الجزء السادس

4 1 0
                                    

الأجواء خارج القصر كانت مليئة بالضوضاء؛ من الاحتفالات والفرحة برجوع الفرعون كانوا يهتفون جميعا باسم الفرعون وملك مصر رمسيس الثالث، دخل الفرعون بموكبه وهو محمول على الهودج يوجه الابتسامات والتحية لكل أفراد شعبه السعداء بانتصارٍ آخر من انتصارات الملك، أما عن القصر فبمجرد أن دخل الهودج من باب القصر اجتمع الخدم والحشم جميعهم واصطفوا على جانبي الطرقة وهم راكعون، وفي آخر الطرقة كانت تقف الملكة تيتي في ثوب ذهبي اللون مزخرف بالأحجار الكريمة وبجانبها ابنها الصغير رمسيس الرابع ومن وراءهم كرسي العرش.
نزل الفرعون من على الهودج وحيا تيتي بابتسامة واسعة ثم جلس على كرسيه وجلست تيتي بجانبه، تفرق الخدم وعاد كل منهم إلى عمله إلا السيدة لؤلؤ، وقف بجانب الفرعون رجل طويل القامة على الأحرى هو نائبه كاي وانحنى وهو يهمس في أذنه:
- مولاي، السيدة لؤلؤ سعيدة بعودتك مرة أخرى فإن كنت لا تمانع أن تقيم حفلة صغيرة لك احتفالًا بعودتك منتصرًا.
نظر الفرعون إلى كاي بتململ، ونظر إلى لؤلؤ التي كان تقف احترامًا للفرعون وزوجته
- أوافق على قيامها لكن أخبرها أني أريدها حفلة صغيرة لا يحضرها إلا أنا وأنت.. واحرص بنفسك على رؤية تجهيزات الحفل.
انحنى كاي وخرج من الغرفة وأمامه لؤلؤ وذهبا إلى غرفة الجواري، اصطفت الجواري ومر كاي على كل جارية يتأمل وجهها حتى وقف أمام اديرا واوهانا:
- هاتان يا سيدي أجمل جاريتين هنا.
- أرى ذلك.
رفع كاي وجه اديرا بيده وتأمل جسدها ووقع الاختيار عليها، تأمل اوهانا ورفع وجهها بيده فرفعت اوهانا عينيها ونظرت إلى كاي بابتسامة، تعجب كاي من نظرة اوهانا له، اتسعت ابتسامة اوهانا وطأطأت رأسها بين يده باحترام، رفع كاي رأسه، وعلى وجهه ابتسامة كبرياء وأشار للؤلؤ بضمها هي الأخرى إلى الحفل.
***

في الحفل كانت الجواري تغنين وتعزفن وكاي يستمع إلى العزف وهو يشرب النبيذ بينما كان رمسيس الثالث شاردًا، ترك كاي الكوب من يديه ونظر إلى الفرعون:
- مولاي.. هل الحفلة لم تنل إعجابك؟
- في ذهني أهم من تلك الحفلات السخيفة.
- وما الذي يشغل ذهن الفرعون؟
- الليبيون تجرؤوا على إعلان الحرب عليّ، يريدون احتلال مصر.. الطامعون لا يتوقفون عن التفكير في مصر وكيفية نهب خيراتها.. بداية الهكسوس والآن الليبيون.
- إن أراد الفرعون إبادة كل الليبيين سيبادون في يوم وليلة.
- جيش الليبيين قوي ليس كما تظن إن أرادوا هم إبادتنا سيفعلون ذلك.. لكن ليس وأنا على كرسي العرش.
- ما الذي يخطط له مولاي؟
- معركة تلقنهم درسًا قويًّا لا ينسوه، لقد قمت بتخطيط المعركة كلها ذكرني أن أريك المخطوطات غدًا.
- أمر جلالتك.
انتهت الفتيات من الغناء وتوقفت الفتيات عن العزف لوهلة قبل أن يغيرن اللحن الذي يعزفنه وتدخل الراقصات من بينهن اديرا واوهانا، انتبه الفرعون إلى الراقصات تحديدًا اديرا ولاحظ كاي ذلك بينما اوهانا كانت تتعمد رفع عينيها بين الحين والآخر على كاي، انتهى العرض الراقص فمال كاي على الفرعون وهمس:
- ما رأيك بالفتاة صاحبة الشعر الكستنائي؟
- تبدو جيدة.
- إن كنت تريد...
قاطع الفرعون كاي بإشارة من يده بأن يتوقف عن الحديث، تأمل اديرا الراكعة على الأرض، رفعت اوهانا عينها ونغزت اديرا لترفع عينها هي الأخرى فرأت الفرعون وهو يطيل النظر إليها، احمرت اديرا خجلًا وأخفضت عينها مرة أخرى.
- أفضل قضاء الليلة بمفردي.. إن كنت أنت لا تريد قضاء الليلة وحيدًا فلك حرية الاختيار.
وقف الفرعون ووقف كاي تحية له ثم خرج الفرعون ومعه حراسه، انتظر كاي خروج الفرعون وأمر الجميع بالخروج وعند خروج اوهانا ناداها كاي وأمرها بالانتظار.
خرج الجميع ووقفت اوهانا أمام كاي تطأطئ رأسها في خجل مصطنع.
- أخبريني باسمك.
رفعت رأسها وقالت بابتسامة: خادمتك اوهانا يا سيدي.
***
في اليوم التالي.. كان الفرعون يقف وعلى الطاولة أمامه مخطوطات وبجانبه كاي وهما يخططان للمعركة.
- قضيت ليلة جيدة يا كاي؟
نظر كاي إليه وقال باستحياء:
- أعتقد أنني كنت في حاجة إلى راحة يا مولاي.
نظر إليه الفرعون وابتسم:
- أنت صديق مخلص يا كاي وذلك ما جعلك نائبي الخاص.. لا مانع من بعض التنازل عن منصبي والتحاور كأصدقاء.
- هذا شرف لي يا مولاي.. إذن إن كنا سنتحدث كأصدقاء لمَ فضلت قضاء الليلة وحيدًا.
تنهد الفرعون:
- المنصب يا كاي.. المنصب يُحرم على المرء المتعة في بعض الأحيان.. ربما ليلة أخرى.
- آمل أن يزول عنك انشغال البال قريبا يا مولاي.
***

رواية نسيج التبر / للكاتبة يارا سعيدWhere stories live. Discover now