العشرون

41 3 7
                                    

أجمل الحكايات

غير الحديث -أخي القارىء الكريم - عن ميسون يطول والكلام فيها يحلو سيما بعد أن اختتمت حياتها في أجمل الذكريات، أن الصور المتزاحمة المتدافعة من بعيد وعلى لسان صويحباتها السجينات قد شغلتني عن قلمي.. فها هي الذكريات قد احتشدت في خواطر الأخوات اللاتي تسابقن للحديث عن مشهد التوديع بعد أن فتحن دفاتر الماضي فاختصرن سيرتها وشرعن للتحدث عنها:

تقول السجينة المجاهدة الأخت (مريم الشروفي): «وصلت الشهيدة ميسون سجن (الرشاد) نهاية عام ١٩٨٤ ه م، وكان قد سبقها العديد من الشهيدات أمثال الحاجة رجيحة.. إستثمرت ميسون في السجن كل وقتها وما تبقى من عمرها - وهي في زهرة شبابها- في العبادة وقراءة القرآن والدعاء.

م وبعد الساعة التاسعة في صباح يوم بارد من بداية عام 1985 د صباحاً علمنا بوجـود تنفيذ للاعدام هذا اليوم.. ولكن يمـن؟! لا نعلم.. لا ندري مـن سينضم الى قافلة الشهداء، لأن هناك وفي الوقت ذاته أربع أو خمس فتيات في عمر الزهور ينتظرن أيامهن الأخيرة ليتأهبن للمسير على درب أبي الأحرار، كن يقفن بصلابة الرجال الأقوياء أمام طاغية زمانهـن معلنات رضاهـن بقضاء الله وقدره.

ثم دخلت الرقيبة (السجانة نورية) الى الصالة ونادت: أين میسون؟ فعلمنا أن الاعدام هو حصتها. لذا كنا إذا تم استدعاء أي واحدة من الأخوات المحكومات بالاعدام، نقول مثلا؛ انها في الحمام، لكي نكسب بعض الوقت لتعلم فيه الضحية لئلا تراها الرقيبة ومن ثم لتخلي لها سبيل الاغتسال والصلاة ركعتين وقراءة بعض سور القرآن والأدعية وارتداء الكفن المعد لها مسبقاً..

ثم يحين وقت التوديع، وياله من توديع.. والله لو تأتي كل كاميرات الدنيا لتصور ذلك المشهد لما أعطته حقه، مع يقيننا بأنه مصور ومحفوظ عند الباري جل وعلا..

لقد كانت الشهيدة الغالية كالفراشة الجميلة التي تتنقل بين الأزهار وهي تطير مغردة ومرددة أجمل التعابير وأعذبها بعزم ويقين ثابتين وبعقيدة راسخة لا تهزها أو تزعزعها العواصف البربرية، وهو نشيدها؛ (النور ملء عيوني.. والحور ملك يميني) كانت تعانق الأخوات للتوديع، تقرأ مقطعاً عند هذه ثم تعانق الأخرى وتقرأ المقطع الآخر وهي تكفكف -أثناء ذلك- دمـوع الأخوات بيديها، حتى انفجر الجميع بالبكاء وضحت جدران المكان وأخذت تئن لهول المصيبة..

وأقسم بأني رأيت تلك الرقيبة (السجانة التي كانت تكرهنا)(1) تبكي وتكفكف دموعها، حيث قالت لميسون وبحزن وألم؛ (إطلعي.. إطلعي) حينما حضر عند الباب ذلك الجلاد ذو الملابس السوداء والوجه الخشن والشاربين الكثيفين، والذي وضع لاحقاً الجامعة الحديدية في يديها الغضتين.

خرجت الشهيدة ميسون الى فناء السجن حيث كانت السجينات

(1) - إيمان أم سفيان.

طائر الشمس |حقيقية|حيث تعيش القصص. اكتشف الآن