البارت العاشر

26 7 0
                                    

(موقف) قاضم.. وصدر كاظم

إنتهى التحقيق بعد أسبوع من التعذيب، حيث انهارت الخلية وكشفت عن كل ما يتعلق بارتباطها ونشاطاتها وعملياتها الجهادية..

لذا أخذوا الأخوات (ميسون، أنعام، إيمان) ونزلوا بهن الى الطابق الاسفل للمديرية العامة - القبو- حيث (الموقف) النسوي الذي التهم أكثر من خمسين زينبية جاءوا بهـن مـن مختلف محافظات العراق بانتظار المحاكمة!

على هذا النحو أُغلق ملف التحقيق، بيد أن الزينبيات الثلاث مكثن في (الموقف) قرابة خمسة شهور عجاف، فالجلاد مازال يأمل الامساك بخيط جديد أو أسرار أخرى تتعلق بملف القضية!

قضت ميسون معظم أشهر (الموقف) بالصلاة والصوم والدعاء والتبتل الى الله.. لقد أظهرت صبراً واحتساباً يعجـز عـن وصفه البيان رغم ان (الموقف) كان عبارة عن طامـورة لايعـرف المرء فيها الليل من النهار، لاتـرى أشعة الشمس ولم يدخلها النسيم، وهذا وحده يحظم نفسية الابطال ويزرع اليأس والجزع في قلوب الرجال.. لكن ميسون -تلكالقارورة الصامدة- صبرت ولم تشتك أو تجزع أبداً.. كانت صـدراً كاظماً على الألم ونفساً سخية بالتحدي وشموخ الغاية، شرت نفسها لله بيقين راسخ هو عصارة هذا الفيض من الصفاء والسخاء فاستجاب لها ربها و أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بغضكم من بعض ().

(۱)- سورة آل عمران: 195.

تقول السجينة المظلومة الأخت (أم نجم)(۱):

وبينما كانت میسون «في إحدى ليالي الشهر العاشر من عام 1984 م معنا في (موقف) مديرية الأمن العامة ببغداد لم تُحاكم بعد، رأيت في المنام ميسون وهي في ملابس العرس قد تم زفافها الى زوجي الشهيد سهيل البطاط (أبو نجم).. إستيقظت وفي رأسي هاجس وقلق كبيرين على مصير هذه الشابة الصغيرة.. وعنـد الصباح رويت | ميسون تلك الرؤية، فقالت؛ وما تفسير هذه الرؤية؟ قلت: يعني ان المحكمة ستحكم عليك بالاعدام! ما أن سمعت ميسون هذه الكلمات حتى عانقتني مبتسمة قائلة: بشرك الله بالجنة ياأم نجم».

ذات يوم سمعت ميسون إحدى السجينات اللاتي سبقنها الى الموقف قد جزعت وكلت، جاءت اليها وهمست في أذنها برقة طفولية وابتسامة ملائكية: «أختاه، اصبـري وقولي الحمـد لله الذي شرفنا بمقارعة هؤلاء الظالمين..».

لذا تجدها دائماً تردد تلك العبارة الموجزة الكبيرة :

«تصفية العمل خير من العمل، وتخليص النية من الفساد

أشد على العاملين من طول الجهاد».. فهي طيلة أشهر الحجز بالموقف كانت بمثابة البلسم الشافي والمحطة الهانئة للأخوات السجينات اللاتي ينزلن من غرفة التعذيب في الشعبة الخامسة وقد امتلأت أرواحهـن

(۱)- سامية غانم الفرطوسي؛ زوجة الشهيد سهيل البطاط.. إعتقلت عام 1983 م، وفي عام ١٩٨٤ م اعتقلت وحكمت عليها محكمة الثورة بالسجن (7) سنوات قضت بعضها في سجن الرشاد ببغداد.. أطلق سراحها في عفو عام 1986 م.

وأجسادهن جراحاً وجراحا.. فصوتها الهادىء وأناشيدها العذبة كانت لحناً لحنايا قلوبهن المتعبة.. كن يجدن في أحاديثها حرارة وصدقاً عجيبين، فضلاً عن تلك البسمة التي تشرق أبدأ من ثغرها والبراءة التي تشع دوماً من روحها.

طائر الشمس |حقيقية|Where stories live. Discover now