الواحد والعشرون

26 4 0
                                    

زواج في مدينة الموت!

وافق ضابط مفرزة الاعدامات على الطلب الذي تقدمت به ميسون لتوديع خطيبها والذي تأقله باستغراب ودهشة، ولعله وافق ليشبع فضوله بفصل جديد غريب من مسلسل (أبو غريب) الكارثي اليومي..

وتم اللقاء.. إجتمعت الاجساد أخيراً، التقى الحبيبان وتشابكت روحيهما التي ما انفصلت مذ تعارفت.. والتقت العيون بالعيون، فهاهي ميسون وجها لوجه أمام حسام في لقاء حالم جياش بالشوق والعاطفة.

كان لابد لميسون أن تفي بعهدها، أن لا تخرج من الدنيا وفي روح قدوتها وحبيبها بعض عتب.. فالوفاء قيمة أخلاقية متأصلة في روحها، وهي الوفية الأثيرة.

وهكذا تم عقد الزواج في معاقل الجهاد وصارت ميسون زوجة لحسام وللحظات معدودة فقط! فهذا كل مابقي لهما من الدنيا.. بيد أنهم اتفقا على عهد آخر، فأن أفلحا ورزقهما الله عزوجل الجنة وحسن الختام تعاهدا أن يبقيا زوجين هناك في الفردوس والى الأبد:

- میسون!

- نعم حسام

- لي رجاء.. إن أفلحنا ورزقنا الله الشهادة، هل توافقين أن تكوني زوجتي هناك في الفردوس، في مقعد صدق عند مليك مقتدر؟

- بكل تأكيـد ياقرة العين وياحبيب الروح، فأنا إن شاء الله زوجتك في الدنيا والآخرة.

إرتسمت على قسمات محيا حسام المتقب بعض إبتسامة وقال:

- ولكن بشرط أن لا يكون هناك مهر جديد..

- لا، لا مهر هناك ياحسام.. فهناك الخير والجمال والنقاء، إذ لا عناء ولا ظلم أو خيانة. - وداعاً حبيبتي ميسون. - الى لقاء قريب ياحسام.

ولكن أي حفل للزواج هذا الذي يحيطه بدل الأهل والاحباب، الجلاد ووحوش الغاب!! أي احتفال وغرس هذا الذي يجمع العريسين وبقربهما الحبل وكرسي الكهرباء!! يا أبناء الإسلام.. ياغياري العراق، طوبى لكم وهنيئاً لكم عرس الشهادة.

كم كانا يودان الارتماء في صدور بعضهما، ليطفئا هذا الأوار الملتهب من الحنين والعذاب لولا حياء السرائر وعفة النفوس.. كم كان يود حسام لو يعانق زوجته ورفيقة دربه بشوقه المتقد.. يتلمس جراحها، يجفف دموعها الساخنة، يخفف أحزانها الحارقة، يحتضن آلامها بآلامه.. لكن سمو أخلاقهم وعلق آدابهم حال دون ذلك.

صلوا ركعتين قبل التفرق.

إنتهت لحظات اللقاء التي سمح بها مزاج الضابط المسؤول.. سحبوهما، فرقوهما عن بعضهما وعيناهما متسمرتان ببعضهما لم تتحركا، تأبيان الانفكاك، كانتا تسافران الى بعضهما وتتعانقان.. كانا كأنهما روحاً انفصلت الى شطرين..

ودعته وهي تمسح دموعاً تأبى أن تتوقف، إنسحبت وهي تصارع آلاماً ما انفكت تتصاعد.. ميسون التي أبت الانكسار أو البكاء أمام جولات الأوباش، هاهي أمام الحبيب منهدة صريعة الدموع والآلام!

لكنها وبرغم السيل الحارق المنهمر من عينيها وروحها كانت في قمة السعادة والانشراح.. فالوجه كان قريراً يستبشـر ويستعجل الرحيل للمعشوق الأبدي والمحبوب السرمدي، سيما وقد تيقنت أن حسام سيكون معها رفيق رحلتها. تقول السجينة المجاهدة (أم إيمان العباسي)) نقلا عن

الرقيبة التي رافقت ميسون الى (أبو غريب): «عند غروب الشمس وقبل تنفيذ الإعدام بدقائق، تم اللقاء بين ميسون وحسام.. كانت حريصة على اللقاء به قبل الاعدام لتفي بعهدها الذي قطعته له.. وافق الضابط على ما أرادت، وفعلا سمح لهما باللقاء..

طلبت من حسام أن يقرأ عليها صيغة عقد الزواج، وتم ذلك فعلاً.. ثم تعاقدا على عهـد آخـر، فان شاء الله وكانت عاقبتهما

(1)- إحدى سجينات الحركة الإسلامية في العراق.. اعتقلت مع زوجها عام ۱۹۸۲م بتهمة تجاوز حدود، حكم على زوجها الشهيد (رعد محسن العاصي) بالأعدام وهي بالسجن عشر سنوات.. أطلق سراحها في عفو عام 1986م.

الجنة سيكونان لبعضهما أيضاً.. لم يدم اللقاء سوى لحظات، تفرقا بعدها لينفذ فيهما حكم الاعدام...».

طائر الشمس |حقيقية|Where stories live. Discover now