- الفصل الخامس والعشرون

106 11 2
                                    

" لا يعود المرء للكتابة وهو بخير ، الذي يكتب يعالج نفسه من شيء ما "
| منقول |


" أبي العزيز ، الذي أذاقني أول خذلان في حياتي وأنا ابنة العاشرة ...
جئت اليوم أخبرك ....
أنك لست آهل لأن تكون أبي ..
وأني لن أفعل مثلك أبدًا ...
وأني لن أهرب من مسئولياتي أبدًا ....
وأني لن يجرفني الهوي بعيدًا ، لأترك عائلتي وحيدة وسط أمواج الحياة القاسية ....
وأني لن أنجب طفلًا لأتركه مثلك ....
بل سـ أكون له كل شيء ....
سـ أفعل له ما لم تفعله معي ....
و سـ أحرص علي إبعاده عن الخذلان والهجر ....
و سـ أُحرق الدنيا إذا سقطت منه دمعة ....

آتيت إليك يا أبي لأخبرك ....
أني لن أختار شريكًا مثلك أبدًا ....
وأني لن أتزوج رجلًا لا أحبه أبدًا ....
وأني مللت انتظارك ، علي الرغم من أنني كنت أعلم في قرارة نفسي أنك لن تعود ...
وعلي الرغم من ذلك لم أمنع نفسي من أمل حدوث المعجزة ....

أبي ....
لقد كتبت قصائدًا وكلمات أحكي بها عن خذلاني منك عندما تأتي ...
أشكو فيها شعوري بـ الغربة تجاهك ...
وأعاتبك ألف مرة ، لأحتضنك ألف ألف مرة ...
يوم عن يوم ...
كلماتي كَثُرت .... وتراكمت القصائد ....
لكنها لم تخرج من داخلي أبدًا ....
بقيت بـ حسرتها مع يأسها من رجوعك ....

أبي ....
لقد جئت كي أخبرك ....
أننا لم نكن نستحق منك ذلك أبدًا ....
أن أخي لم يستحق منك أن تهدم له صورته عن بطله الأول ....
وأن أمي لم تستحق أبدًا أن تكسر صورة فارسها الأبيض ...
وأني لم أكن أستحق منك أن تحطم صورتي عن قدوتي الأوحد ...
لكنك رغم معرفتك بكل ذلك ....
هدمت ... وكسّرت .... وحطمت ....

ما عدت أريد معرفة سبب رحيلك ...
وما عدت أتمني وجودك ....
وما عدت أتأمل رجوعك ....
لأن الطفلة بداخلي شاخت فجأة رغمًا عنها ، بسبب شخص هجر أمها وطعنها في مقتل ...
ثم تركهم دون أن يتعب نفسه بالسؤال عنهم ....

أبي ....
لقد جئت اليوم لأعلّم الآباء أن أبناءهم ليست لعبة يستطيعون تركها ما أن يزهدوها ....
ولا أن الزواج هو مغامرة اتخذها الذكور لـ يعيشوها ، ثم يهربون منها ما أن يملوها ...!
لذلك يا أبي ...
جئت أنصح وأعلّم ....
أكتب وأصرخ صراخًا راقيًا بـ الكلمات ....
أفتح جرحي ليلتئم بالطريقة الصحيحة تلك المرة ، ولا يغلق غلقًا مضرًا يؤلمني كلما ضغطت عليه ...
حتي لو كلفني ذلك أن أدفع دمي الذي سـ يسيل مقابل فتح الجرح ...
سـ أنزف بـ أناقة علي الأوراق ...
ثم أعود لأرمم نفسي كما أفعل دومًا ...
وأستقيم بشموخ لأحقق أحلامي وطموحاتي ...."

لم تكن تعلم أنها تبكي ...
لكنها تفاجئت بـ دموعها الغزيرة التي أغرقت وجهها ، لكن موضع ما في قلبها قد بدأ يتنفس ، لـ يفكر بـ طريقة أخري ، ويحيا حياة لا يكسوها الاختناق ....
لم تتحدث مع أحد أبدًا عن ما فعله والدها ....
كتمته في نفسها ، وأبت أن تخرجه خارجها ...
لكنها لأول مرة تكتب عنه ...
في روايتها الجديدة !
التي تحمل اسمه هو !
تشعر أنها كانت في جلسة نفسية لذيذة ، استنفذت معظم طاقتها ، ولكنها ساعدتها في السير خطوة نحو طريق الشفاء ...
وكل ذلك من مشهد جديد كتبته لبطلة الرواية ، لكنها كانت تحكي عن نفسها هي !
لقد أراحها الأمر جدًا ...
استقامت تخرج من غرفتها ، متجهة نحو بار المطبخ ، حيث تقع ماكينة القهوة ، فـ وقفت تدندن بـ خفوت وهي تتمطع بـ كسل و عينيها مبللتان بالدموع بعدما وضعت كوبها المفضل بداخل الماكينة ، ومكثت تستنشق رائحة القهوة بـ انتشاء ....
أعدتها كما تحبها ، ثم أخذت حاسوبها وكوبها ، وصعدت إلي سطح البناية التي يمتلئ بالوسائد الملونة ، وأرجوحتها الزرقاء وضعت كوبها وحاسوبها ، ثم استندت علي سور السطح يداعب الهواء حجابها التي وضعته بـ إهمال في منتصف رأسها بينما تتنافر غرتها لتداعب نمش أنفها وجبهتها ....
بينما استطالت بعض خصلاتها لتداعب طابع الحسن عند ذقنها ...
أغمضت عينيها ....
تفكر في حياتها ... مستقبلها ... وفيه ....
رغم تحذيراتها السابقة لنفسها بعدم التفكير فيه لأنها تعرف حقيقته المخادعة ...
لم تستطع منع ثغرها الفاتن من الانفراج ما أن مرت مواقفهما معًا في ذهنها ....
وهي تلاحظ أنها تتحول في حضرته إلي طفلة متمردة ، تخرج ما بـ جعبتها بلا تفكير ....
عكس علاقتها بـ بقية البشر التي تفضل أن تترك لـ ذهنها زمنًا كي يحلل كلامها في ذهنها قبل نطقه ....
لم تعش تلك العفوية والانطلاق من قبل ....
لم تخرج ما بـ جعبتها بدون تفكير مسبق ، ولا عذاب ذهني لـ عقلها بالتفكير المكثف به ...

كان ينجح في إخراج طفلة صغيرة منها تتمرد وتتمرد ، ثم تارة أخري ، يتحول هو لتلك الشخصية ، فـ تتلبس هي دور الراشدة العاقلة ....
كـأنه يكمل نقصها بـ طريقة ما ....

انتفضت من تفكيرها ، ثم هزت رأسها رافضة أفكارها ، وتوجهت إلي حاسوبها تفتحه ، ثم تنكب علي محاضراتها تدرسها في جد لا يخلو من الشغف ، للمجال الوحيد الذي تمنته منذ أن وعت علي الدنيا ...
وبين ثنايا أوراقها كتبت علي طرف أحد الأوراق شاردة ....

" أغلقتها كي لا تمطر ، فـ فاضت "

.............................................................

" الروح التي فيها شيء من روحك ، تعرف كيف تخاطبك دون كلمات "
| جلال الدين الرومي |

~ قبل يوم واحد ~

" إيماجو ، تعني في البيولوجيا ، اليافعة المكتملة النمو بعد تشكلها الظاهري النهائي ، وفي التحليل النفسي تعني الصورة المتخيلة أو التصوير الأمثل لـ شخصية كان لها أثرها أثناء الطفولة مثل الوالدين ، لاسيما الوالد من الجنس المقابل ، وبالتالي هي تمثل الجانب الشعوري لـ عقدة أوديب "

بالطبع عزيزي القارئ ، هل تظن أن صديقنا الصغير " فاهد " قد فهم شيئًا من كل ذاك ؟
لا بالطبع !
أحس بالغباء ، بعدما قام بـ سؤال " عمو جوجل " عن تلك الكلمة التي انتقلت له من ذهنها إلي ذهنه ، بدون نطق كلمة واحدة ، فـ سارع بالبحث عنها بـ لهفة علها تعطيه سر ذلك التواصل الروحي بينهما ....
لكنه لم يفهم شيئًا ...
ولم يستطع سؤالها بعدما فرت من أمامها بعد شعورها بالعري أمامه وأفكارها و " عقدتها النفسية " من والدها قد ظهرا أمامه بـ تلك الطريقة ....
لذلك استأذنت منه بـ تلعثم ، وخرجت من مكتبه فرًا عله تهرب منه إلي الأبد ...
لكن القدر كان له رأي آخر ...
فـ بعد ساعتين بالضبط ، وهو يجهز نفسه للخروج إلي موعده مع وائل ، جاءه هاتف من الضابط القابع أمام مركزها النفسي مفاده أن هناك هجوم ضاري علي عيادتها هي بالذات !
بالطبع كان من الذكاء بحيث ربط ذلك بالقضية فورًا ، خصوصًا أن " أمل " محتجزة هناك ....
ولديها معلومات عن التنظيم ....
وبالتالي ...
الهجوم ذلك مقصده قتلها وقتل تلك التي قد تؤدي بهم إلي الهاوية ....!
لذلك ركض سريعًا بعدما صرخ في دستين من العساكر بأن يلحقوه بعدما يخبرون الآخرون ....
ثم تحرك بـ سيارته بـ سرعة وهو يحك بـ إطارات سيارته بقسوة علي الأسفلت ....

بينما الاختناق الذي عانق روحه ، و نبضات قلبه التي ارتفعت ، وشعوره بالبرودة في أطرافه ، أكد له ظنونه ...
إنها خائفة ...
روحه تشعر بروحها ....
حتي أنه يمر بنفس حالتها الآن ....

شعر بـ قبضة تمسك بقلبه تشعره بالضيق والذعر ...
وكأنه سـ يفقد شخصًا عزيزًا عليه جدًا ....
وما كان من ذلك إلا أن حفزه ليضغط علي البنزين ، ويزيد سرعته ....

وصل ، فـ ركن سيارته سريعًا ، وأخرج سلاحيه ، ثم خطا خارج السيارة بحذر ، متنازلًا عن فكرة انتظار عساكره ، وهو يجيل بنظره إلي كل الجوانب ، بينما بداخله يشتم نفسه لأنه لم يأخذ رقمها ....
بدأ يشعر بـ حركة غريبة ، فـ أخذ من عمود في منتصف الرواق ساترًا له بينما اخترق الرصاص الهواء وقد عرف المهاجمين بوجوده ، انحني فاهد يتفادى الرصاص ، ثم أخرج ذراعيه فجأة ، وضيق عينيه ثم أصاب بكلا سلاحيه رجلين من خمس ، فسقطا صريعين ، ثم تفادي طلقات آخرين وهو ينحني مرة أخري ، ثم مرة واحدة ، أخرج جسده يهرول إلي العمود التالي ، وهو يضرب بمهارة علي الثلاث ، فـ أصابهم جميعًا ....
كان يعلم بوجود آخرين ، وكان يحتاج منهم واحدًا عله يخبره بـ معلومات ، أو يفشي سرًا حفاظًا علي حياته التي سـ يهددها به ....
لذلك دلف إلي الغرف يتفقدها واحدة تلو الأخري ، ينبه علي المرضي بـ إغلاق الباب ورائه بالمفتاح ، و أن يصرخون مستنجدين به إذا حدث لهم شيء ..
تعمق بالغرف أكثر وأكثر ، فـ ظهر أمامه اثنان ، كان هو أسرع منهما ، فـ قتلهما ....
ثم انحني فيهم مفتشًا ، فوجد لاسلكي ينبعث منه صوتًا يدوي بقلق ، يخبره عن مكانهم الذي يختبئون فيه ، ويسألونه عن هوية المهاجم ....
يبدو أن هذان الاثنين قد أُرسلا للاستطلاع ....
أسقط الهاتف عمدًا ، وقد حدد لغة المهاجمين الأم علي الفور ، وعرف أن رئيس التنظيم في تلك البلد هو من أرسلهم ...
ما كان اسمه ؟ منذر حمد ...

