وبدون أن ينتظر ردًا، أخرج كيان هاتفًا صغيرًا جدًا من جيبه، ضوءه أزرق باهت، وضغط على زر.
كيان " متأكدة انو بدك تعرفي الحقيقه"
ليورا" اكيد"
كيان" بس بعد هل شي مارح ترجعي متل قبل"
في اللحظة التالية، دوى صوت صفير غريب...
القطار المهجور في آخر الرصيف – الذي ظنّته ليورا مجرد خردة – أضاءت أنواره الأمامية، وبدأ يتحرك ببطء، ككائن كان نائمًا طويلاً.
كيان:
"كل ما تحتاجينه... سيأتي الآن. إن كنتِ قادرة على مواجهته."
ثم ابتعد عن الضوء، واختفى داخل العتمة كما دخل. لم تقل كلمة. فقط راقبته وهو يتلاشى، كأنه لم يكن إلا ظلًا.
ليورا، تلتفت نحو د. نعيم:
"ما الذي سيأتي؟"
لكنه لم يجب. فقط أشار نحو القطار المتحرك. أحد الأبواب فُتح ببطء، دون سائق. نداء صامت يدعوها.
د. نعيم، صوته يرتجف لأول مرة:
"الصفحة التي مزقناها... لازالت تكتب نفسها، يا ليورا."
---
داخل القطار:
ضوء خافت، ورائحة ورق قديم ومحروق. على أحد المقاعد، وجدت حقيبة جلدية صغيرة. بداخلها دفتر ملاحظات، وعليه رمز غريب محفور: (37:3).
فتحت الصفحة الأولى:
"نيمرا تتكلم. وإن كنتِ تقرئين هذا، فالموت اقترب من أحدنا أو شخص نحبه."
يد ليورا بدأت ترتجف، رغم أن الجو داخل القطار كان خانقًا أكثر من كونه باردًا. الكلمات كُتبت بخط يد ناعم، متوتر، كأن كل حرف فيه كان محاولة للبقاء على قيد الحياة. نظرت حولها، القطار خالٍ، والصمت صار له نبض.
الصفحة التالية:
"أنا ما اختفيت... أنا سلمت الحقيقه كاملة. لكيان، بس في جزء ... تاه بين أوراق المذكرة 37. لا تبحثي عن الحقيقة في عيون الناس، لأن أكثرهم تعلم الكذب ليبقى واولهم يوسف ليسم."
صفّرت صفارة القطار مرة أخرى، دون سبب واضح، كأنها تعلِن انتقالًا جديدًا في الزمن.
ليورا استمرت في القراءة.
صفحة (37:1):
"كيان لم يكن دائمًا هكذا. انا وانتِ كنا أطفالًا نحتمي ببعضنا من الصراخ خلف الأبواب. لم أكن شاهدة فقط، كنتُ جزءًا من الذنب. ولو قلت لكِ إن والدكِ هو من أمسك أول قلم وكتب الصفحة الأولى من هذه الرواية... هل ستصدقين؟"
لحظة صمت مرّت داخل رأس ليورا. كل شيء بدأ يتقاطع الآن.
ثم...
اهتز القطار فجأة. أنوار خافتة بدأت تضيء في العربات الأمامية. وسمعت صوت باب يُفتح ببطء.
خطوات قادمة نحوها... لكنها ليست بشرية تمامًا. أقرب إلى وقع أحذية خشنة على أرضٍ رخامية، كأن المكان تغيّر في لحظة من قطار مهجور إلى مسرح لعرض لم يُدعى إليه أحد.
ثم، صوت خافت جاء من الأمام: "ليورا..."
لم يكن صوت كيان.
لم يكن د. نعيم.
ولم يكن من المذكرة.
كان الصوت... صوت أنثى.
قلبها تسارع فجأة، والصفحة بين يديها اهتزت. تابعت بسرعة:
صفحة (37:2):
"إذا وصلتك هذه الدفتر، فاعرفي أني قربت منك أكتر مما تتخيلي. سأرسل لك الحقيقة كما هي، دون وجه كيان، دون صوت والدك، فقط... كما عشْتها. وتذكري: ما يُكتب هنا لا يُمحى، لأنه حُفر في دمنا."
ثم بدأت الكلمات تنزف وكأن الحبر سال في الصفحة التالية، وتجمعت جملة واحدة فقط وسط الورقة:
"كانوا ثلاثتهم هناك… وواحد فقط خرج حيًّا."
وفي اللحظة نفسها، ظهر خيال شخص واقف عند باب العربة.
عيناه نحوها، وجهه لا يُرى بوضوح. لكنه لم يتحرك. فقط انتظر.
في قلبها، شعرت أنه لم يكن مجرد خيال.
كان يحمل الإجابة، أو الجحيم نفسه.
ومع ذلك شعرت ليورا أن كل شيء يتحرك حولها. القطار، الهواء، حتى نبضها تغيّر إيقاعه.
مدّت يدها نحو الدفتر، أرادت أن تغلقه، لكن صفحاته تقلبت وحدها… وكأن نيمرا كانت تتحكم بها من مكانٍ ما.
صفحة (37:3):
"توقفي عن الهروب، ليورا. لأن اللعبة بدأت منذ زمن بعيد، قبل أن تُخلقي حتى. كنتِ الورقة التي انتظرها الجميع، القفل الذي لا يُفتح إلا بيدين متناقضتين: يد كيان... ويد والدك."
الشخص اقترب خطوة.
خطوة واحدة فقط، لكنها كسرت حاجز الصمت.
قال بصوت خافت، عميق، يحمل وجع سنين:
"عرفتِ أخيرًا من كتب البداية؟"
ليورا لم تجب. رفعت نظرها إليه، الرؤية ما تزال ضبابية، لكن ملامحه بدأت تتضح شيئًا فشيئًا. وجهه شاحب، كأنه خرج من قبر، عيونه لا تشبه أحدًا... لكنها شعرت بشيء مألوف فيها.
همست، بالكاد خرج صوتها:
"أبي...؟"
ابتسم.
ابتسامة باردة، حزينة، وكأنها إجابة مختصرة على كل الأسئلة.
اقترب أكثر، حتى أصبح مقابلها تمامًا.
"أنا آسف، ليورا. تركتكِ تحاربين وحدكِ، والآن حان الوقت لتعرفي لماذا."
---
وهنا أعلن انتهاء بارت 8
ESTÁS LEYENDO
Between the Lines of Crime
Misterio / Suspensoبين سطور الجريمة في ظلال المدينة المظلمة، تقف صحفية شجاعة على أعتاب الحقيقة، تواجه رجال المافيا وأسرار الجريمة القاتلة. هل ستتمكن من كشف القاتل الحقيقي قبل أن يلتهمها الظلام؟ رواية تشويق وغموض تحبس الأنفاس، حيث لا شيء كما يبدو... وكل سطر يحمل لغزًا...
part.8
Comenzar desde el principio
