الجزء السابع

6 1 0
                                    

كانت اوهانا تحكي لاديرا تفاصيل الليلة التي قضتها مع كاي، وتعابير وجه اديرا تتغير ما بين الخجل والتململ من حديث اوهانا.
- ماذا أحكي لكِ.. شعور مميز أن تستيقظي وأنتِ بين أحضان رجل ذي منصب مثل كاي.
- لقد حكيتِ كل شيء مرارًا وتكرارًا يا اوهانا!
- مسكينة أنت أليس كذلك؟ بعد أن يراكِ الفرعون ويعجب بك يقرر قضاء الليلة وحيدًا.. أظن أنك لم تنامِي جيدًا أمس.
- أنا لا أهتم بكل ذلك، حاولي فهم تفكيري.. أنا لا أريد أن أكون خادمة لدى أحدهم أنا ولدت حرة وأريد الخروج من هنا بأي شكل.. لا أفكر في كل ذلك وحتى إن كان الفرعون يريدني أنا لا أريده كل ما أريده هو حريتي.
- اخفضي صوتكِ! كيف تتجرئين على قول ذلك.
- لا أهتم.
- إذن اصمتي لأن السيدة لؤلؤ قادمة.
اقتربت السيدة لؤلؤ منهما وقالت بصرامة:
- اوهانا.. السيد كاي يريدك.
نظرت اوهانا إلى لؤلؤ في دهشة ووقفت معها لتذهب إلى كاي وقبل أن تذهب غمزت إلى اديرا بابتسامة، ضحكت اديرا بصوت خفيض على تصرفات اوهانا ونظرت إلى نفسها في المرآة.
كنت لا زلت أجهل سبب وجودي هنا لكنني كنت قلقًا على اديرا، نظرتُ إلى يدها وهي ممسكة بالمرآة ورأيت وشمًا على معصمها، كنت قرأت عن ذلك الوشم الذي يُرسم دائمًا على معصم شعوب البحر المتوسط أعتقد أن اديرا منهم؛ إذن هي أُخذت أسيرة نتيجة معركة رمسيس الثالث الشهيرة مع شعوب البحر المتوسط.
كنت أدرك أن كل ما تريده هو حريتها، هي تعلم أنها على قدرٍ كبيرٍ من الجمال، ذلك ما كانت تسمعه من كل أهل قريتها الصغيرة حيث البلد الذي جاءت منه شمال شرق مصر، أظنها لا تتذكر تفاصيل مجيئها إلى مصر لكن كل ما تتذكره أنها أُخذت أسيرة من بلدها وعندما رأى نائب الفرعون كاي حسنها ضمها إلى الجواري في القصر، لكن هي لم تكن تريد ذلك؛ هي لا تريد أن تمنح جسدها لأحد حتى لو كان الحاكم، تريد حرية العيش، حرية التحدث، حرية الاختيار.
ألقت المرآة بجانبها في غضب مكتوم وتنهدت.
***

