الفصل الرابع والعشرون

Začať od začiatku
                                    

كانت سما في غرفتها ...تبكي بصمت و قلبها يعتصرها بشدة .... دافنة رأسها في الوسادة ..... متى سينتهي عذابها .... تريد أن ترتاح ولا تعرف للراحة سبيلا ...... الى متى ستتحمل ما تقاسيه ......متى سيموت حبه في قلبها , وهل سيموت أصلا ......
رفعت رأسها قليلا لتنظر الى هاتفها الملقى بجوارها على الوسادة ..... هل تجرؤ ؟...... فقط تريد أن تسمع صوته .....لماذا تمنع نفسها ... فلتذهب الكرامة الى الجحيم .... متى كانت الكرامة فاصلا بينها و بين حبها ؟... فلماذا تهتم الآن ؟..........
أمسكت الهاتف وطلبت رقمه ...... مسحت دموعها بيدٍ مرتجفة وهي تنتظر ....هل سيرد عليها ؟... هل سيكون قاسيا للحد الذى يجعله يتجاهلها تماما ...راميا أربعة سنين زواج خلف ظهره ...دون حتى أن يتكلما كأناسٍ متحضرين .....
ثوانٍ قليلة وكان الصوت الحبيب يرد عليها هامسا
( ياسمينااا.........)
أغمضت عينيها لا تصدق أنه بالفعل أشفق عليها وقرر أن يسمعها صوته ... أخذ قلبها يخفق بقوة وهو يتعرف على صوت ساكنه ......وصلها صوته هامسا أجشا
( ياسمينا .... هل ستظلين صامتة ؟... )
انتفضت على سؤاله ثم حاولت النطق بهدوء ... الا أن كلامها خرج متعثرا متحشرجا و كأنها تسعل
( آآ....كيف حالك ....فارس , ظننت أن من واجبي ...... من واجبي الإطمئنان عليك )
ضحك قليلا ضحكة خافتة ثم قال بوجوم ( أنا بخير ..... لا تقلقي )
تاهت عيناها وهي تبحث عن أي شيء لتطيل الحوار معه قبل أن يغلق الخط ..فقالت بعد لحظات
( هل تأخذ أدويتك بانتظام .... هل تستطيع التعامل مع الممرضات ؟......)
قال فارس ببساطة ( قلت لكِ لا تقلقي لقد استسلمت أخيرا و أنا تقبل كل ما يعطفن علي به )
ابتلعت ريقها ثم لم تستطع منع نفسها من السؤال ( هل هن ممرضات ؟؟.... أقصد هل رأيتهن ؟......)
وضعت يدها على فمها تكتم الشهقة التى كادت تصدر عنها من هولِ ما قالت .... الا انه لم يغلق الخط كما توقعت بل ضحك بخفةٍ و قال بكلِ هدوءٍ و استمتاع
( هل تريدين أن تعرفي إن كن جميلات ياسمينااا ؟........لما لا تسألي بكل بساطة ؟.....)
قالت بغضب وهي تخطىء اكثر واكثر
( وكيف ستعرف ان كن جميلات ؟؟...........)
الا إنه مرة أخرى لم يغضب أو يثور بل قال بعبث
( تعرفين أن النظر ليس كل شيء ..........فمعكِ مثلا تأكدت بالدليل القاطع من أنكِ خلابة دون أن أراكِ )
شعرت بغضبٍ أحمق يشتعل بداخل كيانها ... دون أن تدرك مدحه الشغوف لجمالها ... كل ماسيطر عليها هو أن يكون قد عاد لعبثه القديم .... فما معنى هذا الهدوء و السرور الذى يقطر من صوته .... بعد أن كان دائما متشنجا غاضبا .....
قالت بغضب و شراسة ( ما معنى هذا يا فارس ؟...... هل نسيت أننى لازلت زوجتك ؟......حتى وإن لم يكن بالفعل لكننا لم نتطلق بعد ...لذا أنا لن أقبل أن تهينني بأن تكون غير مخلصا لي كما أنا مخلصة لك .... الى أن ينتهي ما بيننا رسميا)
ساد صمتا ثقيلا قاسيا عليهما معا ... ما الذى قالته ... لم يطرأ الطلاق ابدا على بالها من قبل .... اقصى ما كانت تتمناه بعد ان تركها هو ان يترك لها اسمه .... كذكرى منه .... لكن كلمات سابين ظلت متشبثة في قلبها كمخالبٍ مفترسة ... الى أن انهارت أعصابها الآن ونطقت بهذه الحماقة ......
سمعت صوته يهمس بصعوبة وقد فقد كل سروره وعبثه ( طلاق ؟..........)
أرادت أن تصرخ بأعلى صوتها ....لا ....لا ..... أرجوك لم أقصد ...لم أقصد ... أرجوك لا تنتهز الفرصة وتتصيد لي هذا الخطأ ....
