الحلقة الثالثة والثلاثون

Start from the beginning
                                    

ونظرتُ إلى أسيل .. ثمَ تابعت:

أخبرَني جدي .. أنَ هذا البلد قدر عائلتي، لقد كان محقاً، لقد مات يامن بسببي .. عليَّ أن اعلم لماذا قُتل، بعدها سَأبحث عن مَخرج للعودة إلى بلدي مرة أخرى، عذرا سيدي سأبقى.

فقال لي:

إنك مدان بالخيانة .. لن تستطيع العيش هنا .. لن تكسب وحدات ذكاء لتعيش بها.

فَنَطقت منى بلهجتنا فجأة مقاطعة حديثه:

عشان كده أنا جيت معاه .. نقدر ناكل ونشرب من وحداتي.

فنَظرت إليها .. فَابتسمت وغَمزت لي بعينها تطمأنني، فأومأ الأماريتي برأسه متعجباً .. لكننا صُعِقنا جميعاً حين قالت أسيل:

وأنا أيضا لن أرحل سيدي .. لن أهرَب مِن زيكولا مجدداً .. أعلم إنك فعلت الكثير مِن أجّلي .. لكن كما قال خالد هي قَدَرنا.

ثمَ أكملت إليه: .. أعرف هذا القاضي لم أحبه يوماً .. ولَطالما كرهني .. لن يترُكَني وشأني .. إن علِم بِنجاتي .. عليَ أن أفهم .. لماذا يحدث لنا كل هذا.

فسألها: وكيف تعيشين؟

فَفوجئنا بقمر تقول:

إنني أُدين بِالكثير للطبيبة .. لَطالما إعتدَت أكل الخبز في بيجاناَ .. وسيكون شرفً لي أن تُقاسِمَني سيدتي خُبْزْي..

فَهز الأماريتي رأسه وقال هادئاً:

سَيمّسِكون بكم .. وستموتون جميعاً.

فسكتنا وسكت هو الآخر .. ومرت ساعة أخرى كانت الشمس قد اقتربت حينها مِن المَغيب فقال:

لم يَعد لي حاجةٍ لِلبقاء في زيكولا..

ثمَ وجدناه يودعنا قائلاً:

سأرحل إلى صحراء زيكولا .. في إنتظار أن يعود جيشها إلى سورها بعد إنتهاء الحرب..

ثمَ نظر إلى قمر:

أعتني جيدا بسيدتك .. إنكِ حرة مثل باقي فقراء بلدك.

فسألَته أسيل متعجبة:

هل فعلّتَها؟

قال:

نعم .. لقد تركت مرسوما قبل رحيلنا بِإلغاء كافة قوانين إتفاقيه البشر مقابل الديون .. وترك الحرية لهم أن يغادروا إن شاؤوا..

ثمَ ابتسم وقال بصوت هادئ:

كانت مفاجأتي لكِ حين نعود إلى أماريتا.

فنهضت أسيل بصعوبة واحتضنته .. وهمست إليه بكلمات لم أسمعها .. بعدها أحتضنني وودعني وهمس إليّ:

إنها لا تزال تحبك.

فَابتسمت اليه .. ثمَ غادر البيت، أعَد عرَبته سريعاً وانطلق بها في طريقه مغادِراً زيكولا مع غروب الشمس .. ساد الصمت بيننا بعد رحيله، كنا نجلس بِردهة البيت السفلية مجتمعين دون أن ينطق أحدُنا بكلمة واحدة، و اشتعل ضجيج عقلي يحاول أن يربط الأحداث المتتالية .. هذا القانون الذي خرج فجأة معلنا خيانة أسيل وخيانَتي .. هدفه الأساسي كان قتّلَنا ذلك اليوم .. لولا إنَ لعنته لم تَعبُر سرداب فوريك فَنَجَوتُ، ولم يتوقعوا أن تكون أسيل قد أصابت قلب مَلك بلد كبير مثل أماريتا فساعدها بكل ما يملك حتى نجت .. ومقتل يامن رغم حَمله وشّم الجند .. هي خِيانة في حد ذاتها .. قام بها حارس مَن أصدر قانون الخيانة لِموتِنا .. وهذهِ السيدة التي أرسلها القدَر لنا لتُحدثِنا عن اتفاق عقدته زيكولا دون أن يعلم أهلُها .. كان قاتل يامن مَن يقود عربات الفقراء إلى زيكولا.

وعاد إلى رأسي الهيكلان العَظميان الحديثان في سرداب فوريك .. دون أن أعلم إن كان لهما صلة بما يحدث لنا أَم لا، ثمَ قطعت تفكيري قمر حين هبطت إلينا مِن الأعلى تحمل جراب الأماريتي القُماشي .. وقالت وهي تفتحه:

لقد نسي سيدي سِهامه المضيئة وقَوْسها المُطلِق.

فقال إياد:

اتركيها لابد أنهُ سيعود في الحال مِن أجلها.

لكني مَددّت يدي إلى ورقة مُصفرة كانت بين السِهام، رُسِم بها مخططا من خطوط رفيعة مُتعرِجَة .. كُتِب عليها بعض الكلمات بينهما وادي بيجاناَ أسفل دائرة صغيرة مظللة فقلت هادئاً:

لن يعود .. إنهُ لم ينساها .. لقد ترَكها قاصداً.

وأكملت بعدما نَظَروا إليّ:

لقد ترَك لنا خيار الإنتقام مِن زيكولا.....

امـاريـتـا - مڪتملة √Where stories live. Discover now