الجزء الثامن عشر

2.6K 331 62
                                    

لم تصدق درة ما سمعته فلم تسأل عن مدى صحته حتى لا يغير جاسم كلامه ، فابتسمت خجلاً وقالت له :- اللي تشوفه ديه هديتك ليا، أقل حاجة هتكون مفرحاني ..
ابتسم جاسم رغم الألم بداخله فهو سيخطو خطوة هو مجبر عليها ، لأول مرة يُجبر جاسم حمدان على شيء خصوصًا إن كان سيلازمه طوال حياته ..
كانت طيف تجلس في غرفتها وما حدث بالأمس مازال يدور في ذهنها ، ناهيك عن أنها لأول مرة تتعرض للضرب خاصةً من رجل مريض ! لكن ما يشغل بالها هو أهم بكثير ، فجاسم ونجيب عندما رآوه لأول مرة شخصوه على أنه مريض MDD ، لا أنكر أنه كانت هناك أعراض واضحة تدل على ذلك لكنني حينها أخذني الكبر ورفضت أن أنساق وراء تشخيصهم وبالأخص تشخيص د. جاسم لكن بعدما حدث فتأكدت أنهم كانا على حق ..
فتحت اللاب توب الخاص بي وقررت أن أبحث أكثر عن ذلك المرض وعن أسبابه ومدى خطورته على المريض وعلى المحيطين به وكيفية علاجه بطريقة صحيحة ..
كتبت في مستطيل البحث مرض الـ MDD فظهرت لي العديد من النتائج اختارت أولهم ..
بعد قضاء أربع ساعات كاملين في البحث والتقصي، خرجت بنتيجة مرضية وهي أن :- مرض الاضطراب الاكتئابي الحاد أو الاكتئاب بصفة عامة والمعروف باسم
Major depressive disorder
واختصاره MDD
وهو الأكثر شيوعًا بين الأمراض النفسية والتي ربما أنت تعاني منه ولا تشعر ..
من أشهر أعراضه هو سوء الحالة النفسية والأرق والشعور بالقلق أو الذنب تجاه شيء في الماضي ، أيضًا من أعراضه فقدان الوزن بصورة واضحة في فترة قصيرة ، يفقد صاحبه اللذة التي كان يشعر بها حيال الأشياء التي يحبها ..
الصمت والجلوس وحيدًا لفترة طويلة ، تجنب الأشخاص والمحيطين ..
تعد أيضًا الشكاوي الجسدية دون سبب طبي واضح من أشهر أعراض مرض الاكتئاب ومن أخطر أعراضه هي رغبة المريض في إنهاء حياته وتفكيره الدائم في الموت والانتحار ..
وهذا بالضبط ما حدث مع سليم ، لقد كان يتحدث مع دكتور جاسم وفجأة وجدناه أعلى سور الكافتيريا ويريد الانتحار حتى جئت أنا ونال وجهي نصيبه من الصفعة ..
هناك أشياء عديدة تسبب الاكتئاب منها :- فقدان أو موت شخص عزيز أو التعرض لصدمة عاطفية أو أي صدمة عمومًا أو المشكلات الصحية خصوصًا عند البنات وأيضًا الشعور بالوحدة ناهيك عن التدخين ..
أعتقد أن سليم مر بالسبب الثاني وهو صدمة عاطفية لأنه لابد أنه عندما رآني تذكر حبيبته التي تركته فصفعني بدلاً منها ..
لأول مرة اعترف أن د. نجيب الألفي لم يخطيء عندما أختار د. جاسم ليعالج هذه الحالة ، لكن هذا الاعتراف لن ينسيني قسمي بأن أرد اعتباري الذي سلبه مني ذلك المتعجرف المتفوق في عمله ..
في جانب أخر كان يتسامر جاسم مع نجيب ويخبره أنه سيتقدم لخطبة درة في غصون أيام ..