يا الهي مالذى جعلني أتحامق وأكلمه الآن ؟...... كان يجب أن أعرف أننى سأنطق بإحدى حماقاتى كالمعتاد .....يا رب ساعدني ....
جاء صوت فارس خشنا صارما يناديها (سما......)
أغمضت عينيها وهي تنتظر مصيرها الذى جلبته لنفسها بمكالمتها الغبية .. لكنها لم تجد بدا من الرد بهمس مختنق ( نعم ........)
سمعت صوت نفسا حدا و كأنه يتنفس بصعوبة ثم قال أخيرا بنفس الصرامة
( أريدك أن تعديني وعدا ...... لا تفكري بطلب الطلاق الآن ....أعرف أنكِ ضيعتِ معي سنواتٍ كان من الممكن أن تكون الأجمل بحياتك ..... لكن كل ما أطلبه منكِ أن تنتظري ..... فقط انتظري قليلا......)
انهمرت دموعها على وجنتيها بصمت وهي تشعر بنصالٍ حادة تمزق قلبها .... سيطلقها .... قليلا و سيطلقها .......استمر بكاؤها دون أن تصدر صوتا الى قال بقوة ( سمااا .... عديني )
همست فبان بكاؤها ( أعدك .......)
تنهد بحزن ثم همس ( أراكِ لاحقا ......)
ردت عليه بهمسةٍ لم يسمعها ( نعم .......) و بعد أن أغلقت الخط أخذت تبكي طويلا ..... طويلا جدا ......الى أن سمعت صوتِ بابِ غرفتها يفتح و خطوات سابين تقترب منها .... لكنها لم تجرؤ على رفع رأسها من الوسادة ..... الى أن أحست بسابين تجلس على الفراش بجوارها ... لحظة و رفعتها لتضمها لصدرها وهي تقول
( كل هذا البكاء بسبب الكلمتين الغبيتين اللتين نطقت بهما و أنا غاضبة ؟؟.........هذا الطفل من المؤكد تسبب في خللٍ ما بعقلي )
ضحكت سما دون أن تجرؤ إخبار سابين بمكالمتها الغبية لفارس .... لن تتحمل الآن غضب سابين , يكفيها ماهي فيه .....رفعت وجهها المغروق بالدموع ثم ابتسمت بجهد لسابين التى سألتها برقة
( هل تصافينا ؟........)
أومات برأسها ..... ثم همست بعد فترة ( متى ستعود حلا ؟...... لقد تأخرت أم أنها لن تعود ؟...)
حين نطقت بهذا السؤال شعرت و كان حجرا ضخما اثقل قلبها .... كيف ستتعود على بعد أيا منهما بعد الآن ....يوما ما ستعود كلا من حلا وسابين الى ادهم واحمد ..... بالرغم من مكابرة سابين الا إنها موقنة من أنها ستعود اليه يوما ..... لن تستطيع أي امرأة مقاومة زوجا يحبها و يعتزم على استرجاعها......
أما هي فسينتهي بها الحال وحيدة يوما ما بعد أن تعود شقيقتيها الى زوجيهما ..... فهي لن تكون لرجلا آخر غير فارس مهران .....
أفاقت من أفكارها الحزينة على صوتِ سابين وهي تقول مبتسمة
( لقد عادت بالفعل الأستاذة .........)
( من يسأل عني ؟..........)
نظرت سابين وسما الى الواقفة بباب الغرفة .... وقد كان مظهرها كمظهر امرأةٍ عاشقة بجنون فهى ترتدي نفس زيها الرسمي لكن شعرها الرائع انساب متموجا بجنون يصل الى خصرها بدلال .....لم تكن هناك زينة على وجهها ... الا أن احمرار وجهها و بريق عينيها كانا أفضل من أي زينة بالعالم ..........
هتفت سما بدهشة ( كيف اقنعت ادهم بإعادتك الى هنا ؟............)
ابتسمت حلا برقة وقالت
( لدي أساليبي الخاصة .....لدينا عملا لم ينتهي بعد ... ولقد قطعت لكما وعدا بأني لن أترككما الآن ......ليس بعد..)
وكعادة سما في نطق كل ما هو غير مناسب ... فسألتها
( أين ذهبتما لتتأخرا كل هذا الوقت ؟...........كم أتمنى أن أخرج أنا أيضا قليلا و أروح عن نفسي )
احمر وجه حلا بشدة و هربت بعينيها من نظرات سابين العابثة التى لم تستطع كبت ضحكتها طويلا ...... فأدركت سما غباءها و احمر وجهها هي أيضا وهي تهمس متلعثمة
(أعتذر يا حلا ..... لم أكن أعرف .... أقصد لم أفكر .....)
قاطعتها حلا وهي تهتف بإرتباك ( هلا غيرنا الموضوع من فضلكما .........)
