الجزء الرابع عشر

3K 334 30
                                    

خرجت طيف من غرفة د. جاسم وهي حزينة حيث باءت محاولتها الأولى بالفشل لكنها قررت ألا تستسلم ، عليها أن تحاول مرةً أخرى وأخرى وأخرى ..
هي تعلم قوة خصيمها جيدًا وتقدرها فجاسم لا يستهان به ، هذه المرة الأولى التي تعترف بقوته لكنها اعترفت بها لتتغلب عليها ..
كان جاسم يفكر في ما فعلته طيف وأخذ يتوقع ماذا تنوي فعله !! فهو لم يصادفه أن أخطأ مرة في الحكم على أحد ، فعندما رآها لأول مرة علم أنها عنيدة قوية لا تخشى المواجهة ولكنها تخشى الانهزام ، لم يتعرف قاموسها إلا على كلمة النصر والانتصار ، فما الذي يجعلها تأتي إليَّ لتعتذر !! هل حقًا انتهت الحرب بيننا أم أنها خديعة جديدة من خدع الحرب !  سأصدق حدسي وأفعل كما لو أنها مجرد خدعة ..
ثم فكر ثانيةً هل ما يربطه بطيف الحرب فقط ! إذا استمرت تستمر علاقتهما وستنتهي بفوز أحدهما !!
لم يجد إجابة واضحة فمسك هاتفه وبدل خطوطه وأرسل رسالة لطيف من رقم الممرض :-
"هل فكرتي فيما حدثتك فيه ؟ تريدين أن أخبر د.جاسم في حضورك أم غيابك !!"
لم تمر عدة ثواني حتى وجد رقم طيف يتصل ..
شعر بالارتباك فهو لا يريد أن يفصح عن هويته ، عاودت الاتصال ..
لا يعرف ماذا يجب عليه فعله !
أرسل لها رسالة أخرى "أريد جوابًا مختصرًا"
فعاودت الاتصال لثالث مرة ..
ثم وصلت رسالة منها :- " أتخشى الرد ولا تخشى د. جاسم حمدان !! إذا كنت لا تستطيع الرد عليَّ الآن فلن تستطع مواجهته "
كانت طيف تقصد استفزاز المرسل لكنها لا تعلم أنها كسبت غرور جاسم بهذه الكلمات الصغيرة ، فهو يحب من يعظمه ويقدر ذكاءه وغروره ، يشعر بالمتعة حينما يمدحه أحد ويشعر بقمة السعادة إذا شعر أن غيره يخشاه ..
أخرج زفيرًا طويلاً ثم أغلق الهاتف ..
كانت طيف تشعر بالخوف ، تعلم أنها تكابر لكنها تعلم أيضًا أنها إذا أظهرت ضعفها أمام ذلك المبتز سيستغلها ..
لا تخشى د. جاسم ذاته ولكن تخشى معرفته بخبر مثل ذلك ، فهو يتربص لها وإذا علم أنها قامت بتلك الفعلة لن يرحمها ..
طرقت إحدى الممرضات غرفة د. جاسم وأخبرته أن حازم يريد الحديث معه ، فنزل مسرعًا ..
- د. جاسم :- ما هو حالك اليوم ؟
= حازم :- أريد زين
- د. جاسم :- أمازلت تكرر طلبك ؟
= حازم :- لِمَا لا تفهمني ؟
- د. جاسم :- حسنًا ، تريد زين أليس كذلك !
= حازم :- نعم
-  د. جاسم :- عليك إنجابه
= حازم :- ماذا تقصد ؟
- د. جاسم :- أن تساعد نفسك لتعود لحالتك الطبيعية ثم تعود لزوجتك وتنجبا زين ..
= حازم :- بهذه السهولة
- د. جاسم ببرود :- نعم ..
ظل حازم صامتًا لبضع دقائق ثم قال له في يأس :- حسنًا ، أرجوك ساعدني ..
لم ينبهر جاسم بطلب حازم فإنه ليس المريض الأول الذي يعترض طريقته ثم يلين في النهاية لكنه شعر بالسعادة لنجاح خطته العلاجية مرة أخرى ..
فقاطعه حازم ثانيةً :- أنا مريض نفسي ، صحيح ؟
- د. جاسم :- نعم
همَّ جاسم للرحيل ، فسقطت دمعتان من عين حازم وهز رأسه قائلاً :- كنت أعلم
فسارع د. جاسم وهو على الباب قائلاً :- المرض النفسي ليس عيبًا ولكن العيب أن تخفيه حتى عن نفسك ، وإن فعلت فلن تتعافى ..