دخلت اوهانا إلى كاي، وقف كاي أمامها في كبرياء فرفعت اوهانا رأسها إليه ولفت ذراعيها على رقبته، ابتسم كاي وأنزل ذراعيها من على كتفه، نظرت إليه اوهانا متسائلة:
- كنت أعتقد أنك افتقدتني.
- ربما، لكن أنا لم أطلبك لذلك السبب.
عقدت اوهانا حاجبيها وضمت ذراعيها إلى صدرها
- إذن ما الذي جعلك تطلبني وقت الظهيرة؟
عاد كاي إلى كرسيه وتظاهر بانشغاله بالبرديات أمامه:
- ألا تريدين أن تصبحي زوجة نائب الفرعون.. وربما الفرعون نفسه؟
- مَن في القصر لا تريد ذلك؟
- اوهانا أنت شابة طموحة وذكية وجميلة.. فتاة مثلك تستحق أن تكون ملكة.
اقتربت اوهانا من كرسي كاي وجست على ركبتيها:
- وكيف ذلك؟
- إن سرقتِ بعض المخطوطات من أجلي ستصبحين في منصب كبير في وقت قصير.
- سرقة؟! لمَ.. وسأسرقها منِ مَن؟
- من الفرعون ولا أعتقد أن السبب يهمك.
- لكن ذلك صعب يا سيدي.
- أنت لن تقومي بشيء بل صديقتك اديرا.
- ولمَ هي؟
- لأن هي من أُعجب بها الفرعون.. أقنعيها فقط واتركي الباقي لي.
***
جلست اوهانا تفكر في طريقة تقنع بها اديرا، هي تعلم أنها إن تكلمت معها ستغرقها اديرا بالكلام عن الأخلاق والتربية التي نشأت عليها في بلدها وكيف أنها خلقت حرة الاختيار و...
حرة! ذلك مفتاح الوصول إليها.
ألقت نظرة على اديرا التي كانت تخيط فستانًا بين يدها، تحركت اوهانا من مكانها وجلست بحركة مفاجئة بجانب اديرا، انتفضت اديرا من المفاجأة وغرست الإبرة في إصبعها، تألمت اديرا وسحبت الإبرة من إصبعها فأخرجت اوهانا منديلًا ومسحت إصبع اديرا الذي كان ينزف.
- دماء السيدة الحرة التي تسعى للحصول على حقها يجب أن يمسحه العبيد أمثالي.
عقدت اديرا حاجبيها ونظرت إلى اوهانا:
- لم تكن مقابلتك مع كاي جيدة؟
- أحسدك يا اديرا.. كنت أتمنى أن أكون صاحبة قرار مثلك لكن أعتقد أنني لم أخلق إلا لأكون عبدة.
صمتت اديرا بضع ثواني وراجعت كلامها مع اوهانا قبل ذهابها، قالت لها بنبرة معتذرة:
- هل تضايقتِ من حديثي؟
- لا مطلقًا.. لكن عندي لك شيء ربما يخرجك من هنا.
نظرت لها اديرا بعيون متسائلة ومنتبهة لما ستقوله اوهانا، ابتسمت اوهانا وهمت بالحديث.
***
بعد بضعة أيام، اديرا جالسة على سريرٍ في جناح الفرعون يسري في جسدها رعشة بسيطة؛ بسبب توترها، تنظر إلى الغرفة التي توجد بها المخطوطات، تخالف كل شيء تعلمته في حياتها، فقط من أجل الخروج من العبودية وحديث اوهانا يتردد في ذهنها دون توقف.
"من يسعى للحرية يجب أن يقدم التضحية التي تجعله يستحقها، صديقتي الجميلة ليس هناك شيء يُمنح دون مقابل حتى لو كان ملكك سابقا ما دام ليس بيدك يجب عليك السعي إليه"
دخل الفرعون إلى الغرفة فوقفت اديرا بتوتر وانحنت له، أمرها الفرعون بالوقوف ونظر إلى وجهها الرقيق، واديرا تحاول الحفاظ على هدوئها والذي يطغى عليه توترها، جذبها الفرعون من خصرها إليه وقبلها بحرارة.
"الفرعون أحَبك ويريدك لذا ما المانع من تقديم نفسك له لليلة واحدة، ليلة واحدة كفيلة بتغيير كل حياتك وتمنحك حريتك، وبعدها يمكنك بكل سهولة تحقيق ما نريده وتختفي أنت عن كل الأنظار"
قبل بزوغ الشمس، اعتدلت اديرا في جلستها ونظرت إلى الفرعون النائم بعمقٍ بجانبها وتتذكر تلك الساعات الثقيلة التي مرت بها معه، كل لحظة، كل لمسة منه على جسدها يجعلها تشعر بالاشمئزاز من نفسها ومنه، بحثت عن فستانها فلم تجده بجانبها فسحبت الملاءة لتستر بها جسدها وقامت من جانبه بهدوء؛ حتى لا يستيقظ وتسللت إلى الغرفة الأخرى التابعة للجناح وأخذت تفتش حتى وجدت المخطوطات.
"لا تسألي كثيرًا عن من نحن ومن نريد؛ فقط قومي بالتنفيذ، اسرقي المخطوطات واجلبيها إليّ وأعدك يا اديرا أنك في الليلة نفسها سترحلين عن هنا، وكاي نائب الفرعون سيتولى أمر خروجك من القصر دون شعور أحد، بالإضافة إلى أنه سيمنحكِ مبلغًا من المال لتبدئي به حياتك، أليس ذلك يستحق التضحية؟"
أمسكت اديرا بالمخطوطات ويدها ترتجف بخوف شديد.
"فكري يا اديرا الفرصة تأتي للشجعان فقط.. لمن يريدون الحرية فقط.. صدقيني حياتك تستحق تضحية ومخاطرة صغيرة مثل هذه"
- ماذا تعتقدين أنك بفاعلة!
التفت اديرا بخوف ونظرت إلى الفرعون الذي كان يرمقها بغضب، نظرت إليه اديرا وهي تتنفس بصعوبة وصدرها يعلو ويهبط بخوف ووقعت من يدها المخطوطات ثم سقطت مغشية على الأرض.
***

رواية نسيج التبر / للكاتبة يارا سعيدWhere stories live. Discover now