الجزء الثاني عشر

3 1 0
                                    

" هلال "

جلبت لي مشروبًا ساخنًا لمحاولة تهدئتي عما رأيته في منامي، أمسكتُ الكوب بأصابعي العشرة وأنا أتمعن النظر فيه وفجأة تحول لونه الذهبي إلى اللون الأحمر كالدماء، انتفضت من مكاني فوقع الكوب على الأرض وكُسر، هرولت تبر إليّ وأمسكت يدي وهي خائفة ولا تتوقف عن أسئلتها للاطمئنان علي، ربت على يدها وأنا أهّم بالوقوف، وقفت تبر أمامي:
- هلال أنا قلقانة عليك.
- أنا مش فاهم.. إيه اللي رابط سجاج باديرا ب...
جلستُ مرة أخرى وأنا في حالة انهيار:
- أنا مش فاهم حاجة خالص.
- هتفهم أكيد، في وقت معين هتفهم.
- تبر.. هو أنتِ بتشوفي اللي أنا بشوفه؟
أبعدت تبر يدها عني وابتلعت غصتها:
- لا، ازاي يعني في حاجة اسمها كده؟
- تبر أرجوكِ لو مخبية عني حاجة قوليلي.
ابتسمت تبر:
- صدقني مفيش حاجة.
هززت رأسي وتركتها وذهبت إلى غرفتي وأنا أحاول النوم، تقلبت في كل الأوضاع تقريبًا محاولا النوم بأي شكل لكن قصة اديرا وسجاج لا يخرجان من رأسي، اعتدلت في جلستي وفتحت أدراج المكتب وخزانة الملابس؛ مفتشًا عن ورقة وقلم حتى وجدت قلمًا ودفترًا قديمًا أخرجته وجلست وأنا أكتب ما رأيته
اديرا وسجاج
السرقة والقتل
اوهانا وطروب
الحرية والحب
ما الذي يربط بينهما.. الاثنان وقعا في الخطأ.. الاثنان أرادا شيئًا ما.. الاثنان وجدا من يشجعهما على خطيئتهما، لكنهما ليس لهما علاقة ببعضهما، تلك بعصر وتلك بعصر، ما علاقة الاثنين بي؟! لمَ أراهم!
أحطت رأسي بيدي في تعب وأنا أحاول فهم الرابط بينهما ووضعت رأسي على المكتب حتى غفلت من التعب.
***

قرب غروب الشمس، سمعت صوت موسيقى قادمًا من الدور السفلي، نزلت، كانت تبر ترقص على fly me to the moon لفرانك سينترا، ضممت ذراعي إلى صدري وأنا أشاهدها وهي ترقص حتى رأتني فجذبتني من يدي لأرقص معها، قاومتها في البداية فأنا أعرف أنني لست براقص جيد لكن مع إصرارها استلمت ليدها، وضعت يدي على خصرها وأمسكت يدها بالأخرى وهو تدندن مع الأغنية:
"in other words hold my hand.. in other words baby kiss me "
ابتسمت لتبر فاحتضنتني بقوة، أفلت يدي من على خصرها وأحسست بتمسكها الشديد، ترددت كثيرًا قبل أن أبادلها العناق وأبتسم.
تكلمت تبر وهي بين أحضاني:
- عايزاك تعرف إنك نقطة النور اللي في حياتي اللي مش عايزة أخسرها أبدًا.
ابتعدت عني ونظرت إلي بعيون لامعة: ما تضايقش من أي حاجة حصلت يا هلال، أنت أكتر حد أنا محتاجاه في الدنيا.
نظرت إليها فرأيت فدوى، ابتلعت غصتي وأغمضت عيني وفتحتها أكثر من مرة، كأن عقلي يعاقبني على انجرافي وراء مشاعري.. الغبية بالمناسبة.
اختفت الابتسامة من على وجهي وابتعدت عنها وأنا أطفئ الأغنية، نظرت إليّ وعقدت حاجبيها، كان كل تفكيري في تلك اللحظة هي فدوى حين احتضنت تبر شعرت بأني أحتضن فدوى.
القرب من تبر خيانة والابتعاد عنها أشبه بالضياع، هى..
هي الجمال والسر
هي التي تثير فضولي لأعلم من هي وأكتشف لماذا أنا هنا
هي من فتحت أبوابًا لا أحد يفهم لماذا فُتحت تلك الأبواب تحديدًا، ولا حتى أنا أفهم.
جلست على كرسي وأنا في حالة شرود تام فجاءت تبر وجلست بجانبي:
- "تعرفي إن عمر حد ما سألني أنا ليه أدمنت؟ أستاذ جامعي متزوج وأب إيه اللي يخليه يدمن؟ أنا ولا بني آدم فاضي ولا مهمل.. ليه أدمن؟ أقولك ليه؟
علشان أنا بني آدم مشتت.. مفهمش السعادة، مفهمش مغزى حياته.. عاش عمره ينجز ويحقق اللي الناس تفتخر بيه وتحبه وهو حتى مقدرش يفهم نفسه..
على فكرة أنا بحب فدوى من أول يوم شوفتها وأنا حبتها وحبيت إيلاف، حبيتها أكتر من أي شيء في الدنيا لكن مع كل الحب ده فقدت نفسي.. مقدرتش أفهم أنا ليه موجود، أنا إيه في كل ده.. التفكير صعب ومرهق.. المخدرات ما كانتش إلا مجرد حالة هيام جميلة.. أجمل ساعات عمري هي اللي كانت بتعدي وأنا برا حدود الدنيا.. علشان كدا وافقت أدخل معاكي في تجربتك.. علشان كنتِ مبهمة.. علشان حسيت إنك مخدري اللي هيخرجني برا الدنيا مرة تانية.. لكن الرجوع لسّا مؤذي يا تبر.. التفكير مؤذي، قوي، الأسئلة اللي في عقلي متعبة.. أنا تعبت من التدوير والبحث على حاجة مش عارف أخرتها يا تبر.
نزلتْ من عيني الدموع فمسحتها تبر بيدها:
- أنا موجودة علشانك.. علشان الرابط اللي بينا.. أنا مش عايزاك توصل للي أنا وصلت له.
مسحت وجهي وقبلت رأس تبر:
- محدش هيوصل للي أنا وصلت له.. اطمني أنا شخص مختل نفسيا بيقول العلاج لكل البشر لكن متعالجش.
***

" اليوم الثالث "
استيقظت بعد شروق الشمس ودخلت الغرفة البيضاء وأشعلت الجرامافون على أغنية لسيد النقشبندي.

قلبي يُحَدّثني بأَنّكَ مُتْلِفِي روحي فِداكَ عرَفْتَ أمَ لم تَعْرِفِ
لم أَقْضِ حَقّ هَواكَ إن كُنتُ الذي لم أقضِ فيِه أسى ومِثليَ مَنْ يَفي
ما لي سِوَى روحي وباذِلُ نفسِهِ في حُبّ مَن يَهْواهُ ليسَ بِمُسرِف

ذهبت إلى المكتبة وجلبت كتبًا عن عهد هارون الرشيد وعهد رمسيس الثالث، رجعت مرة أخرى إلى الغرفة وأنا أقرأ أحاول البحث عن أي رابط بين القصص والأحداث التاريخية، حتى فُتح الباب ودخلت منه تبر.
- أنت هنا من إمتى.
نظرت إلى السماء، كانت الشمس، اقتربت من المنتصف:
- أعتقد بقالي كتير.
- نبدأ؟
هززت رأسي بالموافقة وأرحت نفسي على الأريكة وأنا أنظر إلى السقف وأقفل عيني ببطء.
جلست تبر بجانبي وتوجهتُ بنظري إلى تبر وأنا مغمض العينين:
- تعرفي إنك من ساعة ما قابلتك وأنتِ بتقول لي فيه بيني وبينك رابط بس عمرك ما قلتِ لي عليه؟
- قلت لك كل حاجة هتتعرف مع الوقت.
- فاضل يومين.
مسحت على شعري وهمست في أذني:
- مش قليلين.. فاكر حكاية برصيصا.. لو وصلت لسبب ذنوب برصيصا هتوصل للرابط.. كل شيء مرتبط ببعضه يا هلال.
تنهدت وأنا أضع أعصابي في حالة انسيابية حتى غبت عن الوعي.
***

رواية نسيج التبر / للكاتبة يارا سعيدWo Geschichten leben. Entdecke jetzt