خطا إلي مكان تواجدهم ، ثم تعمد أن يحدث ضجة حتي يعرف عددهم ....
فـ خرج ثلاث يستطلعون سريعّا ، فـ اختبأ وراء أحد الجدران ، وأخرج من جيبه كاتم الصوت ، ثم أصاب الثلاث ، انتظر عدة دقائق ، فـ خرج مثلهم ....
فـ فعل معهم المثل ....

ثم تحرك إلي داخل الغرفة ، لـ تغور روحه داخل متاهات الاختناق ، وهو يجدها تقف أمام أمل المريضة الساهمة تفديها بروحها ، بينما يضع رجل سلاحه علي رأسها ، تقابلت عيناه بخاصتيها ...
فـ انتقل كلام روحها منها إليه ...

_ أنا خايفة ، هسيب عمر لـ مين ؟

بينما علا صوت المسلح يقول بـ تهديد بنفس اللغة :
_ سيب السلاح ، لأما هفجر دماغها ....

كان يلزمه حيًا ، لذلك وافقه بحركة من رأسه بعدما قطع اتصاله ببصرها وهو ينقل لها كلام روحه :
_ ماتخافيش ، أنا موجود ....

طوال حياتها لم يكن أحد موجودًا ، كانت هي الأب والأم لأخيها ، تعطيه ما لم تأخذه وتتمناه ، كثيرًا ما تألمت لاحتياجها سندًا كـ والدها ...
لكنه كان يعود لـ يندمها علي فكرة تفكيرها به ، عندما يعلو صوته كـ كل يوم ينتقد فيه منها ، ويقلل من قدرها ...
لذلك لم تستطع منع ارتجاف جسدها ارتياحًا ، وهي تشعر بالأمان ....
علي الرغم من السلاح المصوب علي رأسها ....
انحني فاهد ببطء ، يضع سلاحيه أرضًا ، لكنه بحركة سريعة أدار أحدهما ليطلق علي ساقه ، فـ انحني الرجل متأوهًا صارخًا ، فـ انتهز فاهد الفرصة لـ ينقض عليه ويكبله ...
بينما علت أخيرًا صوت صفارات الشرطة ....
فـ مطت فاهد شفتيه بـ امتعاض :
_ ديمّا يقعدوا الناس بتتريق علينا وبتقول البوليس لازم يوصل في الآخر ، وأتاريهم الي مبوظين سمعتنا ....

ابتسمت له بـ ارتجاف ...
بينما اختارت عينيها اللون الأخضر تلك المرة لـ يطغي علي العسلي بـ عينيها ، بينما لمعت عينيها بدموع كان لديها من الكبرياء بحيث رفضت هبوطها ....

اقتحم العساكر المكان ، ثم أخذوا منه الرجل ، بعدما كبلوه بالكلبشات ، فـ تقدم منها يقول :
_ أنتِ كويسة ؟ سليمة ؟ حد قربلك ؟

هزت رأسها نفيًا ، بينما هي تطرق برأسها تمنع دموعها ، وتمنع اتصال بصرها به ، فـ مال يضع يده علي مرفقها من فوق ملابسها حريصًا علي ألا يمسها ، ثم شدهت قليلًا حتي استقامت ، فـ همس لها بخفوت :
_ متخافيش ، أنا هنا ....

ردت عليه همسًا :
_ كنت هموت ...

فـ ابتسم بخفوت :
_ عيب علي رتبتي والله ...

شاهد انحناء ثغرها في ارتجاف ، ثم همست بـ امتنان :
_ شكرًا ، أنت أنقذت حياتي ...

رد لها بصوته العميق :
_ ده واجبي ، تجاهك وتجاه مُجاهد ...

تحول انحناء ثغرها إلي ابتسامة حقيقة ، فـ تابع يقول بـ اهتمام :
_ مين في البيت دلوقتي ؟

ردت هامسة :
_ بابا وماما سافروا ، رنوا عليّا من شوية وقالولي ، وعمر عند الجيران ...

