الثامن عشر

28 3 0
                                    

رجاء.. وعهد الوفاء

بعد بذل الجهود الجهيدة وإغداق الأموال الطائلة مـن قبـل والد ميسون، تسرب خبر يؤكد تخفيف حكم الاعدام المرتقب

الى مؤبد!!

فوالدها لم يزل يجهل أن جميع أمواله ومحاولاته قد ذهبت أدراج الرياح، لأن أزلام أمن النظام كائنات قد تطبعت على الكذب وبغض الخير.. فلا يمكن أن نرجو منهم الوفاء وقد عجنت طينتهم بالغدر والدهاء.

بيد أن ميسون لم تهتم كثيراً بالأمر، فهي مازالت -كما كانت -

مبتسمة هادئة.

ولأن وجهها الطفولي الموحي بأنها دون السن القانوني لتنفيذ حكمهم الجائر، أخذوا ميسون بعد أيام قلائل من انتشار الأشاعة الى مستوصف صحي صغير قريب من السجن ثم أخضعوا اسنانها لفحص طبي ليتسنى للطبيب المختص تحديد عمرها الحقيقي وليضيف بنفس الوقت سنتين الى عمرها ليقطع أي أمل لتأجيل تنفيذ الاعدام!

لقد كتب طبيب الأسنان تقريراً معتمداً أثبت خلاله أن ميسون قد تجاوزت السن القانوني الذي يسمح بتنفيذ حكم الاعدام الصادر. من

أبتاه ماذا قد يخط بناني والحبل والجلاد ينتظراني هذا الكتاب إليك من زنزانة مقرورة صخرية الجدران لم تبق إلا ليلة أحيا بها وأحش أن ظلامها أكفاني ستمر ياأبتاه لست أشك في هذا وتحمل بعدها جثماني ***

أنا لست أدري هل ستُذكر قصتي أم سوف تعروها رحى النسيان أو أنني سأكون في تأريخنا متأمراً أم هادم الأوثان؟ كل الذي أدريه أن تجزعي كأس المذلة ليس في إمكاني(1) ***

ينص دستور الفرعون في إحدى فقراته على السماح لاهالي المحكومين بالاعدام بالمواجهة لمرة واحدة ولدقائق قليلة بذويهم قبل تنفيذ أحكام الاعدام، غير أن ذلك القانون لم ولن يتم تنفيذه مطلقاً، سيما في قضايا الإسلاميين في حقبة الثمانينات.. ولان إدارة ورقيبات سجن الرشاد قد تعاطفن مع ميسون،

(۱)- رسالة شهيد.. من ديوان جراح مصر 1955م للشاعر الشهيد هاشم الرفاعي.

فقد أرسل الى أهلها لمواجهتها قبل أخذها الى (أبو غريب) لتنفيذ الاعدام ولكن شيئاً ما ظل مجهولاً حال دون تحقيق ذلك، فلم يصل التبليغ لاهلها ولم تتم المواجهة.. ولان والدة د. حسام ظلت تتردد على سجن (الرشاد) أيام المواجهات الشهرية وغيرها من المناسبات والأعياد، فقد سمحوا لها بالمواجهة واللقاء مع ميسون.. تنقل لنا الأخت السجينة (أم إيمان العباسي) مقطعاً من ا اللقاء:

میسون :

خالتي العزيزة، لي عندك رجاء فلاتترددي في تحقيقه..

والدة حسام :

أطلبي ماشئت ياابنتي.. والله لو تطلب الأمر أن أفديك بروحي

لفعلت..

- أشكرك ياخالة.. أريدك أن تذهبي الى أهلي وتطلبـي يـدي رسمياً، فأنـا قـد قطعت عهداً لحسام ويجب أن أفي به. إحتضنتها الأم التي ستثكل بولدها وبخطيبته في آن واحد ثم بكت بكاء مرأ وأنت أنيناً طويلاً.

هدأتها ميسون ومسحت دموعها بأناملها الناعمة وبعد لحظات قالت الأم:

بنيتي ميسون؛ أليس قريباً سينفذون بك وبحسام حكم الأعدام؟!

- نعم.. ولكن أرجوك ياخالتي العزيزة أن لاتردي طلبي.

- لا، لن أرد لك طلباً ياابنتي، لكني كنت أتساءل فقط. وتستمر الأخت السجينة في حديثها الذي تقطع بسبب

العبرات مرات، وقالت:

«نعم، لقد نفذت أم الشهيد حسام وصية الشهيدة ميسون، حيث ذهبت الى أهلها وطلبت يد ابنتهم رسمياً..

لكن أهل ميسون بقوا صامتين، لايعرفون بماذا يجيبون هذه المرأة التي ستشكل مثلهم بفلذة كبدها..

أم ميسون التي لم تعرف مغزى هذا الطلب الذي رغبت ابنتها في تحقيقه، بكت بكاء طويلاً ثم قطعت الصمت وقالت : لقد خسرت ابنتي شبابها وضيعت نفسها، فما فائدة هذه الخطبة الآن يا أم حسام؟!»(۱)

أماه قد عزّ اللقاء وفي غد سترین نعشـي كالعروس يسير وسينتهي المسعى الى اللحد الذي هو منزلي وله الجمـوع تصيـر قولـي لـزب اللحـد رفقاً بابنتي جاءت عروساً ساقها التقدير أماه لاتنسي بحق بنوتي قبري لئلا يحزن المقبور()

(۱)- تحدياً لعصابة الجـور المجرمة ووفاء لروخي الشهيدين حسام وميسون أقدم أحد إخوة الشهيد - وكان خريج كلية- لخطبة إحدى أخوات الشهيدة - وكانت خريجة هندسة- وكاد يكتب للمشروع النجاح في تأصيل الألفة بين العائلتين المفجوعتين لولا والدا الشهيدة ميسون اللذان رفضا هذه المرة أيضاً!! (۲)- من قصيدة رثاء لعائشة خانم التيمورية تربي ابنتها.

طائر الشمس |حقيقية|Where stories live. Discover now