- الفصل الثاني والعشرون

129 12 3
                                    

" الكون يفضل أولئك الذين يحاولون "
| منقول |

~ البارحة ~
بعدما افتعل أمرًا مفاجئًا يهرب به من مقابلة عروسه أمس ، قاد سيارته بعدما تركته أمه ساخطة عليه وهو شارد في حياته ...

أين نهاية الطريق ؟
يكاد لا يري له نهاية من ظلامه !
إلي متي سيظل متردد الخطي ، يائس النفس ، وجبان المواجهة ...؟!
إلي متي سيظل الجميع يتحكم في حياته دون أن ينطق بـ شيء ...
بل كيف يوافق أمه علي شيء كذاك !
هو ... يتزوج ؟!
شخص مثله لا يري لنفسه مستقبلًا ، أ يدخل شخصًا آخر معه في نفس المعادلة المعقدة والتي لا يري لها حل ؟!
شعر كم هو يائس ...
كم هو وحيد ...
كم هو ضائع ...
أين الحل من كل ذلك !
" ومَنْ أعرضَ عن ذكرِي فـ إن له معيشةً ضنكًا ونحشرهُ يوم القيامة أعْمىٰ ، قال ربِّ لِمَ حشرتني أعْمىٰ وقد كنتُ بصيرًا ، قال كذلك أتتك آياتنا ، فـ نسيتها وكذلك اليوم تنسي ، وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بـ آيات ربه ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقي "
( سورة طه )

أيعتبرها صدفة ، ويتجاهل ويمضي ؟
ويظل غافلًا تائهًا ...

أم يعتبرها رسالة آلهية ؟
فرصة كي يتوب ؟ وتنقشع سحب اليأس عن عالمه الداكن لتنير الدنيا بشمس الأمل ؟

كاد أن يذهب ويتجاهل ، وقد اختار كـ عادته الهرب ، ولكن سمّره تتمة الآيات ...

" أفلم يَهدِ لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم وإن في ذلك لآيات لأولي النُهى "

ها هو يقع بين شقي الرُحي ، مسجل صوتي تخرج منه الآيات في سيارة بالقرب منه ، تتلو الآيات بصوت عذب ، بينما الكلمات تدور بباله ...
بالفعل هو أعرض عن ذكر الله ...
منذ متي ؟
طوال حياته ، وهو ساخط غير راض عن حياته ...
لم يقنع يومًا ولم يتعلم ...
لم يتخذ ذلك أنه امتحان وجب النجاح فيه ، لأن الرسوب عاقبته الهلاك !
ضياع في الدنيا .... وعذاب في الآخرة ...
لم يصلِ يومًا في حياته ...
لم يُعلّمه أحد ، ولم يعلم نفسه بنفسه ...
واتخذ ذلك عذرًا واهيًا ، وحجة خائبة يبين فيها إلي أي درجة أمه لا تهتم به ...

صوت الآذان ينطلق من المساجد القريبة ، فـ يجفل لوهلة ، ثم يطرق برأسه ...
الله أكبر ...
أكبر من يأسه ... وضلاله ...وظلامه ....
الله أكبر ...
من حزن ماضيه ... وغموض مستقبله ...
الله أكبر ...
أكبر من أمه التي أهملته ...
ووالده الذي هرب منه ..
كما يفعل هو الآن ...
ولكن ؟
ألم يعاهد نفسه يومًا بألا يشبه والده أبدًا ؟ ألم يقسم علي ذلك بـ أغلظ الإيمان ؟
إذن لما يدور في قالبه ؟ فـليتحرر ...
فـليكسر المحيط الذي حددته له أمه ، وهرب منه والده ....
فـلينطلق كي يكوّن نفسه هو ! ولا يتخبط بين ظلال أبيه وأمه ...
لقد آن الأوان يا وائل ...
تحرر ....
وبعزم لم يملكه في حياته ، يركن سيارته ، ويتجه للمسجد الذي ينطلق منه الآذان ...
وهو في كل خطوة يدعو أن يُقبل ...
يدعو ألا يُرفض ...
لقد عاني من الرفض طوال حياته ، ولذلك يتوسل الله أن يقبله ...
دلف إلي المسجد وهو تائه ، ينظر حوله يبحث عن المراحيض ، فـ اتجه لها ، وقف يناظر الأشخاص التي تنحني علي المغاسل وتغتسل ...
يحفظ الخطوات في ذهنه ...
ثم أخيرًا ، تقدم من أحد الصنابير وانحني كي يغتسل مثلهم ...
وكل قطرة تنظف روحه قبل جسده ....
وكل أفكاره السوداء تنحصر ليحل محلها سلام عجيب ...
وكأنه بات داخل فقاعة ساكنة ، تعزله عما حوله ، وتطالبه ببعض السلام أخيرًا ....
انتهي مما فعل ، ثم خرج من المغاسل يتجه نحو الصفوف الواقفة ...
بنيان مرصوص ...
لا يترك ثغرة يدلف منها الشيطان ...
وقف بجوارهم ، كتفًا بكتف ، وروحًا بروح ...
دارت عيناه في الصالة الواسعة ، فـ وجد أناس يصلون عدة ركعات صغيرة قبل الصلاة الأساسية ، فمكث يراقبهم ...
يتعلم حركاتهم ...
وداخله يتلهف المزيد من تلك السكينة ...
انتفض بعدها علي صوت الآذان وهو يبدأ الصلاة بصوت خاشع ...
فبدأ صلاته معه شاعرًا بالرهبة ...
أهو الآن يقف أمام الله ...؟
رهبته زادت وهو يشعر بصدق و جلال ما يفعله ...
إنه يقف أمام خالق الكون كله ...
وما أن سجد ، حتي انطلق لسانه يدعو ويشكو ...
يستغفر ويعتذر ...
يرجو ويبكي ...
يطلب ويستحي ...