سقطت هذه الجملة على أذن درة التي كانت تتجول بالخارج فأول ما رآها جاسم قال لها في حزم :- أرى أنك تتجولين كثيرًا في الفترة الأخيرة دون أذني !!
ضحكت درة وقالت له :- أراك تتبع الطريقة ذاتها
- د.جاسم :- بالطبع ، لولاها ماكنت هنا
اقتربت منه درة ثم همست :- لولاكَ ما كنت أنا كذلك
اندهش جاسم من جرأة درة فلم تكن يومًا هكذا إلا بعد ظهور طيف ، يخبرني إحساسي أن الغيرة تلعب دورًا بارزًا لكن ماذا بيني وبين طيف حتى تغير ! أم أنه هناك وأنا لا أرى !!
قاطعته درة ثانيةً :- هل تتذكر ردة فعلي الأولى على طريقتك ؟
- د.جاسم :- بالتأكيد ، سيطرت عليكِ نوبة غضب وصرختي في وجهي وقلتِ أنت هو المريض ..
قاطعته درة :- كنت مخطئة
فرح جاسم لجملتها ثم أكمل :- ورفضتي الحديث معي عدة أيام ثم تقبلتي حقيقتك ..
شعرت بالحرج إثر كلمة حقيقتك ، فسرعان ما لاحظ د. جاسم فمد يده وأخذ يربت على كفها قائلاً :- لم أقصد مضايقتك ، بل أننا نتفق أنه علينا الاعتراف بالمشكلة لنواجهها ، صحيح
فأومأت برأسها :- نعم
وطلبت منه أن يجلسا سويًا على منضدتهما لتخبره بعدة أشياء ..
= درة :- تعلم أنني في مراحل التعافي الأخيرة
- د. جاسم :- نعم
= لا أريد الرحيل
نظر لها جاسم في دهشة فقالت مسرعة :-
= لا أعلم ماذا عليَّ فعله إذا رحلت ، لم أعد أهتم بأخبار أبي ، لن أعيش معه ومع زوجته ، لن أستطع النظر إليهم
- د. جاسم :- بماذا كنا نتعافى إذن ؟
= درة :- كنت أتعافى من صدمتي لأكمل حياتي وليس لأعيش مع أبي
- د. جاسم :- كما تحبين ، فهذا قرارك
= درة :- أعلم ولكنني أثق في رأيك, أفكر أن أدرس بالخارج
- د. جاسم :- فكرة رائعة
= درة :- ألم تعتاد على وجودي ؟
- د. جاسم :- بلى
= درة :- أشعر بالملل ، ما رأيك أن نلعب لعبة ؟
- د. جاسم :- ما هي ؟
= درة :- سنتبادل الأسئلة ولكن يشترط الصدق في الإجابة
- د. جاسم :- حسنًا
= درة :- هل مازلت تراني في خانة المريضة فقط ؟
- د. جاسم :- في البداية ، لكن بعدما تسامرنا ليالي كثيرة وتبادلنا الآراء أعتقد أنكَ صديقة
اتسعت ابتسامة درة فهي تعلم جيدًا أن جاسم لا يعرف المجاملة ولا ينطق إلا بما يشعر به ، لم يقل أزيد من صديقة ولكن لا بأس فهي ليست مريضة وحسب ..
= درة :- دورك
- د. جاسم :- هل ندمتي يومًا على مجيئك هنا ؟
= درة :- في البداية ، كنت في حالة صدمة ، لا أعي ماذا يحدث حولي ، أبي وصديقتي ، جنين ! أشياء أكبر من قدرتي ! جئت وقابلتك ، كنت تتعمد قول أنني مريضة وكأنك تتلذذ بذلك ! كان كل همي أن تعترف أنت بمرضك أولاً ، لم أتقبل فكرة أنني في مشفي أتعافى نفسيًا على يد طبيب لا ينطق سوى ما أنكره وأهرب منه ، بطريقة ما لا أعلمها نجحت طريقتك وتقبلت الأمر ، وها أنا عدت كما كنت وأفضل ..
- د.جاسم :- لقد تمت محاربتي كثيرًا حتى أقلع عن هذه الطريقة ، لكنها تميزني ..
= بالفعل هي كذلك ،  هل مازال رأيك في الارتباط كما هو ؟
- د. جاسم :- لا أعتقد أنه سيتغير يومًا ، ليس ضعفًا مني أو خوفًا من حمل المسئولية لكن لم أجد من توافق عقلي ..