رد عليها بـ استفهام :
_ عمر ده أخوك الصغير ؟

أومأت برأسها ، فـ مد يده يلتقط هاتفه ، ثم أجري اتصالًا ، يقول :
_ ألو ؟ أيوة يا ريحانة ، عايزك تجهزي الشقة الي قدامنا معلش عشان معايا ضيوف ، آه بنوتة وأخوها يا حبيبتي ، آه وشوفي أطلس فين عشان عايزه ، تمام يا قمر ...

أنهي المكالمة ، ووضع الهاتف في جيبه ، ثم قال لها بـ تروي :
_ غالبًا كده هما هجموا علي البيت في نفس وقت هجومهم علي هنا ، بس ماخدوش عمر أنا متأكد ، ومادام مفيش حد في البيت ، تعالوا عندنا ، أنا عايش مع أختي الصغيرة وأمي وأخويا الصغير ، وماتقلقيش خالص والله ....

شيء بداخلها أعطاها الأمان ، وأعطاها القدرة علي تصديقه ، و جعلها توافق وهي ممتنة ، صحيح أنها قوية ومستقلة ، لكن ليس أمام مجموعة من المسلحين !


لذلك استسلمت ليده التي جذبت مرفقها ، وتوجه بها نحو سيارته بعد أن أملي الأوامر إلي عساكره ، وأمر بوضع أربع عساكر أمام غرفة أمل ، والبقية عند المدخل ، بينما الشخص الناجي ، أمرهم بـ اعتقاله علي الفور ، وإخبار كادر عنه ...

ثم توجه بها إلي بنايتها بعد أن أملت عنوانها له ، صعد معها وهي وراؤه بحذر ومعه سلاحيه ، ثم اقتحم المنزل فجأة ليجده رأسًا علي عقب ، فـ أشار لها بـ الانتظار ، ثم دلف يتفقد المكان ، وعاد بعد عدة دقائق يخبرها بهدوء :
_ مفيش حد هنا ، تعالي نشوف عمر ...

اتجه إلي الشقة المقابلة ، ورن الجرس ، وهو يشير لها بالتروي ، فـ فتح الباب طفل صغير ، عينيه خضراء وشعره ناعم طويل ، فـ ابتسم تلقائيًا وهو يجد أمامه نسخة مصغرة من أطلس بخلاف العينين ، فـ أطلس عينيه عسليتين ، انحني له وهو يقول مبتسمًا :
_ ازيك يا عمر ؟ عامل ايه ؟

انفرج ثغر عمر لـ يكشف له عن أسنانه الأمامية المفقودة في ابتسامة تشبه ابتسامة أطلس عندما يتمسح في أمه ، فـ شع من زرقة عينيه حنان هائل ، وهو يجد الطفل يتلاعب بـ قدمه وهو يجيب بصوت خجول :
_ الحمد لله ، أنا كويس ، أنت مين يا عمو الضابط ؟

رد عليه فاهد همسًا :
_ أنا فاهد ...

مد عمر له يده في ابتسامة خجولة ، وهو يقول بـ رقي :
_ اتشرفت بـ معرفتك يا عمو الضابط ...

انطلق صوت قادين يخترق الجو :
_ أخويا بقا محترم امتي ؟ بس ماتقلقش ، أو ماهياخد عليك هيبقا عفريت !

التفت لها فاهد يتعمق في عينيها العسليتين هادئًا ، فـ ارتبكت واحمّرت ، و ندمت علي عفويتها السابقة ، ولكنها لم تعقب ، فـ عاد فاهد يقول لـ عمر بـ تركيز :
_ عمر ، حد خبط عندكم أو حاجة ؟

أشار عمر بالنفي ، فـ تنفس فاهد بهدوء ، ثم تابع :
_ خلاص استأذن من طنط ، عشان هنمشي ...

تساءل في خفوت :
_ هنروح فين ؟

ابتسم له غامزًا :
_ هنروح مكان بتحبه جدًا ...

