- ١٩ -

41 2 1
                                    

'والسيف في الغَمدِ لا تخشى مضارِبهُ
وسيف عينيكِ في الحاليْنِ بتّارُ'

قلتُ لك سلفاً، الحقيقة وحدها تكمن في كلماتي وسطوري، فالحقيقة لا تكون، وان كانت، لا تكون سوى للقدر.

انا هو الراوي، صاحب الكتاب، وقارؤه الوحيد، انا الزمان، بما فيه من احداث وايام وحقيقة وسراب.

انا كل ما لا تستطيع احتماله، وما لا تستطيع اكتسابه، وما لا يمكنك عنه التخلي، فأنا الماضي، أنا الذي أُنسِي، ولكنني لا أُنسَى.

-

اندلعت الحرب، واستغاثت البلاد، تفرقت القنابل في كل الارجاء، وعمَّ الفساد في الأرض من مشرقها الى مغربها، يقتل الحياة فيها، ويبتلع كل خصلة أملٍ بالحياة، أو النجاة، من ناس لندن الغلابَة.

هناك، بعيداً عند الحدود الريفية، حيث يسكن الشرطي ثويودر، مع ابنته ذات التسع سنوات، وامرأته الحامل، في أكثر المناطق هدوءاً، وبعداً عن ضوضاء المدينة..

" أبي "
صوت رقيق طفولي قد سأَل

" كرستين؟ "
ردّها الرجل الكبير، ذو الملامح الجامدة، والشارب الكظيم، يتعلق بصره في الصحيفة بين يديه، يقرأ الأخبار، يُحصي الموتى، ويلملم شتات نفسه المنكسرة..

" ما هو اليوم؟ "
سألت تتمايَع وتتمايل، تكتف يديها خلف ظهرها ويتحرك فستانها الشتوي الأبيض مع حركة الرياح في تمايُلها..

" لست متفرغاً كرستين "
نهرها بعدما استشعر تلاعبها، ولا يلومه أحد، كونه يطالع موتى بلاده، اقرانه واصدقاؤه، يرى صورهم موتى على الطرقات، مضحين بما فيهم لسلامة البلاد..

تراجعت كرستين بخيبة، في عينيها لمعة انكسار، وهل أشد من انكسار الأطفال؟ وهل أسوء من دموع الصغار؟ فما بالك بدمعة تأبى السقوط، من طفلة صغيرة، في يوم ميلادها التعيس..

في لحظة، حين تصتك عقارب الساعة ببعضها، ينقلب كل شيء، ينقلب الخيل على خيّاله، و ينقلب الزمان على سُكانّه، وتنقلبُ لندن رأساً على عَقِب..

تنفجر القنابل في كل مكان، وتتطاير الاشلاء في السماء، تُحجب اشعة الشمس عن الأرض، وتتكاثف الدماء، وتهطل على شعبها مطراً، ممزوجاً بدموع الموتى، تسقى منه في الممرات الفئران..

في لحظة، ظنت كرستين ان اكبر هموم الدنيا هي الا يستذكر والدها يوم ميلادها، لكنها بظنها أخطأت، وحُقَّ عليها العذاب، وطُبِقَت عليها العُقوبة..

 || ɐıuǝɹɥdozıɥɔsWhere stories live. Discover now