قاطعته درة :-
= حتى الآن ؟
- د. جاسم :- عفوًا ؟
= درة :- حتى الآن لم تجدها ؟
- د. جاسم :- ليس كما أبدو لكِ يادرة ، فأنا أعلم طباعي ، أعلم أنني حاد ، ربما بعض الوقت متعجرف ، لا أطيق الانتظار ، سأغيب عنها بالأيام ، لن أجلب لها وردًا إذا نسيت تاريخ لقائنا الأول ، لن ألقي عليها سيلاً من المدح إذا سهوت عن هدية عيد ميلادها ، أحب عملي ، أدرس خطواتي جيدًا ، لا أحب العشوائية ، فلن أجد من تتقبل تلك العيوب وتتعامل معها ، ناهيك عن ذلك بعضهم ينعتني بالمغرور ولا أجد له سببًا منطقيًا ..
= درة :- وماذا إن وجدت من ترى تلك العيوب مميزات ؟
- د.جاسم :- لا أعلم
= درة :- حسنًا دورك
- د.جاسم :- تركته ليكون أخر سؤال ، ماذا أعني لكِ ؟
توترت درة من هذا السؤال المفاجيء وأحمرت وجنتيها ثم ردت بكلمات متلعثمة :-
= طبيبي ، طبيبي الذي أكتشف أشياءًا لم أكن أعلم أنها بي ، ركني الهادئ الذي ألجأ إليه لأتغلب على صرعاتي ، كلما صرت تائهة هرعت لبوصلتك حتى أعلم وجهتي ، كلما شعرت بالظمأ راوتني طريقتك المميزة ، أنت كحصاد ليالٍ كثيرة مؤلمة مررت بها ، كنت أشعر أنني لاجئة لا أب ولا أم لي فكنت خير المأوى ، كنت أظن أنه لا مزيد من الحياة لكنك غيرت ظني ، لقد كنت معي ونعم الطبيب
ثم صوبت نظرها في عين جاسم قائلةً :- تالله أخشى مفارقتك ..
همَّت درة للرحيل لكنها التفت لترى جاسم يتتبع خطواتها فقالت له :-
= أقولك على حاجة ؟
- د. جاسم :- قولي
= بينما تظن أنك صلب جاف المعاملة ، أراك تشيز كيك قمر كده
ثم تركته يقهقه ورحلت ..
قطعت طيف ضحكته قائلة باستنكار :-
= لم تخطىء أبدًا عندما نعتها بالمريضة ، فمن تراك هكذا أقسم أنها مريضة
- جاسم بلا مبالاة :- وما شأنك !
شعرت بالحرج فقررت ألا تهرب ككل مرة عليها أن تواجهه
= طيف :- أترى أنك على صواب ؟
- جاسم :- لا أعلم في أي اتجاه تقصدين ولكن بالتأكيد
= طيف :- لِمَا تخبر مرضاك بمرضهم ولِمَا تعامل الباقية كذلك؟
شاور جاسم بيده على الكرسي المقابل حتى تجلس طيف ولكنها أبت وأخبرته أنها لن تجلس مكان درة فلم يهتم واستكمل حديثه :-
- جاسم :- ماذا تريدين ياطيف !
= طيف :- أن تضع في ذهنك أني لا أخشاك
- جاسم :- ومن قال ذلك ؟ أم أنه شعور بداخلك تريدين طرده ؟
نظرت له باحتقار وتمتمت بصوت مسموع :- قال تشيز كيك قال
فضحك جاسم كثيرًا وتركها ترحل ..
لامت طيف نفسها عما بدر منها فلم يكن من المفترض أن يحدث ذلك لكنها لا تتحكم في ذاتها أمامه ..
فكر جاسم في كلام درة ، يشعر أن مشاعرها تتحرك تجاهه ولكنه يقول أيضًا أنها مازالت مريضة تعرضت لصدمة كبرى لم تجد غيره في هذا الوقت العسير ، فمن الطبيعي أن تشعر بذلك لكنها غير صادقة ، عندما تتعافى كليًا ستدرك حقيقة مشاعرها ..
وتطرق لطيف مرةً أخرى وغمرته السعادة عندما وجدها عادت لطبيعتها العنيدة التي جذبته إليها منذ البداية ..
رن هاتفه فرد فإذا بد.نجيب الألفي يخبره أن هناك حالة جديدة مستعصية ، فعليه أن ينزل ليستقبلها هو بذاته ..

_ جيهان سيد ♥️🌝

من إحدى غرف المصحات النفسية 🖤.Hikayelerin yaşadığı yer. Şimdi keşfedin