= د . نجيب :- جاسم أنت ممكن تعتذر والموضوع ينتهي وخلاص
-  د. جاسم :- أعتذر عن إيه بالظبط ؟ عن أني قولت أنها خطيبتي ! خلاص كده الموضوع هيخلص بالنسبالك !
= أمال تروح تخطب واحدة مبتحبهاش
- درة بتحبني يا نجيب
= مبتحبهاش
- بس هي بتحبني وهي الوحيدة اللي هتستحملني وتستحمل طبعي ، أنا شايف أنها بتعرف تتعامل معايا بأنسب طريقة
= طب وطيف ؟
- مالها ؟
= هو أنت مكنتش بتحبها يا جاسم ؟
- لا
= أمال اللي كـان..
قطع جاسم كلام نجيب قائلاً :-
- مقدرش حتى أقولك كان اعجاب لأنه كان زمانه اتحول لحب ، هو يمكن كانت مغامرة ، حياتي روتينية أنت عارف، لقيت واحدة عنيدة بتتحداني فقولت مفيش مانع نغير الروتين شوية ..
= كداب ياجاسم ، اللي يخطب بنت غصب عنه عشان قال كلمة مش هيفكر كده في طيف ، أنت بتقول كده عشان تريح ضميرك
- جايز ، بس على الأقل خليني أقوله وأصدقه
= راجع نفسك تاني ياجاسم ، الموضوع ممكن ينتهي بشكل أبسط من ده
- ها بقى قولتلي هتلبس إيه في خطوبة صاحب عمرك ؟
= هو أنت هتطلبها من مين يا جاسم ؟ مش والدها مسألش عنها من ساعة ما جت ، مجرد بيبعت فلوس وخلاص !
نظر جاسم لنجيب وكأنه لفت نظره لشيء  لم يكن في حسبانه فأكمل نجيب حديثه :-
= إيه مفكرتش فيها صح ؟ مش بقولك أنت مجبر ياجاسم ومش عارف بتعمل إيه ، اتفضل قولي هتطلب إيديها من مين ؟
- من والدها ، هوصله من خلالها وهو هيوافق ..
ترك جاسم د. نجيب وهو يشعر بالذنب تجاه نفسه لكنه لن يغير ما تربى عليه حتى لو كان القرار مصيريًا فأتجه إلى غرفة حازم ليطمئن عليه ..
وجده عاد لحالته القديمة حيث تجاهله جاسم الفترة الأخيرة وكان معتمدًا على الأدوية فقط فكان يجلس بجوار إحدى الجدران يتحدث مع اللاشيء وهو يبكي وما إن رأي د. جاسم حتى صرخ بهستيريا وظل يطرق على الجدار ويقول لجاسم :-
= أخرجني ، أخرجني أريد أن أراه ، أخرجني
اقترب منه جاسم وربت على كتفه حتى يهدأ قائلاً :
- سأفعل لك ما تريده ، فقد أهدأ
نظر حازم إليه قائلاً :- كل ما أريد
- نعم ولكن إن هدأت
فنظر حازم للأسفل في قلة حيلة ومسح دموعه ثم رفع رأسه ثانيةً قائلاً :-
= أريد أن أخرج من هنا
- عندما تصير بخير
= قلت لي أنني أتعافى بشكل ملحوظ في أخر مرة
- لكنك اليوم لم تكن
= أرجوك كن رحيمًا ، أريد أن أفعل ما قلته أخرج لأنجب غيره من زوجتي
- أقسم لكَ سأفعل ذلك عندما تتحسن
= كيف أثبت لكَ أنني تحسنت ؟
- ألا تفعل ما كنت تفعله منذ قليل
= أعدك أن أحاول
- ماذا قالت لكَ طيف في المرة السابقة ؟
= دكتورة طيف أليس كذلك ؟
- نعم
= تشبه اسمها
- ماذا تقصد ؟
= أنها كالطيف ، تظن أنها كالخيال لا تعيش في عالمنا ، لكن ما إن تقترب منك فتشعر بروحها حتى ذلك الأثر المتبقي من رحيلها
شعر جاسم بالغضب تجاه كلمات حازم فحدثه بحزم :-
-  لا تقلق ستصبح بالنسبة لكَ خيالاً بعد الآن فلن تراها ثانيةً ، أتمنى أن تفي بوعدك حتى تخرج لزينة ..
