الجزء التاسع

4.3K 403 78
                                    


كانت طيف تجلس في غرفتها وهي متحمسة لما سيحدث غدًا عندما تستيقظ درة وتقرأ ما في الورقة وتعلم أن أبيها لم يتزوج من صديقتها ، حينها شعرت ببعض من تأنيب الضمير لأنها ولأول مرة تدخل عملها في خلافاتها الشخصية فما ذنب تلك المسكينة التي تعافت بشكل كبير على يد جاسم المتعجرف ، شعرت أيضًا أنها كاذبة لأنها لا تعلم حقيقة ما حدث بين والد درة وصديقتها لكن سرعان ما تذكرت جاسم وغروره فطردت تلك الرحمة من قلبها وعزمت على استكمال ما بدأته وساعدها في ذلك تفوقها في مهنتها فكانت متيقنة أنه إذا مسَّ درة أي ضرر ستعالجه على الفور وحينها ستحقق انتصارين ، انتصارها على غرور جاسم وعلى علمه المزعوم ..
لم تستطع طيف النوم فكانت تنتظر الغد بشدة ، تارة تتقلب في نومتها ، تارة تنظر للسقف ، تارة تتخيل سيناريوهات وتعطي لها طابع من الإثارة حتى أعلنت الشمس عن شروقها ، فقامت طيف من سريرها وارتدت ملابسها في عجلة ووضعت أحمر الشفاه فهي تتأهب للاحتفال بنصرها اليوم ..
وصلت طيف المستشفى لتصطدم بجاسم في وجهها فتبادلا النظرات الحادة فألقى عليها ابتسامة لم تعرف تفسيرها ولكنها تركته ورحلت ..
جلست في مكتبها وهي تنتظر الصراخ يعلو المشفى في أي وقت عندما تكتشف درة الحقيقة ، ولكنها طال انتظارها بلا جدوى ، فقررت أن تذهب هي لغرفة درة ولكنها لا تعلم أن هناك من يراقب تصرفاتها من خلال جهاز المراقبة ويشعر بالانتصار ..
دخلت طيف الغرفة لتجد درة في حالة جيدة وتدندن أغنيتها المفضلة فنظرت لها في تعجب وسألتها عما إذا حدث شيئًا سعيدًا اليوم ؟ فهزت درة رأسها سريعًا وأجابتها نعم نعم فلقد وجدت من يتغزل بي على طريقة التسعينات ..
طيف :- هلا شرحتي لي أكثر ؟
درة بسعادة مبالغ فيها :- لقد استيقظت ووجدت بجواري هذه الورقة ، ورفعت الورقة الشبيهة في وجه طيف
اتسعت عين طيف متسائلة :- هل قرأتيها ؟؟؟
فرد درة :- نعم ، تلك من تشعرني بكل تلك السعادة

تسمَّرت طيف في مكانها ولا تفهم ماذا حدث ، كيف لدرة أن تكون بهذه الحالة بعدما قرأت ؟ هل تمت هزيمتها بهذه السرعة ! فهذه المرة أُعلنت هزيمتها قبل أن تبدأ الحرب ، كان جاسم في الجانب الأخر يقهقه بشدة ..
دخل د. نجيب غرفة د. جاسم وأخبره أنه يريد أن يقوم بالتحقيق مع طيف فما فعلته ليس بالهين فإذا وقعت ورقتها تحت يد درة لأصبحت في حالة سنعجز عن تشخيصها ، أنها مازالت طبيبة جديدة ، لا أنكر أن تفوقها هو من جعلها تلتحق بهذه المشفى لكنها تريد الكثير من التحكم في ذاتها فأنت تعلم قواعدنا جيدًا فإذا قمت بإرسال الفيديو التي تظهر فيه وهي تضع الورقة للمريضة للشرطة ستنال عقابًا لا بأس به ، فهي على الأرجح لا تتذكر بنود العقد الذي قامت بالتوقيع عليه ..
بينما يتحدث د نجيب الألفي لمعت عين جاسم وكأن فكرةً ما أعلنت وصولها لخلايا مخه فنظر لد. نجيب قائلاً :- لن نحقق معها بل سنجعلها تخشى التحقيق ..
تسللت طيف وراء درة حتى تمكنت من أخذ الورقة دون علمها وعندما فتحتها علمت أنها تبدَّلت فشعرت بالخوف ، من الذي دخل الغرفة وقرأ الورقة الأولى وقام بتبديلها ؟ هل هناك من يتتبع خطواتها ! هل هو جاسم !! سرعان ما رفضت هذه الفكرة فإذا علم جاسم بأمر هذه الورقة لأستغل الأمر وقام بتوبيخها ، شعرت بالقلق ولم تعرف ماذا عليها فعله ؟ فإذا انكشف أمرها لن تسلم من عقاب د. نجيب الألفي وسرعان ما تذكرت تعليماته لها في بداية العمل وسرده لها عن بنود العقد فتوترت أكثر ، لقد قامت بكارثة لم تكن تعلم عواقبها ، لقد انسقت وراء عِندها ولم تنصت لعقلها فأوقعت بذاتها في مشكلة ستدفع ثمنها كبيرًا إذا كُشفت ..
على الجانب الآخر تجلس درة مع د. جاسم على المنضدة الخاصة بهم والتي قد جمعت بينه وبين طيف في أول لقاء عفوًا أقصد في أول صدام ، نظرت درة له وبدأت الحديث قائلة :- لقد اعتدت هذه المنضدة معكَ
جاسم :- لقد عانيت معكِ كثيرًا حتى توافقي على الجلوس
درة : لا يمكنك إلقاء اللوم عليَّ فقد كنت في حالة لا يرثى لها
جاسم :- ولكنك الآن أفضل
شعرت درة بالحرج قليلاً فتعجب جاسم فلا يرى ما يستدعي الحرج ولكنها ردت سريعًا :- هذا كله بفضلك

