محاكمة عاجلة - الحلقة الواحدة والأربعون

Start from the beginning
                                    

ثمَ تابَع:

وستكون أول مَن يذبح بتاريخ زيكولا .. بيومٍ غير عيدنا .. بموافقة مِن المجلس الزيكولي.

ونظر إلى الرجال الجالِسين .. وسألهم:

أليسَ كذلك؟

فأوّمَأُوا إليه بالموافقة .. فقال:

لقد أقر المجلس ذبحك .. بعد غد .. في حال إقرار خيانَتك..

ثمَ أشار إلى الحارس كي يعيدهُ إلى غرفة حبسِه .. قبل أن يوقَفَه مجددا ويقول:

أتعلَم .. إنك أغبى مَن قابَلّت مِن الملوك .. لَطالَما حفر الغَبي قبرهُ بنفسه

فقال الأماريتي:

نعم ايها الحاكم لديك كل الحق فيما قلّته

كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل .. ولم يزل خالد يكمل سَيرهُ نحو وادي بيجاناَ، وإن أصابهُ تعب توقف لِدقائق قليلة .. قبل أن يواصل طريقهُ مجدداً، يعلم أنهُ لا يمتلك وقتاً لإضاعته كانت النجوم تُضيء أحيانا الطريق مِن فوقه .. إضاءةً خافتة فَيَمّتطي حصانه ليقطع مسافة طويلة، ويسود الظلام الحالك أحياناً أخرى .. تمُر معها الغيوم لِتحجب نورها فيترجَل ويسحَب حصانه خشيةَ أن يتعثر.

كان اتساع الوادي يضيق كلما تقدم في طريقه، صارت التِلال على الجانبين جبالاً عمودية شاهقة، وأصبحت الأرض غير مستوية .. تهبط وتصعد بإنحدار شديد تتناثَر بها صخور كبيرة فَخفف مِن سرعة جواده ومر وقت قليل، ثمَ هب فجأة نسيم منعش يحمل رائحة يود البحر .. فأدرك أنهُ اقترب مِن ساحل مينجا و ملأ صدره بالهواء، وما إن زادت إنارة الطريق قليلاً مع النجوم .. حتى إرتقى حِصانه وَرَكَض به في الوادي الضيق .. و عبره إلى سهل واسع مِن الرمال .. وواصل رَكضهُ يلفح وجهه هواء بارد لم يتوقف منذ تجاوزه الوادي الصخري، قبل أن يجد نفسهُ أمام شاطئٍ رطب بَلَلت المياه رمالَه، فَنظَر مِن حوله على امتداد البصر .. فلَم يجد سوى الظلام فحسب.

كان الفجر على وشك البزوغ .. وزادت برودةُ الجو .. لمّا هبط عن حِصانه وعَزَم على الانتظار ووقف أمام البحر ينظر إلى الفراغ المظلم أمامه .. وتدور برأسه أفكار ووجوه شتى ثمَ رَقد على ظهره ممسكاً لجام حِصانه، نظر إلى السماء قبل أن ينهض فجأة ووقف موجهاً ظهره إلى البحر، وهمس في نفسه:

البحر في اتجاه الجنوب

ثمَ نظر أمامه وقال:

الجبال في اتجاه الشمال

ونظر الي يمينه:

اتجاه الشرق بيجاناَ

ونظر إلى يَساره:

اتجاه الغرب زيكولا

وكررها:
جنوب ... شمال ... شرق ... غرب

ثمَ إمتطا حِصانه وَركض به موازياً للساحل في اتجاه الغرب، يهمِس إلى نفسه آملا بِألا يجد جيش أماريتا قد ابتعد كثيراً عن ساحل مينجا.

في تلك الوقت .. كان السكون يسود أرجاء زيكولا .. عدا المنطقة الشرّقية التي لم تهدأ مِن حركة الجنود والفُرسان بها، والمنطقة الشمالية التي اعتادت أن يكون ليلها نهاراً ونهارها ليلاً .. دون أن يعبأ سكانها بهذهِ الحرب التي قد تعصف بِبلادهم أو يضعوا لها أي بال، وأمام حانة على أطرافها قَبعت العربة الخشبية الصغيرة التي حملت إياد ورفقته .. يرقد بجوارها بغلها النحيل وفي صندوقها الضيق تَكوَم صاحبها العجوز أسفل غطائه الصوفي نائماً في انتظار الصباح ليعود إلى منطقة أخرى بعيدة عن هذهِ المنطقة داخل الحانة .. تزاحَم الكثيرون مِن السَكارى الذين علت أصواتهُم .. يضربون بأكواب خمّرهِم طاولاتهِم .. مع غناء بعضهم ورقص آخرين .. يتخلل صخبهم ضحكات فتيات الليل المُجلّجَلة .. واللاتي الّتَفَفن حول الطاولات بين الرجال وبين وقت وآخر تُرافق إحداهن أحدهم إلى الطابق العلوي لتزداد الضحكات والصرخات بالغرف جميعها .. عدا غرفة واحدة صامتة جلست بها أسيل وَمُنى وقمر، لا يستطيع النوم أن يقترب مِن أي منهن، وَتدُقّ قلوبهن خوفاً وترتعد أجسادهن كلما سمعن صرخات إحدى الفتيات وتنظر أعينهن نحو باب الغرفة الذي أوصاهم إياد بإحكام إغلاقه، إياد الذي جلس بِأحد أركان الحانة على طاولة يضع رأسه على كفه وتغفُل عيناه بين حين وآخر، وإن اقتربت مِنه إحدى الفتيات تطلب وحداته مقابل مرافقتها بِإحدى الغرف .. هز رأسه رافضاً .. كاد يغلبه النوم مع بزوغ الفجر لولا ذلك الفارس الذي دَلَف إلى الحانة لتهدأ الأصوات وتتوقف الفتيات عن ضحكاتهن .. ليحملقن به ثم قال:

ستُجرى محاكمة عاجلة لِملك أماريتا أمام أهل المدينة بساحة المنطقة الوسطى .. ظهيرة غد .. يوصي الحاكم بحضور الجميع..

ثمَ غادر، فعاد الضجيج مِن جديد وكأنهم لم يَدروا بما قاله، فنهض إياد متخطياً طاولاتهم وأسرع إلى الخارج وراء الفارس .. فوجده قد إمّتَطى جواده وابتعد إلى داخل المنطقة الشمالية ووجد بجواره العجوز نائماً اسفل غطائه فَهزه وأيقظه .. فَنظَر إليه العجوز ساخطاً نعساً .. فقال إياد:

لا تُغادر وحيداً سنعود معك غداً إلى المنطقة الوسطى فقال الرجل:

خمسون وحدة أخرى وطعام لليوم

فهَز إياد رأسه موافقاً .. ثمَ دَلف إلى داخل الحانة.....

امـاريـتـا - مڪتملة √Where stories live. Discover now