الجزء الثامن

4 1 0
                                    

أفقتُ وأنا في حالة ذعر شديدة أتنفس بصعوبة وأنظر بخوف حولي إلى الغرفة البيضاء والجرامافون العتيق، والأريكة التي غفوت فوقها، نظرت إليّ تبر بخوف وهي تمسك يدي وتحاول أن تطمئنني:
- اديرا.. المخطوطات.. كاي.. اوهانا! اوهانا هي اللي قالت لاديرا تعمل كده.
وقفت تبر وسحبت رأسي إلى صدرها وهي تحاول تهدئتي:
- مفيش حاجة من دي حقيقية يا هلال.. اهدأ، أنا هنا.
نظرت حولي بتوتر واحتضنت تبر مثل الطفل الصغير وأغمضت عيني محاولًا تناسي كل ما رأيته.
***




"ِتبْر"

كنت أشعر بدقات قلبه، توتره وخوفه، وكنت أيضًا أشعر بنفسي وأنا ألعب على أوتار قلبه، لم أكن أكذب عندما أخبرته بأنه جذاب في نظري ولم أقصد ما حدث، لكني كنت أعلم بمشاعر هلال تجاهي، ربما مشاعر مختزنة منذ وجود إيلاف أو مشاعر حديثة الولادة، في كل الحالات كان يجب علي أن أخطو خطوة البداية.
بعد إفاقته كنت بحاجة إلى الراحة، ربما أكثر من هلال، لم أكن أعلم أن عقله قادر على وضعه في ذلك الضغط النفسي، تركته يذهب إلى غرفته ليستريح وبقيت أنا هنا. اقتربت من الجرامافون ووضعت أسطوانة المغنية المفضلة لدي لارا فابيان، كانت وستظل دائمًا ملاذي من التوتر والاضطراب بمجرد سماع صوتها تتغير كل الأمور، بدأت أتمايل بشكل عشوائي على ألحان أغنية adagio
" I don’t know where to find you, I don’t know how to reach you, l hear your voice in the wind, I feel you under my skin , Within my heart and my soul , I wait for you , Adagio "

شعرت بالباب وهو يُفتح، توقعت أنه سلام، لم أعطِه اهتمامًا واستمررت بالرقص والتمايل على أنغام الأغنية، استدرت وأنا أرقص وابتسمت إلى سلام الذي كان يراقبني:
- الجلسة ما مشيتش زي ما كنتِ عايزة؟
نظرت إليه وأنا ما زلت أرقص وأجبته بأنها كانت جيدة جدًّا، نظر إليّ سلام بشك واقترب من الجرامافون وأطفأ الأغنية.
توقفت عن الرقص ورمقته بغضب، تنهدت:
- أنا وهلال رابطنا ماضي واحد يا سلام.. أنا شوفت نفس اللي هلال شافه.
- يمكن صدفة.
نظرت إليه بتعجب وصدمة من إجابته "صدفة"؛ سلام هو أكثر شخص يعلم أن ما رأيته ليس صدفة، ووجود هلال هنا ليس من فراغ! لماذا يلاوعني ويُصر على أن يظهر بدور الساذج.
اقتربت منه وأمسكت بيده وأنا أرجوه:
- متخوفنيش منك.
ابتسم سلام وربت على كتفي وهو يحاول أن يطمئنني وسحب يده من يدي ليخرج.
جذبته من يده والدموع تتجمع في عيني:
- ما تأذيش هلال!
- دا كان طلبك وأنتِ حرة قرارك.. كل واحد حر قراره يا تِبْر حتى هلال.
رحل وأغلق الباب وراءه.
جلست على الأريكة وأنا شاردة في مصير هلال هنا، مسحت على شعري بتوتر وأغلقت عيني محاولة عدم التفكير.
***
في المساء، خرج هلال من غرفته، كنت وقتها في الحديقة أقرأ كتابًا تحت ضوء مصباح، شعرت بهلال من ورائي فابتسمت ابتسامة صغيرة وطلبت منه المجيء والجلوس معي، جاء وجلس بجانبي وهو شارد، على الأحرى لا يزال يفكر فيما رآه، أغلقت الكتاب وقررت أن أتحدث معه لتخفيف توتره.
- احكيلي شوفت إيه؟
نظر هلال إليّ وبدأ يقص كل ما رآه ويصف شكل الشخصيات والمكان وكل شيء، كان مثل الطفل وهو منبهر وخائف في الوقت نفسه من شيء لأول مرة يراه، استمعت له بصبر وهو يحكي وعندما انتهى سألته:
- اشمعنا الفراعنة اللي شوفتهم.
- معرفش أنا عموما مهتم بالتاريخ لكن ليه الحكاية دي وازاي عقلي قدر ينسج اديرا وماضيها واوهانا وكل الناس دي؟
- طب اهدا.. يمكن تعرف الأيام الجاية.
تنهد بهدوء ورفع رأسه ونظر إلى السماء التي كانت مزينة بالنجوم وسألني وهو لا يزال يشاهد النجوم:
- هو اللي حصل قبل ما أنام كان حقيقي؟
نظرت إليه بطرف عيني ورفعت رأسي أنا الأخرى ونظرت إلى السماء وأنا اشاهد النجوم:
- يمكن.
- انا ما بحبش الاحتمالات لو حصل قولي.
- ولو حصل رد فعلك هيكون إيه؟
- عملتِ كدا ليه؟!
- تفتكر إحنا عيشنا كام مرة قبل الحياة دي؟
أخفض هلال رأسه ونظر الي وهو يحاول فهم ما أقصده، أخفضت رأسي أنا أيضًا ونظرت إليه:
- تفتكر كام حياة كنا أنا وانت فيها سوا؟
- أنا مش عايز أكون خاين.. أنا أذيت فدوى كتير كفاية كدا عليها.
نظرت إلى عيناه وأنا أحاول البحث عن رد لكن كل الكلمات تلاشت من عقلي، هززت رأسي في هدوء وهممت بالوقوف وقبل رحيلي نظرت إليه:
- أيا كان نظرتك ليا حاول تنسى الكلام ده.
هز رأسه موافقًا وبقيت أرمقه وأنا أحاول البحث عن تعبير مناسب أقوله له، نظرت في الأرض وأغلقت عيني.
- حاول تنساه.. لأني مش مستعدة أخسرك دلوقتي.
فتحت عيني ونظرت إليه وأنا أحاول الابتسام:
- ويلا علشان نتعشى مع سلام.
ابتسم وأخبرني أنه سيأتي ورائي.
أخذت الكتاب ومشيت ثم رفعت رأسي، وجدت سلام يراقبني من إحدى النوافذ، نظر إلى هلال ثم أغلق الستائر، نظرت إلى هلال في خوف ودخلت إلى البيت سريعًا.
***

رواية نسيج التبر / للكاتبة يارا سعيدWhere stories live. Discover now