البارت الرابع

70 15 1
                                    

بل ان ميسون وبالرغم من الارهاب الذي انتشر في جميع جامعات ومعاهد العراق كالوباء الفتاك، لم تتهاون في حجابها المألوف في المدن المقدسة (المانتو والعباءة)، الذي استحال في تلك السنين المرعبة الى شبح واتهام يخشاه الناس ويترددون في التقرب ممن يرتديه رغم اجلالهم له!

***

وكانت البداية.. فرغم تشنج الأجواء في الكلية وانتشار العيون البعثية، صارت الطالبات يتجمعن حولها تجمع الفراشات حول أزهار الربيع، يتعطرن من نقاء كلماتها ويغترفن من عبير روحها.. ولأن الطيور على أشكالها تقع، امتزجت القلوب الطاهرة ببعضها، فكانت (أنعام حميد) و (إيمان) من الأخوات الأقرب الى قلب (ميسون الاسدي).

انها فتاة عراقية عاشت جراح وطنها وآلام شعبها، فانتمت الى منظمة العمل، تلك المدرسة الفكرية الاستشهادية في عراق سيد الشهداء التي أرق فكرها النهضوي أزلام النظام) وأوجع جناحها العسكري(٢) بعملياته الاستشهادية وضرباته النوعية دوائر أمن النظام.

(۱)- كعمليات (الجامعة المستنصرية والوزيرية ودار الحرية للطباعة ومقر الجيش الشعبي والأمن العامة والسفارة البريطانية) في بغداد، وعملية السفارة

العراقية في روما..... الخ. (٢)- من أبرز مفكري منظمة العمل الإسلامي؛ الشهيد السيد حسن الشيرازي - الذي اغتالته المخابرات العراقية في بيروت يوم · 3/ أيار/ 1980 والسيد

لذا حاولت (هي ومن معها) بعطرها الفواح بث الهمم في النفوس الهامدة وبعث الهموم في الأجساد الخامدة لـ (أولئك النفر الجامدين القاعدين بالرغم من كل المصائب المريرة التي حلت بالأمة)(۱).

كانت لقاءاتها بالطالبات مبرمجة، وكلماتها نابضة موحية بالمعاني العميقة، سيما وقد امتاز سلوكها بالمؤانسة والوداعة، فيما صاحب ذلك توزيع الكتاب الإسلامي الهادي والشريط التسجيلي الهادف..

فحركتها ولسانها الذي ينثر آيات الحق والحرية في أزقة الكاظمية وفي أروقة الكلية كانا يدلان على منهجية هذه الفتاة الواعية في عدائها لهذه العصابة التي ابتلى بها عراق المستضعفين، سيما وان المسافة الفاصلة بين كلية الطب وكلية الآداب أصبحت

تذوب شيئاً فشيئاً..

لذا امتلكت (ميسون) وفي فترة زمنية متواضعة، وعياً سياسياً هادياً مرتكزاً على فهم عقائدي عصامي.. بل وتأصل في عقلها منهجاً جهادياً راسياً كرسوخ جبل النور وتجذر في روحها نقاءاً كصفاء الأولياء، حتى صارت بعيدة عن الدنيا قد طلقتها ثلاثاً، موغلة في الهجرة صوب كربلاء..

ثرى ماذا حصل؟! وما الذي فعله حسام؟! هل ذابت في مسالك العاشقين رغم حداثة سنها، فنحن الى اللحظة لما نزل نجهـل جـذور حبها الكبيـر! تُـرى مـن أين جاءت هذه الفتاة الصغيرة بهذه الروح الكبيرة؟!

محمد تقي المدرسي والسيد هادي المدرسي والاستاذ إبراهيم المطيري والسيد عباس المدرسي والاستاذ جواد العطار وغيرهم. (1)- في حديث للإمام الخميني تكل .

فهي والهة في ذاك الحبيب القائم والعشيق الدائم.. نزهتها المسائية شبه اليومية (المألوفة) زيارة أبواب الحوائج ، لذا فحينما يفتقد البعض من المقربات (ميسون) لايترددن في الذهاب الى حضرة الكاظمين ليجدنها هناك تنساب كضـوء الفجر، هادئة مطرقة تمشي على استحياء، أو جالسة منكبة تقرأ في صمت الأنبياء..

أما إذا أقبل شهر رمضان، فإنك تجد هذه الفتاة الحورية كالعارف المستغرق في مسلكه وانقطاعه.. فهي بعد الافطار قد استقرت في زاوية أحد الأروقة المجاورة للضريح المبارك، حيث يهرع المظلوم والمفجوع والعاشق الى تلك القباب ليعبد الله ويتوب إليه.. يهرعون ليهزموا ما في نفوسهم من دموع وأحزان، يخضبون أرواحهم بحثاء المناجاة..

وبعد الشخر تنساب معاودة حتى مطلع الفجر، تغرق في سفينة النجوى والدعوات.. إنها ميسون؛ صفاء الأولياء ومنهج كربلاء. من هنا كانت البداية.. التفكير في القربى الى الله ﷺ، ليلة بعد ليلة، صلاة بعد صلاة، دمعة بعد دمعة.. أبصرت ميسون، مشت ثم مشت حتى آخر الطريق.. وفي آخر الطريق وصلت الى من تريد.. الى المعشوق الحبيب الفريد..

تمر الشهور وميسون ترتقي سلم المجد بخطى ثابتة ويقين راسخ، حتى أضحت شمساً في سماء الكاظمية.. فاهتدت فتيات محلتها بها وهي أهل للأقتداء، لان حبها لله وعشقها له ليس حباً صوفياً ذاتياً بل كان حباً ايجابياً معطاء وقل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ().

(۱) - سورة آل عمران: آية 31.

1 وإن كان هناك ما هو جدير بالأسف والعتب، فهو ضياع تلك السنين القانية ما بين (١٩٨٢ م – ١٩٨٤ م) من سجلها الجهادي الدامي! وإن كان سجل الملكوت لايغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها..

لان هذا الصمت الطويل الذي غيب جهاد وتضحيات زينبيات العراق لايقل بشاعة عن ذاك الحبل القاسي الذي غيب آمال وطموحات مجاهدات العراق..

فنحن لم نعثر لها على صفحات لتلك المرحلة العصيبة من تاريخها الجهادي المتواصل.. نعم، هذه ضريبة الحذر والكتمان، سيما وان أبطال خليتها جميعهم قد استشهدوا أو تقاعدوا!!

طائر الشمس |حقيقية|Where stories live. Discover now