيايي، هل أنتظره أم أتزوج غيره، اقترحت صديقتي بأن أصلي الاستخارة ، استخرت الله ، نمت ...
استيقظت أخبر أمي بإنني موافقة على الخطبة الأسبوع المقبل، ذهبنا للمحكمة، كان هو على بابها، حاولت أن أغلق قلبي عنه، اتممت سيري، دخلنا المحكمة، على جانبي امرأة تبكي لإن زوجها قد حرمها من طفلها بعد الطلاق، وأخرى تقفز من الفرح ، وتقول: لقد ارتبطت بحبيبي، وأخرى تبكي على فقد أبيها وحرم إخوتها لها من الميراث ...
تخيلته ، يقف بجانبي، ابتسمت، وعدت لواقعي سأتزوج ممن أضمن مستقبلي معه، وقعنا على عقد الزواج ؛ وخرجنا لاختيار خاتم الخطوبة، كنت آراه في كل مكان، مع ذلك أقول لعله خير، لعله خير !

بعدما ارتبطت بآخر حرمت على نفسي الحديث معه، والنظر إليه، كان يبعث لي رسائل كثيرة ، يخبرني بإنني قد خنت عهده، أنه ما زال يحبني، لكنني تجاهلت رسائله ...

لن أغوص بتفاصيل الفرح، سأذكر بعد عدة أعوام من زواجي ماذا حدث، زوجي عائد من العمل؛ حادث سيارة، أودى بحياته !
بكيت حينها وكأنني لم أعلم رجلا في حياتي، بقيت مدة العدة كلها أبكي فراقه، كان حنون ، يعاملني بحب، ولم يغضبني ليوم، قلت لماذا يا الله تأخذ حب حياتي مرة ثانية .....

بعد عام على فراقه، أصيبت ابنتي بالحمى ، ذهبت بها إلى الطبيب، على الكرسي المقابل لي كان الشخص الذي أحببته سابقا؛ نظر لي ونظرت له، تقدم نحوي وقال: جميلة ابنتك ما بها!
قلت مريضة...
تمنى لها الشفاء ...
نظرت له، يبدو بأنه لم يرتبط بأي امرأة للآن ....
خرجت من العيادة، ماذا لو عاد الزمن وارتبطت به....
صوت من ورائي ، لقد وجدت جزدانك على الكرسي ..
أدرت رأسي، شكرا لك ...
كيف حالك ؟
بخير
وأنت ...
بخير
كيف زوجك ؟
لقد توفي قبل عام ...
رأيت البريق يشع من عينيه حينها، امسكت صغيرتي بيدي؛ أمي من هذا؟
أكملت طريقي، وأنا افكر ماذا سيحدث بعد هذا، ماذا يخبئ النصيب لي ...

استيقظت على صوته، يا حبيبتي كفاكِ نوما....
فتحت عيني، هل هذا كان حلم ، أم انه رسالة من الله بعد صلاة الاستخارة ....

اتخذت قراري حينها، قلت، الله سيختار لي الأفضل ..

لا تقلق الله أعلم بعباده ، يعلم ما يفرحك وما يحزنك، وكم من شر نظنه ، نجده خير

اقتباساتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن