الجزء الرابع عشر

4 1 0
                                    

" تبر "

فتحت عيني وأنا أنظر حولي، كنت على الأريكة مرتدية قميص هلال بينما قميصي ملقى على أرضية الغرفة، اعتدلت ووقفت لأخذ قميصي وأنا أتذكر ما حدث منذ بضع ساعات، وضعت يدي على رأسي من ألم رأسي الشديد وأتذكر كل كلمة قالها لي هلال، كانت صادقة رغم غرابتها، لكن لمَ الآن، هلال بدأ يعي ما أتى لأجله؟!
خرجت خارج الغرفة وأنا أهرول في البيت بحثًا عن هلال فقابلت سلام، ابتلعت غصتي ونظرت إليه بخوف وأنا أسال عن هلال.
نظر سلام إلى هيئتي ورفع رأسي بإصبعيه وهو ينظر إلى رقبتي ويتأمل هيئتي التي مؤكد أنها فوضوية كثيرًا ثم ضحك بسخرية:
- في حد يقوم ويسيب التبر برضو؟
- فين هلال؟
مط شفتيه باستنكار وسار من أمامي، نظرت إليه بغضب ثم توجهت مرة أخرى للبحث عن هلال، دخلت غرفته وسمعت صوت المياه من حمام الغرفة، طرقت الباب وأنا أناديه، سمعت صوته وهو يقول بصوت خفيض ومتقطع:
- امشي من فضلك يا تبر.
مسحت على شعري بتوتر وخلعت قميصه وارتديت قميصي، نظرت إلى باب الحمام على أمل أن يخرج ويقابلني لكنه لم يفعل، ضربت الأرض بقدمي بغضب وخرجت من الغرفة
***
في الحديقة جلست وجسدي تسري فيه رعشة خفيفة كلما تذكرت ساعاتي الأخيرة مع هلال، لم أتوقع ما حدث لكنني لم أكن مستاءة منه بقدر ما كنت خائفة عليه، أعلم أن "هلال" ليس من ذلك النوع هناك شيء حدث لا أفهمه، وقفت وذهبت إلى سلام بغضب كنت أعلم أنني سأجده في المكتبة.
عند دخولي رفع سلام عينه من على الكتاب ونظر إلي بابتسامة، جززت على أسناني وقلت له بغضب:
- أنت كنت عارف إن ده اللي هيحصل؟
- هو أنا بشم على ضهر إيدي؟
سحبت الكتاب من يده وألقيته بغضب وأنا أصرخ في وجهه:
- ما تعملش غبي!

- تفتكري هلال من نوع العقليات اللي هيسألك يا ترى يا تبر أنت ليه مش عذراء!
- أنا هخلي هلال يمشي النهاردة.
هممت بالخروج من الغرفة فجذبني سلام من شعري وأوقعني أرضًا، ونزل لمستواي وهو يقول بنبرة تهديد:
- لو مشتيه لازم تكوني فاهمة إنه هيموت.
نظرت إليه بخوف وأنا أبكي، ترك شعري ووقف، رفعت رأسي وأنا أصرخ بغضب:
- لو هلال حصل له حاجة أنا مش هبقى تحت رحمتك يا سلام!
- هتعملي إيه؟ هتتذللي ليه يسامحك مثلا.. أرجوك سامحني أنا عبدك الخطاء وتبكي وتسجدي ليل نهار علشان يعفو عنك.. مش هتقدري يا تبر هتموتي وهو كارهك ومش عايزك.
هززت رأسي نافية وأنا أضع يدي على فمي وأبكي بحرقة بينما خرج سلام من الغرفة.
***

" اليوم الرابع "
لم أذق طعم النوم طوال الليل كنت أفكر وأفكر، أنظر إلى السماء؛ آملا أن أراه، آملا أن يقول لي: "إنني أن أردت العودة سيستقبلني بصدر رحب ويقبلني"، لكن ربما سلام محق، ربما هو لا يريد أمثالي.
عند شروق الشمس بدلت ملابسي وقبل خروجي من الغرفة نظرت إلى نفسي في المرآة، عيناي متورمتان من البكاء، ووجهي يبدو كأني أصبحت كهلة في يوم وليلة.
خرجت من الغرفة وتوجهت لغرفة هلال وطرقت الباب أكثر من مرة وعندما لم أسمع ردًّا فتحت باب الغرفة، كان هلال ينظر من النافذة إلى السماء.
التفت إلي وكانت هيئته لا تقل سوءًا عن هيئتي، اقتربت منه قليلا وتوقفت وأسندت يدي على كرسي من شدة الدوار، نظرت في الأرض وأنا أقول بتعب:
- امشي يا هلال.. ما ينفعش تفضل هنا.
- اللي بدأته هيكمل للآخر.
قال جملته الأخيرة بصلابة رغم صوته المتعب، رفعت رأسي ونظرت إليه بعيون دامعة فأردف هلال:
- أيا كانت النتايج هيكمل يا تبر ودلوقتي.
هززت رأسي بالموافقة واقترب مني هلال ليسندني إلى الغرفة البيضاء، كانت ريحها مختلفة عن البارحة كأن ما حدث بدل حتى الجدران، استلقى هلال وأغمض عينه وجلست أمامه، فكرت فيما يجب أن أقوله فتنحنحت وقلت بتعب:
- النهار ده آخر يوم ليك في التجربة.. عارف اللي وصل برصيصا للنهاية دي إيه؟ الشيطان أو زي ما كل الناس بتقول إنه الشيطان.. لكن دي مش الحقيقة يا هلال دي مش الحقيقة.
***

رواية نسيج التبر / للكاتبة يارا سعيدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن