البارت السادس

47 8 2
                                    

وهل الدين إلا الحب؟(۱)

تمرا الأيام والشهور، والخلية في أوج نشاطها وأعلى حذرها.. وكان د. حسام شديد الحرص على ميسون وانعام وإيمان، سيما بعد أن وجد في ميسون الفتاة المناسبة لتقاسمه همومه واحلامه وأمانيه. وفي ذات صباح جلستا (انعام وميسون) في أحد أركان حديقة القسم بالكلية.. كانت (أنعام) منشغلة في حديث خاص، فهي تهمس لميسون بما يرغب به أخوها، حيث طلب معرفة رأيها قبل أن يتقدم لخطبتها من أهلها.. بينما كانت ميسون مطرقة هادئة والبسمة تعلو محياها.. نعم إنها موافقة، شريطة أن يؤجل الزواج الى ما بعد التخرج..

لقد جمعت د. حسام وميسون وحدة الهدف والمنهج، إنصهرا ببعضهما بكل وعي وخلق رفيع.. كتما حبهما الطاهر حتى عن بعضهما حياء وعفة رغم ما كانت تبوح به العيون من حكايا وحكايا(٢).. الحب الحقيقي الذي أظرته القيم والاخلاق الإسلامية الجميلة والذي سمى بهما الى السماء، لا ذاك الذي تحيطه الشهوات القاصرة والرغبات المشوهة التي تهبط بالإنسان الى حضيض الحيوانية.. جمعهم

فالمؤمن يحب أهل طاعة الله ويعادي أهل معصيته ولا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله.. »(۳). (۱)- في حديث للإمام الصادق : وهل الدين إلا الحب.. البحار: ج ۲۷، ص ٩٤(۲)- (من عشق فكتم وغف وصبر فمات مات شهيد ودخل الجنة) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ۲۰/ ۲۳۳. (۳)- سورة المجادلة: آية ٢٢

إنه الحب الكبير، تلك النعمة الإلهية المتواشجة مع الفطرة وقيم الدين وأخلاق المؤمنين والتي تسمو بصاحبها الى معنى العبادة الحقة لله لتنسجم مع الحب الأكبر والعشق الأعظم للمعشوق الأوحد.

لاتخف ما فعلت بك الأشواق واشرح هواك فكلنا عشاق

حاول د. حسام ان يطلب يد ميسون من أبيها، بيد أنه وقبل تحديد موعد الزيارة والتعارف لم يلمس من أهلها قبولاً رغم ما وجدوه فيه من سمات التدين والسجايا الكريمة والنوايا الطيبة، بل ورغم اعجابهم بأخلاقه ورفيع تربيته..

إعتذروا وتشبثوا بأسباب شتي، بأعتبار أن د. حسام لم يزل في بداية مشواره العملي وان ميسون مازالت طالبة لم تتخرج بعد..

غير ان السبب الحقيقي في رفضهم إياه يتمثل في خوفهم على مصير ابنتهم، سيما وانهم قد أدركوا جيداً أن هذا التحول الصارخ الذي طرأ على حركة ونشاط ميسون هـو جـراء تأثير د. حسام..

قرر (حسام وميسون) الصبر على موقف الأهل وتكرار المحاولة لاقناعهم، خصوصاً بعد أن تيقنـوا بضرورة ارتباطهما وبعجزهم عن امكانية ابتعادهما عن بعضهما، حيث جعل منهم هم الدين والوطن روحاً واحدة وعقلاً واحداً، فهاموا ببعضهما صبابة وولها.. ولم لا، وشبيه الشيء منجذب إليه.

وبينما كانت ميسون في غرفتها تذاكر دروسها، دخل عليها والدها.. حاول تطييب خاطر ابنته وحبيبته، فلعله في حبه لها وحرصه عليها قد سبب لها الكدر والحزن في رفضه لحسام.. ذات يوم

- إبنتي ميسون..

نعم بابا

- أنا وأمك رفضنا هذه الخطوبة، لأننا نرى أن هذا الشاب لايضمن لك السعادة التي نرجوها، رغم كل مافيـه مـن أدب وعلم ودين.

- صمت مطبق وحياء مطلق أحاطها وطواها طياً.

ويتابع الأب حديثة الهادىء بصعوبة بالغة..

- نحن لانشك أبدأ في صواب اختيارك ياابنتي، لكن هذا الشاب متدين كثيراً ويبدو عليه انه سياسي، وصدام لا يرحم من

يعارضه فكيف بمن يحاربه!

بل أنا وأمك وكل أخوتك قلقون عليك، وكأننا نراك تمشين الى الموت بقدميك.. نحن لاحظنا كل الذي طرأ على حركتك ونشاطك، لذا نحن بصراحة خائفون عليك كثيراً، وها أنا أرجوك ياحبيبتي وأطلب منك أن تتفرغي لدروسك وتنسي هذا الشاب (حسام).. ولك أن تطلبي ما تشائين، سأشتري لك سيارة فارهه، بل أنا مستعد أن أرسلك لأي دولة ترغبين الدراسة فيها.. سأحقق كل ما تريدين، تمتعي بشبابك وربيع حياتك كأخواتك.. اتركي فقط هذا الطريق الذي أنت سائرة فيه، لانه لايعود عليك إلا بالموت والدمار وعلينا بالحزن الأبدي.

أطرقت ميسون الى الأرض بعد أن انبجست عيناها بقطرات من الدمع ساخنه.. فاضطر أبوها الى قطع الحديث ثم الانسحاب من غرفتها بصدر مترع بالهم والأسي.

الحب.. جمال الحياة

بعد أسابيع، وبينما كانت ميسون في بيت خالتها التي جلست معها قرب موقد يصارع برد أمسية شتائية ممطرة.. دار بينهما الحوار التالي :

- میسون ياابنتي.. لعل رأي والدك هو الأصوب، فهو يخاف عليك مثلما يخاف على حسام.. - ولم هذا الخوف ياخالة!

- تتدخلان في السياسة.. نحن نرى ما أنت فيه من لقاءات بنات محلتك ونسمع عن نشاطك في الكلية.. وعلاقات مع ؛ - خالتي العزيزة، لايعلم الغيب إلا الله، وأنا وحسام لم نفعل سوى ما يرتضيه ديننا..

- بنيتي، اهتمي بدراستك وتناسي هذا الولد، فأنت في مرحلة الشباب التي سرعان ما تتغير فيها الكثير من أحلامك وعلاقاتك، بل وستنسين هذا الشاب الذي ترينه الآن مناسباً لك!!

إبتسمت میسون بحياء وقالت:

- الحب الحقيقي ياخالتي كالشجرة المثمرة، جذورها متأصلة في قلوب المحبين وأغصانها تسبح في كون رب العالمين.. الحب هو الوسيلة التي تقربنا إلى الغاية العظمى، تقربنا الى معرفة الخالق جل وعلا والذوبان في عشقه..

مع الحب الذي يجمعني بحسام ياخالتي الطيبة هو هذا المنسجم مع مرضاة الله لاذاك السراب الذي يحسبه الضمان ماء.. لان الحب الذي يخرج عن قانون السماء ليس بحب أبدأ.. صدقيني ياخالتي، الحب نعمة إلهية لأنه يسبح في ملكوت السماء لاتلك العلاقة الأنانية التي تتمرغ في أوحال الشهوات. كانت الكلمات تنساب من شفاه ميسون لحناً روحياً يتناغم نشيد الكون.. وبينما هي مستغرقة في الحديث كانت خالتها تنصت بشغف وإعجاب:

- أنظري ياخالة.. كم هي الأسر التي تنهار يومياً؟! والسبب هو فقدان الضمانة التي تبقي السعادة مورقة مخضرة بالثمار، لان تلك البيوت والقلوب قد شيدت على أساس من الشهوة والرغبة.. لا على أساس من الحب الذي يجمل الحياة ويبنيها. تنهدت خالتها وتمتمت بكلمات تشيد برجاحة عقل ميسون وحقها في الحياة التي تريد.

طائر الشمس |حقيقية|Nơi câu chuyện tồn tại. Hãy khám phá bây giờ