الجزء الخامس

6 1 0
                                    

البوابة الأولى
مصر القديمة



"هلال"

فتحت عيني، أسحب أنفاسي وأخرجها بصعوبة، هل آخر شيء رأيته قبل مغيبي عن الوعي كان حقيقيًّا؟، فتحت عيني وأغلقتهما أكثر من مرةٍ محاولًا استعادة وعيي ونظرت حولي باندهاش.
أين أنا؟! أين تبر والأريكة والجرامافون؟
نظرت حولي، كانت الغرفة واسعة والسقف عالي الارتفاع.. كأنها غرفة في قصر، مضاءة بشعل من النيران والغرفة بها أعمدة شاهقة مزخرفة بالرسوم والألوان، هذا ليس حقيقيًّا.. هذا في عقلي فقط.. ذلك نسج خيالي، إذن في أي بقعة أنا في خيالي الآن.
سمعت صوت أقدام قادمة ويبدو أنهم أكثر من شخصٍ فاختبأت وراء أحد الأعمدة، ظهرت عشرات الفتيات وهن يمشين في صفين يزعمهما سيدة كهلة أعتقد أنها المسئولة عنهن، هيئة الفتيات من ملابسهن وتسريحات شعورهن تذكرني مصر القديمة، نظرت إلى تصميم الغرفة مرة أخرى.. أنا في العصر الفرعوني! كيف لم أدرك ذلك؟!
تنهدت وأنا أنظر بعيني إلى الفتيات اللاتي تفرقن وبعضهن جئن إلى المكان الذي كنت أختبئ فيه..
تعجبت من أنهن كن غير مهتمات بوجودي وتوجهت إليّ فتاة كانت ممسكة بمرآة فوقفت أمام المرآة فلم أرَ أي صورة لي على المرآة، إذن أنا غير مرئي ذلك سيسهل اكتشاف مغزى وجودي هنا، نظرت حولي بِحيرةٍ حتى وقعت عيناي على فتاتين كانتا تضحكان كثيرًا عكس باقي الفتيات، أعتقد أنهما الوحيدتان اللتان تُحدثان ضوضاء هنا وكانتا تتحدثان بلغة غير مفهومة، اقتربت منهما محاولًا فهم كلامهما لكن لم أستطع فهمه حتى جاءت السيدة الكهلة وقالت بلهجة صارمة:
- توقفا عن الضحك والعبث وتحدثا العربية.. إن تحدثتما بالعبرية مرة أخرى ستقضيان اليوم كله في تنظيف القصر.
خفضت الفتاتان رأسهما واعتذرتا وبمجرد أن أعطت السيدة الكهلة ظهرها إليهن أخرجت فتاة لسانها إلى السيدة الكهلة وهي تنظر إليها بغيظ بينما ضحكت الأخرى في صوت خفيف، كانت الفتاة المتمردة غير عربية على ما أظن، كانت شقراء وبيضاء اللون وعيناها زرقاوان، والأخرى لم أستطع تحديد عرقها لكنها كانت جميلة، شعرها بني مائل إلى الحمرة وبشرتها مشربة بحمرة زادتها جمالًا وعيناها من اللون البني الداكن.
قالت الشقراء:
- تحدثي بالعربية، لا أريد أن ينقلب مزاجي في يومٍ مبارك مثل اليوم.
- ماذا سيحدث اليوم؟
- ألم تعرفي أن الفرعون سيعود اليوم من الحرب؟
- إذن.. ما المبارك في ذلك؟
- اديرا توقفي عن سذاجتك.. مؤكد سيحتاج الفرعون وحاشيته إلى حفلة صغيرة الليلة بمناسبة عودتهم ومؤكد سيقع الاختيار علينا؛ نحن من أجمل الفتيات هنا.
ضحكت اديرا وهي تجدل شعرها الطويل الناعم:
- توقفي أنت عن خبثك.. أعتقد أن الفرعون سيقضي الليلة مع الملكة تيتي.
ضمت الفتاة ذراعيها إلى صدرها في غرور:
- وهل الملكة تيتي أجمل مني؟
- اوهانا، كلمة أخرى منك وستسمعنا السيدة لؤلؤ وسيكون عقابنا عسيرًا.
- حسنا حسنا، وماذا عن الوزراء والكاتب الملكي ونائبه السيد كاي.. ألن تطمحي يوما أن تاتي بابنك من وزير أو أن يكون ابنك من الفرعون ويكون هو ولي العهد؟
نظرت اديرا إلى اوهانا ولم تعلق، انتهت من جدل شعرها وذهبت إلى مكان آخر بعيد عن اوهانا.
***

رواية نسيج التبر / للكاتبة يارا سعيدWhere stories live. Discover now