الفصل التاسع والعشرون

1.2K 62 23
                                    

فأذاقني النجوى
"المصائب لا تأتي فرادي"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعالى صوت سيارات الشرطة وسيارات الإسعاف ومعها سيارات الإطفاء، وهي تطوف بمبنى الشركة المتهالك أسود اللون كالفحم، بعد أن تمت عملية إطفاء النيران التي التهمت المبنى تقدم رجال الإسعاف بعرباتهم النقالة إلى الداخل، صعدوا إلى الأدوار العليا بحذر شديد من أن تسقط السلالم أسفل أقدامهم، حتى وصلوا إلى المكان الذي كان يقف فيه خبير المفرقعات ورجال الشرطة.

كان المنظر لا يُحتمل من بشاعته!!
لم يرَ الإسعافيون سوى أشلاء وبقايا أجساد، كانت القطع متناثرة بكل مكان، الرؤوس منفصلة عن الجزع، ووجوهها مشوهة وقد تداخلت المعالم بعد أن ذاب الجلد مع اللحم، والأطراف مقطوعة ومرمية بكل الاتجاهات، والجثث متفحمة بالكامل.
ورغم ارتدائهم للكمامات إلا أن رائحة الجثث العَفِنة نفذت لأنوفهم بقوة، لكنهم تحاملوا على أنفسهم وحاولوا حمل تلك الأجزاء فوق العربات ونقلها لسيارة الإسعاف بالأسفل.

وفي الدور السفلي...

أحاط ثلاثة من الإسعافيين حول لوح كبير كان واقعًا فوق جسدٍ، لم يكن يظهر من ذلك الجسد شيئ قط، حاول الرجال حمل هذا الجزء الإسمنتي الكبير والذي تبين أنه قطعة من السقف قد سقطت فوقه، إلا أنهم لم يستطيعوا لشدة ثقله، انتظروا حتى رأوا الرجال يترجلون من فوق السلالم يحملون بأيديهم أشلاء كثيرة فنادوا عليهم ليساعدوهم.

- ايديكوا معانا هنا ياخوانا !!

تقدم ثلاثة آخرون منهم والتفوا حول اللوح وأمسكوا به من كل النواحي بإحكام، وبكل قوة الستة أشخاص قاموا بحمل اللوح عن ذلك الجسد المُهَشَّم، المُشَوَّة، مبتور الطرف!
وبعد أن رموا اللوح بعيدًا جلب أحدهم عربة نقالة، وقاموا بحمل الجسد بحرص من تحت الأنقاض ووضعوه فوق العربة، اكتشفوا أن ساقه اليسرى غير موجودة وقد كانت مقطوعة ومرمية بعيدًا عن الجسد، فجلبها أحدهم ووضعها فوق العربة ثم خرجوا به سريعًا من المبنى.

تحدث أحد الرجال مخاطبًا زميله بتعب: اللي معاك ده عايش ولا ميت؟
وضع الرجل إصبعيه عند رقبة الجسد ليقول بإنهاك وهو يدفع العربة بسرعة مع الباقين: النبض ضعيف جدا، على الله نعرف نلحقه وميموتش قبل ما نوصل المستشفى.

خرج الجميع من المبنى يحمّلون الجثث على عربات الإسعاف، كان الشارع يعج بالبشر والصحفيين الذين تنير كاميراتهم بتصوير الجثث، والمبنى المحترق، تحاول القوات العسكرية بكل وسائلها منعهم من الاقتراب من أي شيء، وعلى بعدٍ توقفت مذيعة أمام كاميرتها في بثٍ مباشر من قلب الحدث، لتغطية آخر أخبار الفاجعة التي سقطت فوق شركة الطنطاوي العالمية للحديد والصلب.
ابقوا معنا.....!

فأذاقني النَّجوىٰ (الجزء الثاني من همسات العشق)Where stories live. Discover now