الفصل التاسع والأربعون

1.1K 54 2
                                    

فأذاقني النجوى "صغيران"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تقدمت من مكان جلوسه تراقبه عن كثب بقلب متألم، ترى الحالة التي بات فيها منذ وفاة عمه، يجلس بشرود يرفض الحديث أو الخروج، يرفض الطعام إلا ما يجعله على قيد الحياة، تنفست آسيا بصعوبة ولم تعد تتحمل رؤيته في تلك الحالة، تريد فعل أي شيء لتعيده إلى حياته من جديد، تعيده لعصام حبيبها الذي كانت الضحكة المرحة الساخرة لا تفارق شفتيه، ومزاحه وحركاته التي تعشقها والتي اشتاقت لها، تريد أن تعيد له كل هذه الأشياء بأي ثمن لكيلا ترى هذا الإنسان الضعيف المهزوم.

جلست آسيا بجواره وهي تمد كفها تتلمس ذراعه ببطء لتهمس باسمه: عصام.

نظر لها عصام بهدوء لتبتسم في وجهه أجمل ابتساماتها وهي تقول: مش هتقوم معايا بقا يا عصام، على فكرة صحابنا كلهم مستنيينك في السيرك، كل يوم بيسألوني عنك وبيبلغوك إنك وحشتهم أوي وإنهم مستنيينك ترجع من تاني، كفاية حبسة بقا وقوم معايا.

نفى عصام برأسه هامسًا بخفوت: مش عايز أروح في حتة.

آسيا: ليه بس، تعالى نروح وندرب أسود من تاني، مش أنت بتحب التدريب، وعلى فكرة ممكن أعلمك حركات أكروبات كمان تعملها على المسرح ودي جدعنة مني خد بالك.

قالت الأخيرة بمزاح وهي تلكزه في كتفه بضحك، لكنها صمتت حينما لم يجبها وهو ينظر أمامه في صمت مطبق، اختنقت وهي تقترب منه ثم احتضنت كفه تضمها إليها فنظر لها نظرة ضعيفة أصابتها في مقتل، قالت وهي تنفي برأسها: بلاش النظرة دي يا عصام، عمري ما شوفتك ضعيف بالشكل ده، أرجوك.. أنا بستقوى بيك.

قالتها وهي تستند برأسها فوق كتفه تضم ذراعه إليها في حب واحتواء، تحدثت مجددًا وهي تمسح فوق ذراعه برفق كأم تراضي طفلها بعد أن سقط وجرح نفسه: انسى بقا يا عصام، عشان خاطري انسى وتعالى نبدأ من جديد.

شعرت برأسه تستند فوق رأسها المستندة على كتفه، ووجدت ذراعيه تلفانها لتحيطها بقوة يضمها إلى صدره في احتياج كبير يدفن وجهه بخصلاتها وهو يهمس باختناق: خليكي جمبي يا ياسمين، عشان خاطري.

زادت آسيا من ضمه وهي تمسح فوق رأسه بحنان كبير تقول بعشق يستوطن قلبها لهذا الرجل: مش محتاج تطلب قُربي لأنه ملكك أنت يا عصام، أنا مقدرش أبعد عنك، أنت روحي وعمري كله.

ظلت تضمه وتمسح فوق رأسه تخبره بأن كل شيء سيكون على ما يرام، كان فقط يدفن نفسه بحضنها يريح قلبه معها، يقنع نفسه بكلماتها التي تخترق رأسه هادمة تلك الأسوار التي شيدها منعزلًا عن العالم حوله، لتأتي هي مزيلة كل تلك الأسوار تسحبه من يده ليخرج من فقاعته تعيد له الحياة والروح من الجديد.

حاد بصرها إلى الساعة المعلقة فوق الحائط تجد الساعة قد تخطت الثانية ظهرًا، لقد حان الوقت لتريه تلك الهدية التي أحضرتها له، ورغم خوفها من ردة فعله الغير متوقعة لكنها لم تفكر سوى بسعادته، وبأن تحيطه بالحب وألَّا تجعله يشعر بالوحدة، فبعد وفاة عمه لا تعتقد بأن هناك ما سيعوضه عن فراقه سوى تلك الهدية هذا على حد تفكيرها، لكن الريبة مازالت تستوطن قلبها من القادم.

فأذاقني النَّجوىٰ (الجزء الثاني من همسات العشق)Unde poveștirile trăiesc. Descoperă acum