١٦- ضباب في سانت جايلز

472 50 6
                                    

«أزمنة مضت إلى الأبد، أصدقاء ماتوا أو اختفوا، مشاعر لن أذوقها مرة أخرى»- هاروكي موراكامي -

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

«أزمنة مضت إلى الأبد، أصدقاء ماتوا أو اختفوا، مشاعر لن أذوقها مرة أخرى»
- هاروكي موراكامي -

-

-

يوم المزاد، الساعة السابعة مساءً، سانت جايلز - لندن.

     هُناك في ذلك الزقاق الضيق، لم يكن إلا ضوءًا خافتًا يصدرُ من مصباحٍ زيتي مُعلق عند أحد أبواب منزلٍ مُهرتئ، لا أعتقد أنه سيصمدُ حتى نهاية الشتاء. و بالكاد قد أنار ذلك المصباح مُحيطه الضبابي قبل أن تنطفئ شعلتُه بعد ثانيتين فحسب، فغرق المكان في ظلام الضباب الذي نشأ إثر الرطوبة المتمكنة من الزقاق.
    
    كان يتخذَ خطواتٍ حريصة قاصدًا ذلك المنزل الذي يقبع في نهاية الزقاق، منزل آل سميث كما يزال بذلك الاسم حتى بعد وفاة أفراد تلك العائلة المسكينة من التيفوس، و انتقال جارٍ جديد إلى حي سانت جايلز الفظيع.
   
    كان چون يعلمُ جيدًا أن الساكن الجديد لن يُزحزح ساكنًا في ذلك المنزل، و لن يتكبد حتى عناء وضع اسمه على الباب. و بين عاصفة أفكارِه، استيقظَ منها حينما استمع إلى صوتِ مياه تتناثر من حولِه، ثم شعرَ على الفور بالبرودة تتسرب إلى أطراف بنطالِه التي تبللت بالفعل، فلم يكن في يدِه إلا أن يزفرَ في حنقٍ بسبب خطوات قدميه في بركةٍ صغيرة و ضحلة من المياه الراكدة و الوحل، أذلك ما كان ينقصُه؟
   
     اتخذَ خطوةً قافزة في محاولةٍ منه لإنقاذ فردة حذائه الأخرى، ثم وصلَ إلى أعتاب المنزل مُتخذًا درجتيّ المدخل المكسورتين، قبل أن يطرقَ الباب بإيقاعٍ يعرفُه القاطن أكثر من أي شيءٍ آخر.
    
طرقتان، طرقة، ثم طرقة.

     مرت عشر ثوانٍ، قبل أن يُفتَح الباب مُصدرًا أنينًا رهيبًا، و كأن الباب على حافة السقوط، و صوتًا أُنثويًا مُتهكمًا قد صاحبَه "المزيد من جريتهاوس يترددون على منزلي كثيرًا في الآونة السابقة.."
    
آن وود، أو السيدة وود كما أصبحت معروفة في حي سانت جايلز.

     دلفَ إلى المنزلِ الرطب دون أن يتفوهَ بكلمةٍ واحدة مُستمعًا إلى صوتِها الذي لحقَ بِه مُعاتبًا "لقد اعتدتُكَ ألّا تكون واشيًا يا چون."
    
     "في الحقيقةِ لقد طلبتُ من العمةِ إيفانز ألا تكبد عناء زيارتك، لكن يبدو أنها لم تمتثل لرغبتي كما هو معتادٌ منها." كان ذلك كل ما اكتفى بقولِه واقفًا في منتصف الغرفة الصغيرة يُطالع كل شيءٍ حولَه. فطالعتُه هي بالمقابل و عن كثب بينما يحكُّ جلد سبابتِه بقوة مُسببًا توهجًا طفيفًا في جلدِه، فعلمت أنه لا يزال مُتحفِظًا بتلك العادة حتى بعد تغير الكثير. فاتخذت نحوه خطوةً واحدة مُمسكة بيدِه المتشنجة جاذبة انتباهَه "توقف عن ذلك!" ثم تنهدت مُستسلمة و بادرت بمعانقتِه.
    
لفَّت ذراعيها حول جسدِه الساكن، و لم يكن مسموعًا إلا صوتِ أنفاسِه. لكنه لم يُعانقها بالمقابل. فعلمت في تلك اللحظة أنه لم يعد هو.

الجميلة و هاديسWhere stories live. Discover now