الحلقـة الأخيــرة

Start from the beginning
                                    

وبسرعة النار في الهشيم إنتشرت الأخبار عن الممرات والأنفاق السرية ذات الأبواب الأرضية أسفل جبال المنطقة الشمالية وعلى عكس ما عهدنا فما إن عاد خالد بالفُقراء إلى المنطقة الوسطى بعد إنتهاء الحرب حتى وجدنا أهل زيكولا أنفسهُم يخلعون ثيابهم لِيستروا بها أجساد الفقراء العارية، ويقدمون لهم الطعام ويربتون على أجسادهم، ومنهم مَن قبل رؤوسَهم يعتذرون عما حدث لهم.

طُبِّق عهد الرسل القديم .. وأسقط خيانة سيدتي الطبيبة أسيل والغريب خالد ونادين وإياد وبالطبع خيانة ملِكنا الذي أمَر بإفاقه كافة خزائن الذكاء النائمة ووزع على كل فقير مِن فقراء إكتاراَ الناجين عشرين ألف وحدة ذَكاء.

كُلِّف أطباء زيكولا جميعهم بِمتابعه حالات الفُقراء الصحية تقودهم الطبيبة أسيل التي تنقلت بينهم وعادت إليها ابتسامتها التي عُرِفت بها دوما وهي تُداعب أطفالهم وبناتهم.

بالنسبة لِخالد وَمُنى فقد قرراَ مغادره زيكولا مع اليوم الرابع بعد إنتهاء الحرب، كانت لحظة لا تُنسى ربما سأظل أحكي عنها كثيراً مستقبلاً، احتضنَه سيدي وهو يشكره واحتضنته نادين وكانت الطبيبة أسيل تقف بجواري حين توقف أمامها لِلحظات، فابتسمت إليه وإحتضنته وسَمعتها تهمس إليه:

شكرا لأنك عدت مِن أجّلي.

وأكملت:

تمتلك زوجة طيبة لا تجعلها تحزن يوماً.

فابتسم ثمَ صافحني وصافحتنا مُنى جميعاً و ركِبا عربة فَخمه شقت طريقها إلى المنطقة الغربية ليعبروا نفقهما إلى سِرداب فوريك ورافقهم إياد بالعربة.

لم يُعرف حتى الآن لماذا رَفض المجلس الزيكولي هَدم نفق المنطقة الغربية بعد اكتشافه غير أن الملك تميم قد أمَر بِهدمه بعد عبور خالد وَمُنى وكذلك الأنفاق الكبرى والممرات أسفل المنطقة الشمالية بعد مشورة رجال مِن كبار زيكولا كانت تثق بآرائهم الطبيبة أسيل كما وعدهُم بإصلاح ما خَربته مجانيق أماريتا بسور بلادهم.

وكان اليوم الثاني عشر مِن إنتهاء الحرب حين إصطفت خيول وعربات على وشك التحرك تحمل أهل اكتاراَ بعدما فضلوا العودة إلى بلادهم عن البقاء في زيكولا، كانوا جميعهم يرتدون ثياباً جديدة أختلف ألوانها وصارت وجوهم متورِدة غير شاحبة بينهم السيدة الإكتارية تحتضن ولدها صبي يقارب عشر أعوام - كنا قد عرفنا إنها فقدت ولديها الآخرين - وكنت أقف بِجوار سيدتي على جانب الطريق بين الزحام حين لَوحت لنا بيدها تشكرنا وتقبل ولدها الذي لوح إلى الطبيبة بشده فسمعتها تقول شاردة:

تمنيت لو رأى السيد سيمور ذلك.

وتابعت وهي تنظر إلى باقي الأطفال الإكتاريين الضاحكين:

حلقات متصله من القدَر لو فُقِدَت حلقة واحدة لإختلفت مصائر شتى.

كانت مِن بين قافلتهم عربات محملة ببضائع ومؤن كثيرة بعدما أعلن الملك تميم أن زيكولا ستسدد كل عام حصة مِن المؤن والعتاد إلى اكتاراَ تعويضاً عما أذّنَبَته كما لبيّ طلبهُم الذين نقلوه إليه عبر السيدة الإكتارية وحملت العربات الوسطى أقفاصَاً خشبية كُبل بها حاكم زيكولا السابق ومجلسه الذين اعتقلوا ووجهت لهم تهمة قتل ما يفوق سبعين الف اكتاري ولم يعترض أهل زيكولا على ذلك وضحكنا حين وجدنا نادين تقترب مِن عربة كبير القُضاة وتمد يدها وتصفعه بقوة قبل أن تتحرك العربات في طريقها إلى المنطقة الشرقية لتعبُر باب زيكولا.

أوفى الملك تميم بوعده بأنه جاء إلى هذا البلد لإسقاط خيانة الطبيبة فحسب، ولم يبقى بزيكولا أكثر مِن شهر لم يتدخل خلاله من قريب أو مِن بعيد بقوانين زيكولا وترَك لِأهلها حرية إختيار حاكم زيكولي جديد كما اعتادوا دوما كل خمسة سنوات، وعاد مع الجيش الأماريتي إلى سفنه وأُغلق باب زيكولا مِن بعدهم.

اُلغيت اتفاقية البشر مقابل الديون بإكتشاف مقبرة الفقراء أو ما سميت بعد ذلك بالأرض المحرمة، وقاد الجيش الأماريتي بقيادة القائد جرير حروباً ضد البلاد التي أرادت تطبيقها..

بعد أيام مِن رحيل الملك وإغلاق باب زيكولا اتخذت طريقي إلى المنطقة الغربية مع إياد الذي أقنعني بالبقاء للعيش في زيكولا أستطيع أن أقول الآن زوجي إياد..

وأخيراً لم تعُد الطبيبه أسيل إلى أماريتا وإحتلت مكانتُها مرة أخرى كطبيبة زيكولا الأولى، ورحب الملك تميم بِرغبتها غير أن الأسطول الأماريتي قد تَرك سفينة ملَكية واحدة يتناوب عليها أطقم البحارة، إنتشرت الأقاويل أنَ تلك السفينة ستظل راسية مكانها أبدا الدهر حتى تُقرر الطبيبة يوما أن تعبُر هضاب الريكاتا مجدداً.

بعد عام ونصف

في بلدة البهو فريك كان الهدوء يسود الليل قبيل الفجر وكان الجو حاراً خانقاً حين دوت صرخات رضيع أيقظت مُنى التي أسرعت إلى سريره الصغير وحملته إلى صدرها ثم سارت به نحو الشُرفة فتوقف عن بُكائه وكادت تعود به إلى سريره قبل أن تلمح نجماً بالسماء يلمع بعيداً في عزلة عن باقي النجوم فحدقت به واطالت نَظرها إليه ونَطقت غير مصدقة:

أسيل

ثمَ إلّتفتت إلى سريرها كان خالد يَنام على جانبه واضعا رأسه بين وسادتين لم تكن تعلم أنهُ قد فتح عينيه حين شعُر قلبه بقلق مفاجئ..

في الوقت ذاته كان شراع السفينة الراسية قرب شاطئ بحر مينجا قد انتفخ وأسقطت مجاديفها الطويلة إلى الماء لتبدأ ابحارها في اتجاه الجنوب....

النهايـــــــــة

امـاريـتـا - مڪتملة √Where stories live. Discover now