الأماريتي ـ الحلقة الحادية عشر

Start from the beginning
                                    

اسمي قمر، رقمي سبعة عشر، بين فتيات القصر الجدد هكذا حدَثت من جاءنا لِيدَوِن أسماءنا يومنا الأول بالقصر قبل شهور مِن اليوم، وكان بجانبهِ آخر أقترب مني بِشريطِهِ المُدرج وسجل قياسات جسمي طولاً وعرضاً، وخلفهما وقفت إمرأة أربعينية حسب تقديري، رقيقة الملامح صارمة في الوقت ذاته كانت تتفحصُنا جميعاً بنظراتها مع قول كل منا لِاسمها لو لم أقابل الطبيبة أسيل لَقُلت إن تلك المرأة أجمل مَن رأيت..

أتذكر حين إنتهى الرجلان مِن تدوين أسماءنا ومقاساتنا وإلِتَفَتا إليها فتحدثت إلينا بوقار بالغ بأنها السيدة نجود قائدة وصيفات القصر أي قائدتنا ومنذ تلك اللحظة وباتت جميع شؤوننا مسؤوليتها وإكتفت بكلماتها تلك قبل أن تخبرنا بأنها ستُكمل حديثها إلينا لاحِقا بعدما نستحم ونخلد للنوم بعد عناء رحلتنا الشاقة عبر بحر مينجا وأمرت إمرأة أخرى أن تصحبُنا إلى الباب الخلفي لِلرُدهة التي تواجدنا بها..

***

مرت أيامنا بالقصر سريعة وبسرعتها تحولت وجوهنا مِن وجوه باهتة هزيلة إلى وجوه حمراء متورِدة وصارت أجسادنا الواهنة كُتلة مِن النشاط لا تكل ولا تمِل نتحرك هنا وهناك بِثقة تامة كان الفضل كاملا للسيِدة نجود التي راقبت عيناها كل فتاة مِنا على حِدة وتولت تعليمنا كل شيء كي نُصبح نساء الدرجة الأولى كما أرادْتْنا أن نكون وإن فقدت أمَلها بإحدانى إستبعدتها إلى قصر آخر أو إلى المدينة حتى تقلُص عددنا إلى ثلث ما اختاره رجال القصر يومنا الأول.

أما أنا فَوجَدَت هذا القصر فرصة لن أتركها ما دمت حية وراقبت السيدة نجود في حركاتها نَهاراً حتى إن نام الجميع ليلاً نهضت وأعدت تلك الحركات مع نفسي مِراراً وتكرارا حتى  أتقنها قبل أن ينهَضن وبَذلت كل جهدي كي أُرضيها وتعلَمت منها كثيراً وكثيراً كان أهمه أَلا يشعر السادة بِوجودي ولا يشعرون بغيابي في الوقت ذاته وبعد أيام أدركت أنني فتاتها المفضلة بين فتيات القصر المتبقيات لم تقُل شيئاً ولكن بدا على وجهها رضاها عني ودق قلبي بقوة حين أخبرتني إنني سأكون معها بالقرب مِن الملك وأتبعت كلماتها بإنني أفضل الفتيات قراءة لِلُغة العربية.

***

كانت المرة الأولى التي أرى بها الملك تميم عن قرب بعد شهر كامل مِن وجودي بالقصر .. شاب قوي وسيم تجاوز الثلاثين قبل أشهر قليلة إبتسم إلَي لما وجدني أرتجف للمرة الأولى حين أقتربت منه .. فَطمأَنَتني إبتسامته دون أن ينطق ..

علمت خلال أيامي بالقصر إنهُ تولى حكم هذا البلد في عامه الثامن عشر ..ومعه أصبحت أماريتا أرضاً أخرى عما كانت عليه فسماه شعبه الأماريتي أكثر منه ملِكاً .. الجميع هنا يحبه بجنون ويثقون به ويفخرون به كَمَلِك لهذا البلد الغني يتحدث كثيراً إلى شعبه بساحات قصره ويخرج أحياناً كثيرة إلى المدينة ومناطقها مع حراسه أو بدونهم أخبرتني عاملة أخرى بالقصر إنه لا يخشى الموت قط وبإستطاعته أن يهزم جيشاً كاملاً بضربة سيف واحدة قبل أن تحكي لي إحدى مغامراته بِصحراء ألشميل لا وقت لذكرها الآن.

لم أتخيل يوما أن يهتم الملوك بِشؤون بُلدانهم لهذا الحد كان لا ينام كثيراً يقضي أوقاتاً طويلاً بمكتبة قصره يقرأ بكتب التاريخ والأدب التي كُتبت بأماريتا أو جاءت مِن بلدان أخرى وكنت أقف بجواره صامتة بين خدمة الآخرين إن إحتاج شيئاً ..

كانت غرفة المكتبة أكبر غرف القصر صممت بعناية فائقة وتراصت أرففها ملاصقة لجدرانها كَجناحي طير صُفت عليها كتب كثيرة ولُفافات مخطوطة تفاوتَت أحجامها يتوسط الغرفة كرسي ضخم مُذهب أعلاه سراج لا ينقطع نوره الأبيض أبدا وأمامه جدار قُسم إلى مجسَمين الشرقي كان لهذا العالم ببُلدانه التي يقسمها بحر مينجا الواسع إلى أماريتا جنوباً وبيجاناَ وَزيكولا وبلاد أخرى لا أذكرها شمالا .. والغربي لأماريتا ومناطقها الخمس؛ أماريتا .. وبؤماَ .. والشميل .. وبيساناَ .. ومساقيا لُونت كل منطقة بلَون مختلف وكُتَب عليها اسمها بالعربية بِماء الذهب ..

كان يقرأ كثيرا ثمَ ينهض ليقف أمام ذلك الجدار ويُحملق به لدقائق ثمَ يعود ليقرأ مجدداً حتى ينتهي فينتقل إلى غرفة أخرى لِيجتمع بمستشاريه الذين يسمون بِالمجلس الأماريتي .. كان عددهم أحد عشر رجلاً بينهم القائد العسكري الشاب السيد جرير .. الذي عَبَر بنا بحر مينجا يوم مجيئنا مِن بيجاناَ ..

وَولت أيامٌ أخرى كثيرة كانت جميعها لا تحمل جديداً قبل أن تنقلب الأمور فجأة رأساً على عقب حين جاء ذلك المساء وظهرت بالقصر سيدة أماريتا الأولى رفيقة رحلتي الطبيبة أسيل.......

امـاريـتـا - مڪتملة √Where stories live. Discover now