كبتت سابين ضحكها ثم قالت بحزم
( حسنا كفى عبثا .... حلا لا تنسي أنكِ ستأتين معي الى المطار لإستقبال عمار الراشد ثم نقله الى الفندق الذى سيقيم به ... سما أنتِ أيضا ستأتين معنا من باب التعارف)
أومأت سما برأسها بوجوم .....و ردت حلا بالموافقة ثم سألت سابين بقلق
( ماذا فعلتِ مع أحمد اليوم ؟........)
عادت الروح المجنونة لتتلبس سابين بعد أن كانت قد هدأت قليلا فقامت من الفراش لتخرج من الغرفة متجاوزة حلا وهى تهتف بحنق
( وما دخلكما بشؤوني الخاصة .... فلتهتم كلا منكما بحياتها بعيدا عن حياتي )
همست سما متنهدة بملل ( ها قد عادت الروح العدوانية من جديد ..........)
نظرت اليها حلا وهمست بحزن ( هل ساءت الأمور الى هذه الدرجة ؟........)
أومأت سما برأسها دون أن تجيب ...... لكن قبل أن تكمل حلا كلامها كان هاتفها الجديد يعلن عن اتصال ادهم ..فردت عليه مبتسمة
( ادهم ..... لم تكد تمر نصف ساعة على انصرافك )
وصلها صوته الحانق وهو يهدر في أذنها ( لا أعلم أصلا كيف وافقتك على هذا الجنون ........والآن تتذمرين من اتصالي بكِ؟ )
ضحكت بمرح وهي تلوح لسما و تخرج من الغرفة لتتحدث اليه .....ابتسمت حلا بحزن وهي تتذكر مكالمتها المأساوية لفارس منذ قليل ....وهمست لنفسها .... متى ستعتق قلبي .....متى .......
.................................................. .................................................. ................................................
صباحا كانت سابين جالسة في سيارتها تنتظر تالا أمام منزل احمد الذى لم تدخله من قبل .......لم يطل انتظارها حين فتح الباب و أطل منه احمد و خلفه تالا تقفز بمرح و كأنها في أسعد أيام حياتها .......
زفرت سابين بحنق .... ما الذى يفعله هنا ؟...... لماذا ليس في عمله ؟.........هذا ما كان ينقصها ....
اقترب منها احمد الى ان وصل للباب المجاور لها وفتحه دون ان تستطيع منعه ثم جذبها برفق من ذراعها لتخرج من السيارة ....لم تستطع الإعتراض مع رؤية تالا التى تنظر اليهما و كأنها تشاهد فيلما عاطفيا ......
وقفت أمامه تماما ... وجهها مواجه لصدره ... و يده لا تزال ممسكة بذراعها بدفءٍ شعرت به من خلال ملابسها ......
بدأت الكلام بهدوء دون أن تنظر الى عينيه
( كنت أريد أن أصطحب تالا لتمضي اليوم معي ..... وسأعيدها اليك في المساء )
كانت عيناه تلاحقانِ عينيها الهاربتين و ابتسامة حنان تعلو شفتيه ....ثم قال أخيرا بصوتٍ دافىء
( لقد دخلتِ الى الموضوع مباشرة دون حتى أن تلقي التحية علي )
أخذت نفسا طويلا خفيا وهي تشعر بغضبٍ لا حدود له .... الى متى ستستمر تمثيليته السمجة هذه .....لكنها لا تستطيع التصرف وتالا خلفه ... لا ذنب لها لتصدمها بوالدها ..... تبا لتلك الحنية الجديدة عليها والتى لا تعرف من أين أتت .......
رفعت عينيها الشرستين الى عينيه المغروقتين بالإستفزاز و التحدي وهي تحاول أن تجعله يقرأ ما بهما من تهديد .. الاأن ذلك لم يؤثر به ... بل زاد التحدي في عينيه .... فقالت بحزم
( هيا يا تالا ادخلي السيارة ......لقد وافق والدك )
لكن تالا ترددت قليلا ... الى أن قال احمد بهدوء
( في الواقع ...... لقد غيرت رأيي , ستمضيانِ يومكما هنا )
ارتفع حاجبا سابين و توحشت عيناها أكثر لكن قبل أن تفتح شفتيها برفضها القاطع ... تابع احمد بمرحٍ حازم
( إن لم تدخلي بإرادتك فسأحملك الى الداخل بنفسي )
أوشكت على أن تلقي بحممها الغاضبة في وجهه ... لكنها عدت الى العشرة بداخلها ثم قالت بهدوء
( لا لن أستطيع عذرا ......فهل ستسمح لي بأخذ تالا أم أنصرف من هنااااا....... )
خرجت أخر كلمتين من شفتيها و كأنهما صراخا ....دون أن تستطيع السيطرة على نفسها .....حينها أخذت تالا تقفز مرحا وهي تهتف
( لقد رفضت ....احملها أبي ...احملها ....)
