الفصل السادس و العشرون

9.8K 399 15
                                    

(( امرأة العُقاب ))
_ الفصل السادس والعشرون _

تراخت قبضته على كفها وتدريجيًا سحب يده ببطء متطلعًا لها بعينان يائسة .. لطالما أبدت له عن الكره الذي تكنه له في ثنايا صدرها .. واعتاد أن يسمع منها ذلك الكلام .. لم يكن يبالي وربما لم يشعر بأنها تنبع حقًا من قلبها .. معتقدًا أنها فقط نابعة من غضبها منه وهذا ما يدفعها لتلك الكلمة باستمرار ، لكن اليوم شعر بصدق الكلمة .. غصبها وانفعالها من مجرد لمسة والذي تبعه اعترافها بنفورها من لمسته وكرهها ، لا يعرف لما أحسها حقيقية ! .
قرأت هي معالم الحيرة الممزوجة ببعض الضيق على وجهه ، فاخفضت نظرها لأسفل تجده يسحب يده ببطء تاركًا يدها ، عادت ورفعت نظرها له تتطلع إليه بصمت للحظات عابرة تتلاقي فيها أعينهم معًا .. هو يبحث عن أشارة تأكد له تكذيب الكلمة وهي تدقق النظر في عيناه بتعجب من نظرة الخيبة الظاهرة بهم كطفل كان يصدق حقيقة ويأمل في تحقيقها وحين لم تسير السفن كما تهوى نفسه خاب أمله ! .
شدت على محابس دموعها التي تجمعت بعيناها وردت عليه بجفاء امتزج بثباتها المزيف :
_ متقربش مني تاني لأن اعتقد مفيش حد فينا حابب يجرح التاني .. ندمك مش هيغير الحقيقة ياعدنان حتى لو أنا مقدرة ده ومتقبلة ندمك اللي متأخر .. مش هيغير حقيقة تهميشك ليا ولا حقيقة إنك إنت وبابا اعتبرتوني صفقة هو باع وإنت اشتريت .. وكمان مش هيغير أهم حقيقة وهي إنك مبتحبنيش

أبدًا لم ينظر لها على أنها صفقة .. قد يكون اشترك حقًا في تلك المؤامرة القذرة ضدها .. لكنها دومًا كانت زوجته قبل أن تكون أم ابنته .. ظهرت ابتسامة مريرة على شفتيه متمتمًا بنظرة تلمع بوميض مختلف :
_ بس غيرني أنا .. وده كافي إنه ممكن يغير كل اللي قولتيه دلوقتي
بادلته الابتسامة بأخرى مستنكرة ونبرة بائسة :
_ معتقدش

ثم استدارت وسارت لخارج الغرفة وتركته يمسح على وجهه وشعره متأففًا بخنق وعدم حيلة .. ! .

                                 ***
كانت تمسك بيدها كوب اللبن الصباحي الخاص بها .. وتجلس بحديقة المنزل تنقل نظرها بحركة تلقائية في كل جهة لكن عقلها شارد بمكان آخر .. جذبها من شرودها صوت باب المنزل وهو ينفتح فحركت رأسها باتجاهه لترى حاتم يخرج منه ويتجه نحوها بخطواته الثابتة .. اشاحت بنظرها عنه وتصنعت عدم ملاحظتها له  ، ادرك هو تجاهلها له عمدًا فتنهد بخنق واستمر في الاقتراب منها حتى جلس على المقعد المجاور لها هامسًا :
_ صباح الخير
رفعت كوب اللبن لفمها ترتشف منه ثم تنزله وتجيب بمضض دون أن تنظر له :
_ صباح النور
شرد للحظة بها عندما رآها ترتشف من كوب اللبن برقة وشعرها البني يغطي نصف وجهها ونصفه الآخر منسدل على ظهرها بانسيابية وتتطاير منه خصلات قصيرة بفعل نسمات الهواء الناعمة .. هز رأسه بحركة نافرة حتى يستيقظ من تأثره اللإرادي بها  وغمغم يعتذر للمرة الثانية : 
_ نادين إنتي لسا زعلانة مني ! .. والله مقصدش أنا آسف فكيها بقى وابتسمي في وشي 
نادين باقتضاب دون أن تنظر له :
_ ماني زعلانة
حاتم رافعًا حاجبه مستنكرًا ردها :
_ طيب بصي في وشي الأول حتى وقولي إنك مش زعلانة عشان اصدق
التفتت برأسها تجاهه وغمغمت بابتسامة صفراء :
_ مش زعلانة ياحاتم موضوع وانتهى خلص .. ما بعتقد أنه يستحق اننا نزعل من بعضنا مشانه
رد بضيق ملحوظ على معالم وجهه :
_ حقك عليا أنا آساسًا بني آدم سخيف والله .. وعد من هنا ورايح هخلي بالي في كلامي عشان اللي حصل ده ميتكررش تاني

امرأة العُقاب .. للكاتبة ندى محمود توفيقWaar verhalen tot leven komen. Ontdek het nu