الفصل السابع والعشرون

1.2K 54 1
                                    

فأذاقني النجوى
ــــــــــــــــــــــــــــ

مرق منصور من باب الڤيلا هائمًا على وجهه، منذ أن وصله اتصال أمير الغريب وهو خائف ولا يعرف سببًا لخوفه، كان في منزله مرتديًّا ملابسه ومتأنقًا على عادته -منذ أن دلفت حياته- يستعد للذهاب إليها في موعدهما المحدد، لكن اليوم كان مختلفًا، كان ينتوي الحديث مع أمير وطلب يدها للزواج، ورغم معرفته بأنها ليست مهيئة نفسيًّا لتلك الخطوة الآن إلا أنه كان يريد علاجها بصورة أخرى، كان يريد عقد رباطًا حقيقيًّا بينهما ليتسنّى له مداواة جروحها وندباتها.

وقبل أن يخطو خارج شقته وجد اتصال أمير الذي قلب الدنيا فوف رأسه، نسي حساباته، والحديث الذي حضّره ليلقيه على مسامعه، وأسرع إليها دون تفكير يدعو الله سرًّا أن يأتي بالعواقب سليمة.

وقف في البهو الواسع حينما لم يجد أحدًا أمامه، أصابه الحرج لكنه نفض رأسه وتوجه بخطوات مترددة للداخل فرآها جالسة فوق إحدى الأرائك وذراعها مربوط بشاش أبيض.

وقع قلبه بين قدميه ليهرول ناحيتها دون تفكير ثم انحنى على ركبتيه أمامها ليهتف بخوف: سما.. مالك حصلك ايه؟

تفاجأت سما به جاثيًا أمامها، وارتفع وجيب قلبها حتى خشيت أن يسمعه، فابتلعت لعابها وردت بصوت مضطرب وهي تخفض وجهها: مفيش حاجه أنا كويسه.

مد منصور يده بحذر إلى ذراعها قائلًا بقلق: كويسة ازاي اومال ايه اللي.....

- دكتور منصور!

قاطع حديثه صوت من خلفه فاستدار ليجد أمير يقف بطلته الجامدة أمامه، نهض منصور مستقيمًا ليتحدث بهدوء: ازي حضرتك يا أمير باشا.

نظر له أمير قليلًا دون أن يتحدث، وجّه نظره ناحية شقيقته التي أخفضت وجهها أرضًا في ضعف شديد آلمه، عاد لينظر للآخر قائلًا بهدوء: الحمدلله يا دكتور، أنا اتصلت بيك عشان عايز اتكلم معاك في موضوع مهم، ياريت تتفضل معايا عالمكتب.

أماء منصور برأسه سريعًا فاستدار أمير متجهًا لغرفة المكتب، نظر منصور لسما التي بادلته النظر بتوتر ليبتسم لها بحب وهو يومئ برأسه بهدوء، ثم اتبع خطوات شقيقها حتى دلف للمكتب وأغلق الباب خلفه.

جلس أمام أمير وقلبه يتقافز بين جنبات صدره، حتى نطق بثبات أتقنه بعناية: خير يا أمير باشا، طلبتني فجأة كده وقلقت بصراحة.

صمت أمير لبعض الوقت وهو ممسك بقلم يطرق به بدقات رتيبة فوق سطح المكتب، دقات جعلت الآخر يزداد اضطرابًا أكثر مما هو عليه، رفع أمير وجهه لمنصور ثم قال بجدية شديدة: اسمعني يا دكتور، أنا راجل عملي شغلي كله دوغري، لا بحب اللف ولا الدوران، فا بصريح العبارة كده وعلى بلاطة.. أنت عايز ايه من سما؟

أنهى حديثه وهو ينحني فوق سطح المكتب محدجًا منصور بنظرات ثاقبة، أما منصور فتصنم مكانه وبدى لمن ينظر إليه ثابتًا، إلا أنه كان مبعثرًا من الداخل وقد جفت كل الحروف من فوق شفتيه فصمت للحظات، جلّى حنجرته ليقول بهدوء شديد: وانا كمان مش بحب اللف ولا الدوران، واللي عايزه من سما هو شيء في الحلال!

فأذاقني النَّجوىٰ (الجزء الثاني من همسات العشق)Where stories live. Discover now