استطاعت درة أن تكسب غرور جاسم فهو يعشق من يشعره بتفوقه ويتلذذ بمدحه فابتسم لها دون كلام ..
نظرت درة يمينًا ثم أخذت رشفة من قهوتها المفضلة ثم تنهدت وقالت :- عارف يا جاسم ، أسفة أقصد يا دكتور جاسم أنا عمري ما تخيلت أني ممكن أرجع كويسة تاني ، أنا بعد وفاة ماما -الله يرحمها- فقدت الأمل في كل حاجة ، مكنش بستني بكره ، مكنتش عاوزة يكون في بكره أصلاً ، مخرجتش من الحالة ديه غير بوقفة بابا و روان جمبي ، أنا وروان عشرة سنين كتير كنت بخاف أعدهم ليكونوا قليلين ، عرفتها بالصدفة في إحدى الدروس ، حكتلي أن باباها توفى من وهي صغيرة ومامتها بتقوم بالدورين مع بعض ، وقفت جمبي كتير وساندتني في كل مواقف حياتي وعمري ما أنسى اللي عملته لما ماما توفت ، كانت شبه مقيمة عندي في البيت وبتبات معايا ومش بتسيبني لحظة لوحدي ، كانت دايمًا بتهون عليا وبتقولي كلام كنت ببقى محتاجة أسمعه ، خدت وقت كبير أوي عشان أقدر بس أقف على رجلي من تاني وأوهم نفسي أني ممكن أكمل حياتي مرة تانية ، كانت كل حاجة ناقصة ، كنت بحس أني تايهة ومش عارفة أتصرف بس كنت دايمًا برجع لبابا أو روان وهما يدلَّوني ، شوية بشوية بدأت أرجع جامعتي تاني وأتكلم مع الناس ، كانت حياتي كلها بتتمحور في بابا وروان وبس ..
تجمعت الدموع في عين درة ثم ارتشفت رشفة ثانيةً وقالت :- كانت كل حاجة بدأت تكون كويسة لحد ما سمعتهم ..
بدأت يد درة ترتعش ولكنها أصرت على تكملة الحديث :- سمعتهم وهما بيتفقوا هيعملوا إيه في ابنهم ! وهيعرفوني ازاي ؟ ورد فعلي هيكون إيه !!
كل اللي كنت بفكر فيه وقتها هي ازاي روان قدرت تاخد مكان ماما؟ ازاي قبلت على نفسها كده ! مكنتش بعمل حاجة غير أني انهار وأصرخ ..
تساقطت دموع درة بغزارة فربت جاسم على يدها ليطمأنها أن الأمر قد انتهى وأنها الآن استعادت قوتها ، فهزت رأسها موافقة ثم مسحت دموعها وأخبرته أنها لا تشكو بل تفضفض معه كما اعتادت ..
ثم همَّت بالرحيل ولكنها نظرت إليه وقالت :-
لولا أنتَ ما كان مَرَّ كل مُرّ ..

التفت ليجد طيف في أحد أركان الكافتيريا تتابع الأمر فاستغرب من جرأتها فمثلها يبكي الآن ويخشى الظهور ولكنه يحب من تعانده ليثبت لها أنه على حق وأنه انتصر على عنادها ، يعشق هذا النوع من النساء ..
قام واقترب منها وقال لها بتكبر :- أرى أنك تتعلمين سريعًا ، فلقد واقفتي تتابعين كيف يتعامل الطبيب مع مرضاه ، أرجو أن تقلديني كما يجب أن يكون
شعرت طيف بالغيظ تجاه كلامه ثم قالت بسرعة :- أيمسك الطبيب يد مريضته !!!
ثم شعرت بالحرج عما خرج منها فوضعت يدها على فمها ولكنه قطع توترها قائلاً :- أتغارين يا طيف ! بهذه السرعة ؟
اِحمرَّ وجه طيف وشعرت أن حرارة جسدها تصل لد. جاسم فانسحبت سريعًا تاركةً إياه يبتسم ويشعر بالانتصار واللذة ..
بكت طيف كثيرًا ولامت نفسها عمَا قالته ولا تعلم لِمَا خرجت منها تلك الكلمات ، هل حقًا تغار عليه ؟ أم أن جاسر نجح في استفزازها ليظفر بتلك المعركة السريعة ..
تيقنت طيف أن معاركها مع جاسم لن تنتهي بسهولة وعليها إعداد خطط كثيرة والأهم من ذلك كله عليها أن تتحكم في كل حرف ستتفوه به أمام ذلك العدو النابغ الذي يعلم كيف يصطاد فريسته جيدًا ..

بينما هي تخاطب ذاتها فإذا برسالة على هاتفها من رقم مجهول محتواها كالآتي :- " لقد رأيتك وأنتي تتسللين لغرفة درة، وقمت بتصويرك وأنتي تضعين الورقة في يدها ، أعلم أيضًا أن هذه الحالة تخص د / جاسم حمدان وأعلم جيدًا قوانين هذه المشفى ، أرجو أن تستعدي لما هو قادم " ..

_ جيهان سيد ♥️🌝

من إحدى غرف المصحات النفسية 🖤.Where stories live. Discover now