هلل عمر فرحًا ، ثم غاب ثانيتين ، لـ يعود راكضًا ، فـ أمسك فاهد بيده وهو يقول :
_ روح ، هات شوية هدوم ، وكتبك وحاجتك ، عشان نروح يلا ...

اتجه عمر لباب المنزل ، ثم تساءل في براءة :
_ مين الي بوظ البيت ؟

رد فاهد وهو ينظر إلي قادين :
_ قطة ... قطة صغيرة ...

هز عمر رأسه ، ثم دلف ، ودلفت وراؤه قادين بعدما استأذنت منه متلعثمة ، ساعدته في لم حاجياته ، و أحضرت أغراضها ، ثم أمسكت يده الصغيرة ، واتجهت به مع فاهد الذي ظل واقفًا أمام الباب ، ولكن مشيحًا بوجهه مراعاة لـ حرمة منزلها ...
ابتسمت من فعله ، ثم خرجت معه ، تبادلا النظر لـ ثانيتين ، ثم قاد بها إلي بنايتهما ...
فوجدا شابة عسلية العينين بهية الطلعة تقف في المدخل ، وقد ارتسم علي ثغرها ابتسامة بديعة ، تعرفت إليها علي الفور ، فـ هتفت بذهول بعدما ترجلت من سيارته وتذكرت أنها قد رأتهما معًا يوم زيارتها للجدة جولتان :
_ ريحان ؟

اتسعت عينا ريحان تقول بمودة :
_ قادين ؟

تجاوز فاهد الموقف ، وهو يقول :
_ ممكن نطلع الأول ، وبعدين نتعرف ...

ردت عليه ريحان بعدما احتضنته وقبلته علي وجنته :
_ دكتورة قادين صاحبة صاحبتي ، عارفاها يعني ...

رد عليها وهو يبادلها العناق :
_ كويس ...

أشار لهم بالدخول ، فـ صعدت ريحان مع قادين وعمر ، بينما تجاوزهما ليصعد هو أولًا ، فلاحظت قادين فعله ، فمالت تسأل ريحان عن فعله ، فردت عليها بـ إيجاز :
_ مينفعش شاب غريب يطلع وراكِ علي السلم ، عديه الأول وبعد كده ابقي اطلعي وراه ، كما أنه مش عايز يلفت انتباه الناس أنه عارفك عشان محدش يضايقك بكلمة أو حاجة ...

تركت ثغرها مفتوحًا معجبة و ذاهلة ، بكم الرقي والاحترام والتدين الذي يبديه شخصه ، لكن ذهولها لم يدم طويلًا ، وهي تجد أمامها نسخة مشابهة لريحان تمامًا ، ابتسمت لها السيدة ابتسامة بعبق المسك ، ثم عرفتها علي نفسها تقول :
_ أنا ناهد ...

ابتسمت لها قادين مبهورة بـ البهاء الذي يطل من تلك السيدة :
_ قادين عمر الجايد ...

شهقت كل من ناهد وريحان ، وهما ينظران إلي فاهد ، الذي قال في إيجاز :
_ الدكتورة بنت أستاذ عمر الجايد ، ابن عم مجاهد ، حصلت شوية ظروف ، وهتشرفنا هنا فترة ...

ثم أكمل يقول :
_ ماما ، المفتاح معاكِ ، وريها الشقة ، وشوفي الشقة محتاجة ايه ، وظبطوا الحوار مع بعض ، كـ بنات ، وسيبولي عمر ، أعرفه علي أطلس ، وأجيبهولكم بعد ما تخلصوا ....

تركهم بعدها ، فـ توقعت قادين أنه يجنبها حرج وجوده كـ شاب ، ثم دلفت مع ريحان وقادين وقد ارتسمت علي وجهها ابتسامة ....
بينما دلف هو بـ عمر ، فـ وجد أطلس يضع دمي بالترتيب علي إحدي الطاولات ، ويصوب عليها بـ بندقيته ، فـ أشار لـ عمر بأن يذهب إليه ، واستند هو علي الباب يدع عفوية الطفل الأول ، تعرفه علي صديقه المستقبلي ...

