الفصل الثاني: حقيقة أم خيال؟

273 60 46
                                    

...

بسم الله الرحمن الرحيم

بين الواقع والخيال هناك برزخ أنا أنتمي
إليه. -الشمس التبريزي.

قراءة ممتعة♡

...

بعد انتهاء فترة الإستراحة توجهت لمكتب الأخصائية الإجتماعية وأنا غير مبالية بشيء ودخلت وخطوة بخطوة كانت نظرات الأخصائية الجادة تتبعها.

عند تلك اللحظة أخذت الأمور بجدية وجلست بهدوء دون حراك ونظري موجه نحو الأرض عكس جلستي المعتادة تمامًا التي يتعلق فيها نظري في جدران السطح.

وهنا تكلمت الأخصائية فجأة بعد صمت دام لثانيتين ولكني أحسست أن سنوات مرت علي وأنا جالسة على ذلك الحال الموتر.

وأخيرًا أتيتي، أمهليني دقيقة لدي شيء أريد أن أريكِ إياه.

بعد قولها ذلك علمت أن الموضوع مختلف تمامًا عما فكرت فيه أنا أو حتى فكرت فيه زميلاتي فالأخصائية متقلبة المزاج ولو كان الأمر متعلقًا بالمشاكل لكانت قد زلزلت الدنيا فور دخولي عليها.

لذلك ارتحت نفسيًا قليلًا لكني مازلت أجهل ما تريده مني فلا بأس بقليل من التوتر فالموقف يستحق ذلك فهي هادئة الآن هدوئًا غريبًا كالهدوء ما قبل العاصفة.

لذا امتزجت أفكاري الإيجابية والسلبية بعضها ببعض وأنا أراقب الأخصائية وهي تفتح إحدى الخزائن المكدسة بالملفات الصفراء ثم تضع يداها على ملف أزرق مميز بين الملفات الصفراء.

كان منقوشًا عليه باللون الذهبي بزخارف أو لغة قديمة لا أعلم ماهيتها، سحبته بحركة سريعة عندها أحسست وكأنها تسحب قلبي معه، آه يا إلهي!

وضعت الملف أمامي مفتوحًا على مصرعيه وعندما أمعنت النظر فيه علمت أنه ملف بيانات شخصية لإحدى الطالبات وأحسست بأني أعرف هذه الطالبة لكن من؟

رفعت رأسي مستفهمة عما أرى وطالبة تفسير له فنطقت بصوت رزين وخالي من التعابير متجاهلة لتعابيري المندهشة والمرتبكة قليلًا وقالت.

هل تعرفين هذه الطالبة؟ لقد وردتني بعض الإشاعات أنكِ كنتِ صديقتها المقربة في المرحلة الإعدادية، أخبريني عن ما كل ما تعرفينه عنها وعذرًا لا أستطيع أن أفصح عن السبب في الوقت الراهن.

عندما أنهت كلامها كنت قد استفقت من عالمي
الخاص الذي أتيه فيه كلما أطرق بابه، العالم الذي أنساني مرارة عيشي والغصة التي تكونت في قلبي منذ طفولتي.

والسواد الذي يحيط بمشاعري يجعله يأبى البوح بها وتظل صامتة وسط العالم المزدحم بالأصوات الصاخبة حتى أصبح لقبي الروح الصامتة.

فمن يراني كأنه يرى جسدًا غادرته روحه بلا عودة فروتيني في الحياة يتلخص كما قلت سابقًا من المسكن إلى الصف ثم إلى وظيفتي الجزئية التي تسد القليل من ثغرات حياتي الكثيرة.

وبينما أنا جالسة أسرد لنفسي ويهات حياتي كانت الأخصائية تنتظر إجابتي ولأني أطلت السكوت طرقت الطاولة ثلاثة طرقات التي انتبهت لها من آخر طرقة.

وبنظرة داكنة منها أحسست بشعور غريب وبدأ جبيني بالتعرق وكأني مجرمة تجلس في غرفة الإستجواب أمام المحقق وعندها قالت ببرود.

أظن أنكِ لست مستعدة للإجابة الآن، لا بأس فكري جيدًا وتعالي عندما تجدي الإجابة الكاملة لي، وأتمنى أن لا تخبري عن ما دار بيني وبينكِ لأي طالبة أو أستاذ أيًا كان، حسنًا؟

وابتسمت ابتسامة هادئة عكس ابتسامتها الشيطانية المعتادة التي تبث الرعب في النفس ثم أكملت.

هيا لا تتوتري منيرفا، الأمر لا يستحق، فقط أدي ما عليكِ وانسي الباقي.

أجبت مع بعض التوتر دون الخوف فقاموس مشاعري لا يتضمن هذه المفردة الذليلة بالطبع.

لكن سيدة رانسي أنا لا أعلم عن الذي تتحدثين عنه، لقد توترت لأني شردت قليلًا فخفت أن تعاقبيني لأني لم أكن منتبهة معك.

من عاداتي السيئة أنه عندما أفسر لأحد أمرًا ما، والذي يكون نادرًا بحد ذاته لأني كوحيدة الخلية المنعزلة عن الكون، فإني أحرك يدي مع الكلام فاصطدمت يدي بالمزهرية التي كانت موضوعة على الطاولة المحاذية لي فوقعت.

لكن قبل دقائق معدودة من اقتراب ملامستها للأرض أحسست بغشاوة تمنعني من الرؤية كأن الذي يجري أمامي عبارة عن سراب يتمايل في الهواء وبعدها توقفت المزهرية عندما ركزت النظر إليها.

ولكن بعدها أحسست بألم في عيني فأغلقتهما بسرعة جاهلة ما سيحدث بعدها، وعندما أفرجت عن مقلتى عيني كان كأن شيئًا لم يكن فرجعت نظري للأخصائية.

فوجدت مقعدها فارغًا فجلست حائرة وأنا أجول بنظري في مكتبها باحثة عنها، آه لكِ يا
نفسي كم تهوين الشرود! إن هذا الأمر يتكرر معي دائمًا.

فعندما يتحدث معي أحد ما أكون منتبهة لتحركاته في الدقائق الأولى وبعدها يسحبني عقلي إلى عالم تعودت على غرابته لدرجة أني أظن أني مصابة بمرض نفسي.

ولكن هذه الدنيا الصغيرة التي بناها عقلي الباطني لي قد خففت عني أوجاع حياتي القاسية لكن سلبيتها الوحيدة أني عندما أفيق منها يكون كل شيء قد تغير حتى بت أشك في نفسي، أهي خيال أم حقيقة؟

...

يتبع

الروح الصامتة ¥ The Silent Soulحيث تعيش القصص. اكتشف الآن