ذهب جاسم لمنزله وأول ما فعله أن هاتف طيف فردت الأخيرة :-
= السلام عليكم ، من معي ؟
- وعليكم السلام ورحمة اللَّه وبركاته ، أنا جاسم ، دكتور جاسم ..
= أهلاََ دكتور جاسم ، ولكن من أين أتيت برقمي
تلعثمت كلمات جاسم فهو أتى به عندما أراد تهديدها ولكنه رتب أفكاره سريعًا وقال لها :-
- بالطبع من سجلات المشفى ياطيف ، لا تنسي أنني مديرك ..
ضحكت طيف رغمًا عنها قائلةً :-
= لا لم أنسى قط ، ولم أنسى أيضًا أنك لم تخبرني ، هل لي أن أعرف السبب ؟
غيّر جاسم مجرى الحديث قائلاً :-
- كيف حالك اليوم ؟
= فهمت أنك لا تريد الجواب حسنًا كما تشاء ، أنا بخير
- أريد منك أمرًا ولكَ أن تعتبرينه طلبًا لا بأس لي بذلك ..
= ما هو ؟
- لا تتحدثي مع حازم مرة أخرى
= لماذا ؟
- لأنني أريد ذلك
= عفوًا ؟
كما سمعتي يا طيف ، حمدًا لله أنكِ بخير ، عندما تريدين العودة لمباشرة عملك سأكون في استقبالك ، إلى اللقاء ..
شعرت طيف بالغيظ وتمنت أنه لو كان لم يتصل منذ البداية ، كأنه يتوسل إليها حتى ترد إليه أفعاله أضعافًا ..
وصل جاسم المشفى في اليوم المقبل ووجد درة فأخبرها أنه يريد الحديث معها فوافقت على الفور وصعدا إلى منضدتهما ..
بدأ جاسم حديثه في حزم وصرامة كأنه يتقدم لتأدية خدمته العسكرية :-
- درة الفترة اللي فاتت كلها بلغتيني أنك مش حابة تتكلمي عن شخصية والدك الحقيقة أو تعرفي حد هو مين وأنا احترمت رغبتك بس
قاطعته درة بابتسامة حزينة قائلة :-
= بس عاوز تتأكد من الناس اللي هتناسبهم صح
شعر جاسم أنه جعلها تشعر بالإهانة تجاه سؤاله فأنقذ الموقف على الفور :-
= لا لا خالص يادرة ، أنا بس كنت عاوزة أطلب إيديك منه
لم تصدق درة ما سمعته لثاني مرة فأخبرته على الفور باسم والدها وهو أمين السيد فتحي وأعطته أيضًا رقم هاتفه القديم وأخبرتها أنها لا تعلم إن قام بتغييره أم لا ، فأخذه منها وسجله على هاتفه ونوى أن يهاتفه في المساء ..
فجأة دوت صرخات المكان بأكمله وصعد ممرض يخبر د. جاسم أنه سليم ، فجرى إليه جاسم بسرعة تاركًا درة ، دخل غرفته فوجدته مكبلاً الأيدي يصرخ بشدة فحاول أن يهدأه جاسم ولكن كل محاولاته باءت بالفشل فسأله عما يريد فتكلم سليم في غضب :-
= أنا في المكان الخطأ ، هي من يجب أن تصبح هنا
- من تقصد ؟
= مَن فعلت كل ذلك بي وبها
- من هي ؟
= إنها الملعونة

_ جيهان سيد ♥️🌝

من إحدى غرف المصحات النفسية 🖤.On viuen les histories. Descobreix ara