_ الفصل الرابع والثلاثون _

8.6K 410 19
                                    

(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل الرابع والثلاثون _

لا تدري كم مر من الوقت وهي بين ذراعيه هكذا تتشبث برقبته وتدفن وجهها بين ثنايا كتفه .. حالة من الضعف اللإرادية تمكنت منها لدقائق طويلة .. ولم تستمع لأي صوت داخلها يصرخ عليها بالابتعاد وفقط سارت خلف تلك المشاعر التي تحركها كالدمية وانزلت راية صمودها مؤقتًا .
لم تسامحه ولكن قلبها خر منهزمًا بين يديه .. يحاوطها بذراعيه بقوة ويحكمهم حولها كأنه يخشى ابتعادها .. أما وجهه فوجد مخبأه بين ثنايا رقبتها وأنفاسه الساخنة تلفح رقبتها فتجعلها كالمتغيبة عن ما يحدث ! .
كانت في عالم آخر حتي صرخ صوت بعقلها واستفاقت على أثره فأدركت الوضع .. ابعدت يديها عنه وتراجعت للخلف بخطوة تسحب جسدها من بين ذراعيه وتحدجه بسكون وبعيناها نظرة استنكار لضعفها أمامه .. لا يجب أن تكون لينة بهذا الشكل .. فمازال الطريق طويل أمامه حتى ينال ما يسعى إليه .
تابعها عدنان بعيناه البائسة وهي تعود لتجلس فوق مقعدها أمام الطاولة وتشيح بوجهها للجهة الأخرى تتفادى النظر إليه عمدًا .. كإشارة بسيطة ترسلها له من خلال تلك التصرفات أن ما حدث كان مجرد حالة لحظية لا تعني شيء وأنها لن تكون دليل على مسامحتها أبدًا .

تحرك خلفها ليجلس على مقعده أمامها ويستمر في تمعن النظر بها بأسى .. هي لا تعطيه اهتمامًا لكن عينيه لا تحيد عنها تتأملها في عمق .. لا يؤذيه تمعنها عن الغفران  بقدر شعوره بعدم ثقتها به في أي شيء ، تلك المشاعر السلبية التي تنطلق منها إليه تقتله المًا !!! .

                                     ***
  عادت الروح للجسد .. وعاد القلب يضخ بالدم من جديد .. ينبض بعنف كأنه عاد للحياة للتو .
خمس سنوات مرت منذ أن قرر بالفرار من كل شيء ، وكانت هي في المقدمة تلك القائمة التي يود الهروب منها .. ظن أن السنوات والبعد سيقضى على عشق لم يجد مأواه مع عاشقه .. لكن لم تزيده السنوات إلا ألمًا وشوقًا .. يتخبط كل ليلة بأشواقه وأحلامه التي تزوره بها دومًا ، كأن عقله الباطني يرسل له إشارات ليخبره من خلالها يكفيك تفكير بها  .. ترهق نفسك وترهقني معك ! .. لكن هيهات فهل يستمع القلب المتعجرف لذلك العقل المتفلسف ؟! .

قلبه أخذ يطرق بقوة يرسل للجميع دليلًا بأن الليلة التقى أخيرًا بذلك المعشوق الذي ارهقه لسنوات .. والإبتسامة صعدت بشكل لا إرادي فوق شفتيه .. أما عينيه فحملت لمعة العشق والشوق ، لكم يرغب الآن بضمها إليه يستنشق رائحتها فتتخلل إلى نفسه المشتاقة .
تغيرت وأصبحت أكثر جمالًا ..اكتسبت القليل من الوزن في جسدها الضئيل .. ملامحها الطفولية نضجت وباتت تليق حقًا بأنثى فاتنة مثلها .. تلك العينان السوداء اللامعة والواسعة والشفاه المنتكزة والأنف المستقيم مع شعرها الطويل المنسدل بخصلات صغيرة فوق وجهها وترفع باقيته لأعلى بمشبك صغير .

رمشت زينة بعينها عدة مرات في عدم تصديق .. حتمًا تحلم لا يعقل أن تكون تراه بالفعل أمامها .. بل هو حتى لم يعد هشام التي تعرفه ! .. أين جسده النحيف وشعره الذي يستمر بحلاقته كلما ينمو بسبب انزعاجه من الشعر الطويل .. أصبحت بنيته ضخمة وجسده رياضي ومثاليًا ،  أما شعره الناعم سرحه بشكل عصري ورائع ، حتى أن لحية ذقنه نمت بشكل كثيف ومعالم وجهه أصبحت أكثر غلظة وصرامة .. يبدو أن تلك السنوات لم تذهب هدرًا بالفعل .. وذلك الغبي انسته السنوات صديقته الوحيدة ! .

امرأة العُقاب .. للكاتبة ندى محمود توفيقWhere stories live. Discover now