📖الجزء الثاني -24-"فوز بطعم الخسارة"📖

5.2K 368 244
                                    

ج٢–٢٤– " فوز بطعم الخسارة "

جل ما فعله ذلك الواقف أمامها أنه راح يمسد على لحيته الطويلة والتى خالط سوادها المشيب ، ولكن رغم ذلك بدت نظراته قوية جامحة ، كذلك الجموح الذى تسبب فى إنشقاقه عن عائلته منذ سنوات طوال ، وصار منبوذًا بينهم ، حتى أن لا أحد منهم صار يعترف برابط الدم الذى يربطه ويجمعه بهم ، على الرغم من أن هيئته تبدو للناظرين إليه من أنه شيخ جليل وقور ، ولا يعلم أحد ما يخفيه خلف ذلك الجلباب الأبيض واللحية الكثيفة وعلامات التقوى والورع ، التى تجعل من لا يعرفه يظنه أحد أقطاب علوم الدين والشريعة الإسلامية

خفض بصره عن وجهها وظل يتمتم بعبارات الإستغفار وهو يدير مسبحته الطويلة بين أصابعه ، كأنه بذلك يقدم حسن نواياه فى زيارته لهم ، خاصة أن لا أحد منهم رآه منذ ما يقرب من الخمس سنوات ، حتى ظنوا أنه ربما لقى حتفه على يد رجال الشرطة ، أو هؤلاء الناس الذين يعمل معهم تحت ستار الجهاد فى سبيل الله وماهم إلا تجار للدين ويرتكبون أفظع الجرائم بإسم الإسلام ، من كونهم حماة القرآن والسنة ويحق لهم تطبيق حدود الله حسب أهواءهم وأطماعم ، والله ورسوله أبرياء منهم ومن كل ما ينصب نفسه قاضياً للحكم على حياة البشر والأبرياء طبقاً لقوانين وضعوها تخدم مصالحهم هم أولاً ، دون مراعاة لحُرمة النفس البشرية ، والتى لم يعطى الله الحق لأحد بسلبها إلا بشروط تم تشريعها من كتابه وسنة رسوله ، وليس أحكام هوجاء تُجرم الأبرياء ويتم قتلهم بدون وجه حق

بعد أن أتم عد حبات مسبحته وضعها بمعصمه ومن ثم عاد ينظر إليها قائلاً بصوت قوى ، يظهر مدى عداءه لها :

– هى دى مقابلتك لأخو جوزك بعد السنين دى كلها يا مرات أخويا ، مفيش حمد الله على السلامة ولا أتفضل ، هو ده واجب الضيافة

عادت تنظر خلفها ومن ثم رشقته بنظرة حادة قائلة من بين أسنانها :
– وأنت يا ترى جايلنا دلوقتى ليه ، جايبلنا مصيبة معاك زى مصايبك اللى محدش بيدبس فيها غير جوزى وإبنى ، إحنا ما صدقنا أنك اختفيت السنين دى كلها ، وافتكرناك مُت

عدل من ياقة جلبابه ، وتأكد من أن عقال رأسه مازال موجوداً ، حتى ذلك اللثام ، الذى يبدو عليه أنه كان يخفى به وجهه ، حتى لا يراه أحد من ساكنى الحى ، وربما يجد رجال الشرطة فى أثره ويلقون القبض عليه ، خاصة أنه مطلوب للعدالة ولم يتم العثور عليه لتنفيذ الأحكام الصادرة بحقه

ربت على صدره ليكبح جماح نفسه من أن يدفعها من أمامه ويدخل المنزل عنوة ، فإن طالت وقفته هكذا أمام باب المنزل ، لن يكون ذلك فى مصلحته ، مد يده وأسندها للجدار ومن ثم قال بنفاذ صبر :

– هو فين جوزك ، خلينى أشوفه ، مبحبش رغى النسوان الكتير ده

عندما همت بالرد عليه ، وجدت زوجها يأتى من خلفها متسائلاً بلطف ، بعد إفتقاده لعودتها وتأخرها كل هذا لرؤية من يكون الطارق على باب منزلهما :

ثلاثية " لا يليق بك إلا العشق "..بقلم سماح نجيب"سمسم"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن