رحلة جديدة - الحلقة السابعة والعشرون

12.4K 851 11
                                    

كان إصرار منى على مُرافقتي قوياً، فَهَزَزت رأسي إليها موافقاً، ما كان يُهمني حقاً هو إنقاذ أسيل وما أراحَني هي كلمات جدي إليَّ حين نظرت إليه بعد موافقتي إصطحاب منى .. وبادرني قائلاً:

- متقلقش عليا ربنا مبينساش حد..

ودلفت منى إلى حُجرتها مُسرعة، ثمَ عادت بكتابي القديم .. وأشارت إلى جملة عابرة بين السطور تحدثت عن إسقاط خيانة رجالٍ مِن زيكولا كان هدفهم نبيلاً .. كنت قد قرأت تلك الجُملة مِن قبل لكن الكتاب لم يذكر إن كانت تلك الخيانات التي قصدها تشمل الاقتراب من سور زيكولا ام لا.

وإستَيقَظَت نادين مع حلول الليل .. وجلست مع منى تحدِثها عن نساء زيكولا وطِباعهم .. وأختارت معها فُستانا يقارب فساتين نساء عالمُها .. ووشاحاً مُطرزا .. قالت أنهُ يشبه وشاح النساء الغريبات عن زيكولا .. ممن أَردَن تغطية رؤسِهن أما انا فاتجهت إلى خِزانة ملابسي حيثُ أحتفظت بملابسي الزيكولية قميصاً وبنطالاً مهترآن .. كنت قد عدت بهما إلى بلّدتي قبل سبعة شهور وكانت الساعة الثالثة صباحاً حين غادرنا إلى البيت المهجور على أطراف بلّدتي وعَبرنا سوره أنا ونادين بسهولة واحتاجت منى إلى مساعدتي .. ودَلَفّنا إلى داخله نحمل مصباحين .. كانت إضاءتهما قوية ثمَ هبطناَ عبر الباب الحديدي إلى النفق المظلم وعبرنا الواحة الخشبية إلى سُلم السرداب فالتقطنا أنفاسِنا .. وأغلقنا مصابيحنا .. وأسرعنا نهبِط درجة .. وإبتسمت حين نظرت إلى وجه منى الذي ارتسمت عليه الدهشة .. وأخرجت هاتفها لتلتقط صوراً للسرداب .. فمنعتها عن ذلك، ثمَ تَبدلت دهشتها خوفاً .. وأمسكت بساعدي حين رأت هيكلاً عظمياً راقداً على أرضية السرداب فطَمأَنتُها وأكملّنا طريقنا واقتربّنا مِن الوجه المنقوش على جدار السرداب لِلسيد فوريك .. فتوقفت وأشرت عليهما بأن يتوقفاَ .. وحدثت منى بأن تركض في طريقها دون أن تلتفت خلفها مهما حدث .. قبل أن يجذب إنتباهي هيكَلَين عظمِيَين يفصلهما أمتار .. كانا على مرأى بصَرنا بالجانب الآخر مِن السرداب وكانت عظامهُما تُكسَى ببقايا من اللحم على غير باقي الهياكل العَظمية المتناثرة بالسرداب ولم أتذكر إنني رأيتهما مرَتي السابقة فنظرت إلى نادين وسألّتها .. إن كانت قد رأتهما أثناء رِحلتها فقالت؛ نعم مثلهما مثل باقي العظام فقلت في نفسي؛ ربما.

عبرّنا الوجه المنقوش فاهتزت الأرض مِن أسفلنا، فَنظرت إلى أحد الهيكلّين الغريبين سريعاً .. وَجَثَوّت على رُكبتَي وشممت رائحته فلم أجدها نَتِنه .. ثمَ أشتدت هزة الأرض .. ونظَرت خلفي لآرى الإنهيار قد بدأ فصحت إلى نادين ومُنى بأن تركُضا .. وركضّنا والإنهيار يسرع مِن خلفِنا .. تُمّسِك يدي ويد منى بِمصابيحنا .. ودَلَفّنا إلى الطريق الشرقي .. حين إنقَسَمّ السرداب إلى طريقين .. ثمَ اتجهت الأرض مِن أسفلنا إلى الأعلى .. فظهر نور الصباح أمام عيني يتسلل عبر مَخرَج السرداب .. فأسرعت وقَفزت خارجه وتبعتني نادين ثمَ تبعتها منى بعد لحظات .. كانت أنفاسي قد احتبست بها .. ثمَ إنّهار المَخرج وإنهالت رماله لِتُغلِقه بعد خروجِها .. و رقدت تلهث وتسعُل لِدَقائق .. ووجدّت المصباحَين قد توقفاَ عن الإضاءة مثلهما مثل هاتِفَيّنا .. فَنظَرت حولي إلى رمال زيكولا وإلى شمسِها التي أشرقت للتو .. وملأت صدري بِالهواء .. وقلت بلهجَتْي الزيكولية:

مرحبا مجدداً أرض الذكاء.

سرنا في طريقنا إلى الطريق الرملي المُمهد إلى زيكولا بحثاً عن عربة الأماريتي التي حدثتني عنها نادين، وأبصرت عيني بعيداً عَربتين كانتا في طريقهما إلى زيكولا .. واصَلنا سيّرُنا قبل أن تَصيح نادين فجأةً:

الرسول الأماريتي..

وأشارت إلى عربة خشبية ذات جواد واحد كانت تقف على مَقربة مِن الطريق .. ويقف بجوارها شاب لا أعرفه .. فأسرعت نحوه وأسرعنا خلفها .. واقتربنا مِنه فقالت له:

لقد أوفيت بوعدي .. ها هو خالد فَنَظَر إلي وكانت عيناه تتفحُصُني وتتفَحص ملابسي المُتربة وقال بصوت قوي:

كنت أثِق أنك ستعود .. أشكرك حقاً..

ومد يده ليصافحني فمددْت يدي وصافحته .. ونظر إلى منى مندهِشاً تكاد تعبيرات وجهه تنطق لِتسأل عنها .. فقالت نادين:

إنها زوجته .. لقد تزوجا منذ أشهر..

فأبتسم الشاب .. ورحب بِمُنى .. وكان لا يزال يمسك بيدي بقوة وقال:

سأقودكم إلى داخل زيكولا .. السيدتان ستركبان بِصْومعة العربة .. وأنت ستتشبث بِأسفلها.

وأشار إلى إطار خشبي يقترب مِن الأرض .. كان يحيط بِجَوانِب العربة السفلية عدا عَجلاتها وتابع:

كانت العربة مُجهزة لِدخول الطبيبة إلى زيكولا بهذهِ الطريقة .. لولا جاءت فكرة صناديق الذهب..

فأومأت إليه برأسي موافقاً .. وركِبت نادين وَمُنى بِالصومعة .. وإنحنيت لأرى أسفل العربة .. ثم إنزلقت أسفل إطارها الخشبي وتَشبثَت بِقائمَين خشبيَين وعلقت قدمي بحلقتين حديديتَين ثابتتين .. ثمَ زحف الأماريتي مِن خلفي ومرر وشاحَين جلديَين عريضين .. أحدهما أسفل جذعي والآخر أسفل ساقي .. وثّبَتهما بإحكام .. ثمَ وَدَعني قائلاً:

سأسير بِبطء.

وزحف خارجاً .. وتحركت بنا العربة في طريقها إلى أرض زيكولا....

امـاريـتـا - مڪتملة √حيث تعيش القصص. اكتشف الآن