الحلقة 14

8.3K 298 2
                                    


 رواية وادي الذئاب المنسية.....«الحلقة الرابعة عشر» 


مروة طارق 

لم أظن يوما أنني قد أفعل ما فعلته في تلك الليلة، أن أذهب بمفردي إلى مكان قصي مظلم في قرية لم أزرها في حياتي إلا مرتين، وأن أتتبع شخصا كل ما أعرفه عنه هو حسابه الإلكتروني على موقع فيسبوك، وأن أعبرر وراءه سور بيت مهجور في ليلة مطيرة كان طقسها الأغرب على الإطلاق منذ سنوات.

قبل أيام من تلك الليلة تلقيت اتصالا من ،فاروق، زميل دراستي الذي يعرف أناسا في قرية« البهو فريك» يخبرني فيه عن اكتشاف أحدهم إزالة كومة طين قبر الشيخ موسى وإغلاقه بالطوب المرصوص فحسب، وتأكيد أحد سكان البيوت المحيطة بالمقابر له رؤيته لخالد وهو يغادر المقابر بجوال منبعج قبلها بيومين في وقت متأخر من الليل، ورغم أنني فكرت وأنا أنهي المكالمة أن أنسى أمر ذلك الذئب وأركز على باقي رسالتي العلمية فإن غضبا في داخلي من ذلك المدعو «خالد» جعلني أرغب في العودة إلى تلك القربة مرة أخرى لأعرف سبب إصراره على حرماني من ذلك الاكتشاف، لا سيما أننا صرنا نمتلك شاهدا على فتحه قبر الشيخ موسى، بيد أن الأسباب تجمعت تباعًا لتؤخرني أيامًا عن الذهاب إلى تلك القرية، تارة تصاب أمي بفيروس كورونا، وتحجز في المستشفى، وتارة تضع أختي مولودها الأول، وتارات أخرى تفعلها سيارتي وتتعطل كالعادة، إلى أن جاء يوم الفرج أخيرا واستطعت توفير يوم للسفر إلى تلك القرية، ورغم سوء الجو منذ صبيحة ذلك اليوم وتذبذب أداء شبكة الاتصالات الهاتفية وتعطل سيارتي مرتين في الطريق فإنني أصررت على إكمال الطريق إلى هناك، حتى وصلت القرية قرابة التاسعة مساءً لأجد شوارعها خاوية في ذلك التوقيت وكانها صارت قرية من الموتى مع سوء الطقس. حاولت مهاتفة فاروق أكثر من مرة لكني لم أستطع بسبب تلاشي الإرسال مع اشتداد الهواء كنا قد اتفقنا صباحا في آخر مكالمة هاتفية بينا اننا سنلتقي في القرية في تمام الخامسة مساءً ومن بعدها ساءت شبكة الاتصالات تماما، أرسلت له رسالة إلكترونية عبر تطبيق واتس أب أخبره فيها أنني وصلت القرية، لعل بصيصًا من الإرسال يصل الهاتف فيعلم انني أمكث في انتظاره، ثم ركنت سيارتي على جانب طريق قريب من بيت خالد وبقيت في داخلها أنظر إلى هاتفي كل دقيقة آملة أن تُرسل رسالتي، بينما يواصل المطر هطوله في الخارج.

فكرت في النزول إلى خالد ومواجهته بمفردي، لكني كنت أعرف انها ستكون مواجهة بلا قيمة، إذ كان من المفترض أن يأتي فاروق وصديقه بالشاب الذي رآه يتحرك بجوال من منطقة المقابر كي لا ندع له محلا للإنكار، إلا أن كل شيء صار في مهب الريح مع عدم قدرتي على الوصول إلى فاروق، حتى فوجئت بما لم أتوقعه قط، خالد يخرج من بيته حاملا حقيبة على ظهره سوداء، ويتحرك في الشارع أمامي دون أن ينتبه إلى سيارتي، واريت جسدي سريعا خشية أن يلتفت إلى السيارة فجأة، قبل أن أنزل منها واتسلل من بعيد، كان الأمر برمته غريبا، أن يخرج من بيته في ذلك التوقيت رغم سوء الطقس، ثم يتخذ طريقا يمتد من المنطقة السكنية نحو الأراضي الزراعة وينير مصباح رأسه ليضيء الظلام أمامه كأنه أعد العدة لتلك المسيرة المرية. 

ارض زيكولا 3 :وادى الذئاب المنسيةWhere stories live. Discover now