الحلقة 17

7K 287 5
                                    


رواية " وادي الذئاب المنسية " الحلقة السابعة عشر !!


نوح :


سألت السيد رسلان: 

- هل بإمكانك إصلاح قلب طعن برمح، سيدي؟

 أجابني بغير اكتراث وهو يجلس وراء طاولته: 

- دائما ما يصل المطعونون قلوبهم موتى. 

عدت إليه وقلت: 

- لكن هل جربت من قبل إصلاح قلب بشري ممزق؟

هز رأسه نافيا وقال:

لا

قلت: 

- لقد رأيت حرصك على مداواة الجرحى ولو لم يمتلكوا مالا مثلي، ماذا إن كان هناك شخص مات بطعنة في قلبه، وهناك فرصة لإعادته للحياة يوما ما، بشرط أن يكون قلبه سليما.

 أطلق مُساعده ضحكة ساخرة، أما السيد رسلان فقال في جدية:

- علمنا الطب يا بني أن الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا تقبل الشك. 

فكرت قليلا ثم قلت:

لنفترض سيدي أن هناك شخصا هكذا، هل تستطيع فعلها ؟ 

قال: 

- حتى وإن كنت أستطيع، بقاؤه ميتا يعني فشل العملية برمتها، إن التئام الجروح عملية معقدة تحتاج إلى دورة دموية نشطة تهاجر من خلالها عناصر الالتئام إلى مكان الجرح كي يكتمل التئامه قبل ذوبان الخيوط الجراحية، وهذا لا يتوفر في الموتى.

وابتسم وهو يتابع:

- إن كنا نعرف متى ينهض الموتى الأصلحنا قلوبهم الممزقة قبلها بساعات.

 قلت حينذاك بعين لامعة في حماس: 

- إنني أعرف متى سينهض.

 لكني سرعان ما تابعت مترددا:

 لا أعرف اليوم تحديدا، لكنه سينهض يوما ما. 

ثم جال في خاطري شيء لم أفكر فيه قبل تلك اللحظة، فقلت: 

- هل تقبل بي. خادما لديك سيدي ؟

 هنالك تحرك المساعد نحوي كي يخرجني متعللا بأنني أضعت على سيده وقت مريض آخر، فقلت وهو يدفعني نحو الباب:

 - أرجوك سيدي، لا أريد تقاضي أجر، سأخدمك بلا مقابل، أستطيع أن أنظف الأرضية هنا وأحمل المرضى وأمنع شجارهم في الخارج. لكنه لم ينطق بشيء، فخرجت خائب الأمل، وركبت بغلي مطأطئ الرأس متجها إلى القرية أولا لشراء بعض احتياجاتي، ثم إلى الياخشال لأبيت ليلتي خارجه مدثرا بدثار صوفي قديم كنت قد اشتريته هو ومعطفا ثقيلا وفأسا وبعض الطعام مقابل أربع قطع نحاسية.

في الصباح التالي كانت رحلتي الأولى نحو قمة الجبل الثلجية. ركبت بغلي شاقا الطريق الصاعد إليها وسط الريح الشديدة الباردة حتى وصلت إلى سفح الجبل المراد بعد منتصف النهار بقليل، وهناك تركت بغلى وبدأت اصعده بصعوبة متكئا على فاسي، إلا انني عندما وصلت قرب قمته وجدت ثلجه قد صار هشا، إذ أذابته الشمس الساطعة، وأدركت خطتي حينها بتأخري كل ذلك الوقت من النهار، فإن كنت أريد الثلج صلباً فعلي التحرك ليلا لبلوغ تلك القمة قبل طلوع الشمس، وهذا ما فعلته في اليوم التالي، إذ تحركت مع منتصف الليل مصطحبا مصباحي الزيتي لأصل قمة الجبل قبيل الفجر، وأكسر ثلاثة قطع كبيرة من الثلج والفها جيدا بجلد الماعز الذي كان قد تركه لي همام في آخر مرة، وأحيط بها تباعا إلى بغلي لأحملها على ظهره، وأجره عائدا إلى صندوق ناي مع منتصف النهار.

حافظت جلود الماعز على وصول الثلج إلى الياخشال في حالة جيدة، أما الياخشال نفسه ففاق توقعاتي إذ أبقى الثلج الذي اشتريته من «همام، آخر مرة صلنا لأكثر من خمسة أيام، لذا تركت الثلوج التي أحضرتها خارج الصندوق وأحضرت غيرها في اليوم التالي، لأصفها مغلفة بجواره، ومع الأسبوع الأول أدركت أن قطعة الثلج التي أحضرها من قمة الجيل تبدأ في ذوبانها بعد ستة أيام كاملة، لذا اتخذت قراري بصعود الجبل ليلتين متتاليتين كل أسبوع أحضر خلالهما الثلج الكافي لغمر جسد ناي. أما بقية الأسبوع فكنت أهبط إلى القرية للبحث عن عمل ولإحضار الخبز بعدما اتفقت مع أحد الخبازين على شراء رغيف خبز يومي لمدة شهر كامل مقابل قطعتين نحاسيتين نالهما مني مقدما، ليتبقى معي خمس عملات فقط من ثمن الحصان. 

ذهبت بعد أيام من البحث عن عمل دون جدوى إلى الطبيب «رسلان» مرة أخرى، وفي تلك المرة لم أنطق بشيء، فقط انتهى من تضميد جرحي وأعطيت مساعده قطعة نحاسية، وخرجت إلى خانة السيدة سارة، وهناك جلست على إحدى الطاولات أحتسي شرابا ساخنا، جاءت وجلست على مقعد أمامي، وقالت باسمة:

- هل عاد صديقك للحياة؟ أم لم يعد بعد؟ 

تعجبت من معرفتها بالأمر، لكني هززت رأسي نفيا وحسب، فقالت:

لذلك كنت تبحث عن بائع الثلج، أليس كذلك؟ لست صيادا كما تدعيفكرت فيما قالته، ثم قلت: 

- نعم.

قالت:

- أهو غال عندك إلى هذه الدرجة؟


أومأت إيجابا، فتابعت:

- إن الموتى لا ينهضون يا فتى.

قلت مقتضيا:

- ستنهض.

لمعت عيناها وهي تقول باسمة بأسنانها الرائعة:

- امرأة؟!

قلت: 

- نعم، حبيبتي

قالت: 

اممم

ثم أردفت:

لقد أخبرني أبي عن طلبك العمل معه.

نظرت في عينيها، كانت المرة الأولى التي أعرف أنها ابنة الطبيب رسلان، وانتبهت وقتئذ إلى تشابههما الواضح الذي لم ألحظه من قبل، فقلت بشيء من الحزن: 

أردت أن أتعلم منه ومن كتبه لعلّي أستطيع إصلاح قلب حبيبتي يوما ما.

قالت: 

انه يظن انك مجنون..... يتبع

ارض زيكولا 3 :وادى الذئاب المنسيةWhere stories live. Discover now