وما أن انتهي من صلاته ...
وبقي من بقي يردد أدعيته وورده ...
وتفرق البقية يسعون إلي أعمالهم ...
اتجه للأمام بتخبط ...
وهو يريد فقط أن يرشده أحد إلي بداية الطريق ...
ليسعي ...
ليجري ...
ليرتاح ...

جلس أمامه ، وانطلق يتحدث معه ، يحكي حكايته ، يحكي عن شخصه ...
عن شخصه الضائع التائه بين أم لا تحنو ، وأب لا يبقي ...
انطلق يحدثه بخجل عن ما يفعله مع أصدقائه ، عن الحفلات التي يرقصون فيها نساءً ورجالًا ، ويشربون بها الخمر ....

صحيح أن قدمه لم تزل إلي أكثر من ذلك ، ولكن المعصية تظل معصية ...
تبني حائطًا من الذنوب علي كاهله ...
وتبني حاجزًا بينه وبين ربه ...
وهو لا بات لا يريد تلك الحواجز ...
مادام ذلك الطريق هو الصواب ، فـ سيسلكه ...
فقط يريد دليل لبدايته ....

أطرق الأمام برهة من الوقت ، ثم رد بهدوء :
_ حرر نفسك الأول يا بني ، حرر نفسك من الذنب الي حطيته علي كاهلك طول حياتك ، إهمال والدتك ليك مش ذنبك ، إعراض والدك عنك ، مش عشان غلط فيك ، هما اختاروا ، والكل بيدفع نتيجة اختياره ...
صحيح الي جه بعد كده ، والي عملته بعدها من ذنوب ، كان السبب الأساسي فيه والدك ووالدتك ، بس ماينفيش خطئك أنت ، بس ربنا خلقلنا العقول عشان نفكر بيها ...
الطريق الصح موجود ، والطريق الغلط موجود ، وأنت بعقلك تختار ....
ولو كنت عاقل هتعرف أن طريق الغلط كله ضباب ، عمرك ما هترتاح ، عمرك ما هتوصل ، لكن طريق النور نهايته معروفة ، هتقابل فيه صعاب كتير ، بس بقرب ربنا هتصبر وهتحتسب ، هتعرف أنه اختبار ، وهتستني نتيجته ، هتحسن الإجابة عشان أنت عارف أن ربنا عمره ما هيكتبلنا الشر ...

سأله وائل سؤال واحد ، هو البداية والطريق :
_ اعمل ايه ؟
ابتسم الإمام يقول :
_ اسعي ، وربك هيسعي معاك ، ابعد عن الغلط ، واصدق في توبتك ، و ربنا هيصدقك ...

صمت لوهلة ، ثم رد :
_ حب نفسك يابني ، مش بمغلاة ، بس علي الأقل ماتكرهاش ...

أومأ وائل برأسه ، ثم استقام خارجًا وهو يشعر أن طريقه الذي كان شائكًا ، بات مرصعًا بالنور ، انقشع الضباب عن عقله ، وبات يعرف ما عليه فعله تحديدًا ، وبعزم مؤمن ، وقوة مثابر رفع هاتفه يتصل بشخص ، ثم قال بلباقة :
_ السلام عليكم ؟ معايا محمد عمران ؟

~الآن ~

أفاق وائل ينظر لفاهد مُبتسمًا بتوتر ، ومن ملامح وجهه علم أن عرف هويته ....
.............................

تحت ظِـلال الهوي Kde žijí příběhy. Začni objevovat