الجزء السادس عشر

2 1 0
                                    

الحفاظ على زوجته وابنته فرض وليس اختيارًا.
والإخلاص للوطن فرض وليس اختيارًا.
وكيف لك أن تعيش في وطن خنت فيه رب الوطن ومسئوله؟
كل هذه الأسئلة كانت تدور في ذهن علي، تقلب على الجانب الآخر محاولا النوم حتى اعتدلت منى وأنارت المصباح بجانبها.
نظر علي إليها واعتذر لها عما سببه من إزعاج، نظرت إليه منى وهو تحك عينها وسألته عن سبب أرقه، فكر علي في أن يحكي لها لكنه فضل السكوت.
- سهل عليك تكذب على فكرة لكن صعب تتصدق.
تنهد علي وارتمى بين ذراعيها وهو مثقل بالأفكار، نظرت إليه منى بحيرة ثم ضمته إليها وهي تمسح على شعره حتى غفا.
وتمر الأيام ولا تزال خطة تنحي الرئيس قائمة والأمور تزداد سوءًا يومًا بعد يوم؛ خاصة بعدما نفّذ صالح خطته وبدأ الإعلام يعمل على انقلاب الشعب.
أخذ القلق والأرق يتسلل إلى علي وفكر أكثر من مرة في الانسحاب من كل ذلك لكنه كان يجهل مصير قراره، ذهب إلى المطعم الذي التقى فيه بعائشة المرة السابقة؛ آملا في أن يراها ويتحدثا فرغم انفصالهما منذ سنوات إلا أنه كان يثق في رأيها دائمًا فهي صديقته المقربة قبل كل شيء، وهي ملاذه الأخير عند تشتت أفكاره، وتحقق أمله عندما رآها تجلس بمفردها، جلس معها وأخذ يقص عليها كل ما يحدث معه وهي تسمعه بصبر حتى انتهى من حديثه، فابتسمت عائشة وشبكت أصابعها ببعض وعلي ينتظر إجابتها.
***

في اليوم التالي، تحديدًا في مكتب السادات، كان منشغلًا في قراءة أوراق معينة تخص العمل وعلي جالس أمامه يسترجع كلام عائشة ليلة أمس:
"أنا كل كلامي يتلخص في نقطة واحدة بس يا علي، أنت مينفعش تكون في وطنك خاين.. خصوصا وأنت عارف إن دي مش مصلحة بلدك متخليش الطمع والأفكار الخطأ تغيرك.. أنت أفضل من كده، وبلدك تستحق أكتر من كده".
تنهد علي فالتقت له الرئيس وخلع نظارته وانتبه له منتظرًا أن يبدأ بالحديث، ابتلع علي غصته وبدأ يقص كل ما حدث وسبب انقلاب الشعب عليه، ومن بعدها تغيرت كل الأحداث عندما أمر الرئيس باعتقال كل من صالح وفوزي بتهمة الخيانة وعزل كل الحكومة عن منصبها.
كان رد فعله كالريح التي تلتهم كل شيء لكنه كان يطمئن علي وهو يرى كم كان السادات مسئول عن منصبه.
مرت الأيام كما أراد علي وبدأت الأمور تتحسن خطوة بخطوة حتى عاد إلى بيته في يومٍ من الأيام ليجد باب الشقة مفتوحًا، عقد حاجبيه وأخرج مسدسه وهو يمشي بحذر وينادي على زوجته منى.
كانت الشقة فوضوية مما يدل على محاولة المقاومة بين منى وشخصٍ ما، دخل غرفتهما الخاصة فوجد منى والرضيعة تحتهما بركة من الدماء.
اقترب منهما وهو ينظر إلى جسدهما وقد شوهتهما طلقات الرصاص وبجانب السرير ورقة كتب عليها:
"تلك نهاية الخيانة ".
لم يتحمل علي الصدمة وفقد الوعي
***

أفقت وأنا أصرخ بصوتٍ عالٍ وهي تراقب رد فعلي بتجلد والدموع في عينيها.
نظرت إليها ودققت في وجهها:
- هو أنا علي؟ أنت عائشة؟
لم تحرك جسدها أو ترمش، اكتفت فقط بالنظر إلي وهي تدمع.
هززت رأسي نافيًا وأنا أكاد أصاب بالجنون وتركتها وخرجت خارج الغرفة سريعا.
***

رواية نسيج التبر / للكاتبة يارا سعيدWhere stories live. Discover now