اخترق مجال نظر أطلس طفل يشبهه إلي حد ما ، بـ اختلاف لون العينين ، فـ أنزل سلاحه يسأله بحيرة :
_ أنت مين ؟

مد عمر يده لـ أطلس :
_ أنا عمر ، هعيش في الشقة الي قدامكم مع أختي ...

لمعت عينا أطلس وهو يخبره مقترحًا :
_ وأنا أطلس ، تحب تنافسني ؟

لمعت عينا عمر بـ شيطنة ، وأومأ برأسه إيجابًا بـ لهفة ، فـ هرول أطلس إلي الداخل ، وأحضر بندقية أخري ، عبأها بالخرز ، ثم أعطاها له ، وانحني الاثنان يغمضان إحدي عينهما ، ويفتحان الأخري ، ثم أطلقا معًا ...
لينجح أطلس بحكم سابق خبرته بـ إيقاع الدمية ، بينما يفشل عمر ، فـ يعبس ....
لم يستطع أطلس بأن يفرط به ، فـ انحني يعلمه كيف يستخدمها ، ولم يتركه ، إلا بعدما أجاد التصويب بشكل تام ...
بينما قرر فاهد عدم التدخل ، ليترك كل منهما يساعد الآخر ، ويكون سندًا له ...
فـ أعجبه ما فعله أخوه ، ومكث يراقبهم ، حتي تذكر موعد وائل ، فـ ارتسمت علي وجهه معالم الذنب ، وهو يرفع هاتفه فـ يأتيه صوت وائل يقول :
_ أنا نازل اهو يا فاهد ...

رد بـ اعتذار :
_ صدقني مش بتحجج ، بس والله حصل هجوم في القضية الجديدة ، وفي تحريات ومسرح جريمة ، ومش هعرف أجي ، خليها لـ بعد بكره ....

كان بـ إمكان وائل أن يشكك في كلامه ، وأن يعتبره يتحجج كي يبتعد عنه ، لكنه آثر أن يعطيه عذرًا ، فـ قال بمودة :
_ مفيش مشكلة يا أخويا الكبير ...

مط فاهد شفتيه يقول :
_ تعيش ، يا أخويا الجديد ...

جاءه صوت وائل الضاحك ، فـ ابتسم رغمًا عنه ، ثم أغلق معه المكالمة ، وهو يرفع كفه يتحسس نبضه الذي كان متسارعًا منذ قرابة الساعة بجنون ...
تأثرًا بها ولها ...
يبدو أنه ينزلق بـ سرعة الصاروخ ...
وقد أعجبه الأمر جدًا ....

................................................................

" هي امرأة صارمة ، لا تسقط إلا في حب الأكل وقصص الرعب والنوم وكأنها من عالم آخر ! إذا حدثتها عن الحب أطلقت العنان لـ ضحكاتها الصاخبة التي قد يسمعها جدك الذي فقد السمع منذ عقد من الزمن ، طبقها المفضل حل المسائل الرياضية المعقدة ! هل تخيلت حجم الكارثة ؟ فتاة تعشق المسائل الرياضية والأكل وأفلام الرعب ، فتاة قاحلة عاطفيًا "
| منقول |

متسطحة في فراشها بينما تحاوطها كتبها وأوراقها في فوضي محببة ، بعدما انتهت من دراستها ، وقررت الخلود إلي النوم ...
ولكن ذهنها المنشغل بـ عدة أشياء لم يدعها ترتاح فعلًا ...
رمشت بـ عينيها عدة مرات ، وهي ترجع إلي موقفها الأخير مع جدتها ...

" يا بنتي سبيني أشوفلك كده واحد طول بـ عرض ، وسيم كده وملو هدومه ، ابن ناس محترمة ، يحبك ويصونك ..."

داعب كلام جدتها أذنها ، لـ تشرد في صفات " الأمير المنشود " كما أدعت جدتها ...
طويل القامة ، كثير الهيبة ...
كأنها تعرف أحدًا بذلك الوصف ...
وسيم الملامح ، عريق الأصل ....
شخص أول حرف من حروف اسمه هو كادر ....

تحت ظِـلال الهوي Where stories live. Discover now