اتسعت ابتسامة احمد و ارتسمت الشيطنة في عينيه ..... فحذرته سالبين هامسة بوحشية
( لا تفكر بذلك حتى .......)
الا إن احمد تجاهلها تماما وهو يرفعها بحركةٍ سريعةٍ بين ذراعيه جعلتها تصرخ من المفاجأة ثم أخذت تضربه على كتفه وهي تصرخ
( أنزلني يا احمد حالا ......توقف عن هذه التصرفات الطفولية )
الا أنه ضحك قائلا وهو يستدير بها غامزا لتالا التى تقفز وتصفق بيديها
( لا أستطيع أن أرفض طلبا لأميرتي الصغيرة ......لقد أمرت بأن تدخلي الى البيت محمولة بين ذراعي .....اذن هذا ما سيحدث )
أدخلها بالفعل الى المنزل الرائع و الذى خطف أنفاسها ما أن دخلته ... فتوقفت عن المقاومة وهي نتظر حولها للمنزل الذى يضم كل ما حلمت به يوما ..... وكأنه قد شاهد أحلامها عن البيت الذى تمنت أن تسكن فيه يوما ... فأسسه كما تحب ....
شعر بتأثرٍ عميق بداخله وهو يرى انبهارها بالمنزل ...حتى إنها أوقفت المقاومة بين ذراعيه دون أن تشعر .....فأحنى رأسه اليها وهمس في اذنها بحب
( مرحبا بكِ في بيتك ........)
نظرت الى عينيه بوحشية بعد أن أفاقت من شرودها على صوته فهمست هي الأخرى
( لن يكون بيتي أبدا ......)
همس لأذنها الحساسة ( بل سيكون .... )
ظلا ينظرانِ الى بعضهما بتحدي الى أن قطعه صوت تالا المتحمس
( جدتي .... لقد نجحنا في خطتنا , سابين ستمضي اليوم معنا هناااااااااا )
استدارت سابين برأسها لتجد أميرة واقفة عند السلم مرتبكة للغاية تنظر اليها باعتذار .....بينما أغمض احمد عينه يائسا من سذاجة تالا اللامتناهية ......
أخذت سابين تنقل نظرها بين ثلاثِ أزواجٍ من العيونِ العسليةِ المتشابهة ....وقد ظهر عليهم جميعا الإرتباك وكأنهم اقترفو ذنبا فظيعا ....
ساد الصمت للحظات و سابين غضبها يتفاقم اكثر واكثر فشعر احمد بأن سيطرتها على نفسها ستتلاشى قريبا ....فقرر أن ينهي غضبها سريعا خوفا عليها ......
فاقترب من اذنها ليهمس برقة
( سابين ..... من فضلك لا تخذلي تالا ....إنها متحمسة جدا لوجودك , كما أني لم أخبرها بعد بالطفل .... فضلت أن تكوني موجودة معنا حين أخبرها ......أقضي اليوم معنا , و أعدك أن أوصلك بنفسي مساءا )
للحظةٍ تاهت مابين عينيه الصافيتين وشفتيه المتحركتين بكلامٍ لم تسمع نصفه ..... هو أيضا خفتت آخر كلماته الى أن انقطعت حين شاهد نظرتها التائهة اليه .....شعرت سابين في هذه اللحظة بمضخةٍ عملاقة تضرب جانب صدرها ......و قد كان هذا هو قلبه الذى أخذ يخفق سريعا ......ابتلعت ريقها وقررت أن تنهي هذا الجنون سريعا ..... فقالت بهدوء
( حسنا .......سأبقى اليوم )
رمش احمد بعينه ليستفيق من سحرها المجنون ...... وتنفست اميرة بإرتياح بينما أخذت تالا تقفز كعادتها ........
ومر هذا اليوم بسحرٍ غريب على أربعتهم ..... كان هناك دفئا يلفهم لم تشعر به سابين من قلب ......أكلو معا ... ولعبو معا .... وضحكو كثيرا .....حتى أن سابين منذ بداية اليوم أن تستمتع به وتنسى مخططاتها ...... ليومٍ واحدٍ فقط ...... هو هذا اليوم ..... وغدا ستعود الى مقاتلته .... لكن اليوم ..فلتعش ما لم تعشه من قبل .....
لم يتوقف احمد طوال اليوم عن الاهتمامِ بها .... وتدليلها .... كانت كلما ارادت شيئا , يجلبه اليها بنفسه .....حتى انها بعد أن تعبت من الوقوفِ و اللعب في الحديقة ...... تمددت على الأريكة لتريح قدميها , فأتى أحمد اليها ليرفع قدميها ثم يجلس بجوارها واضعا قدميها على ساقيه ليدلكهما لها ......وقتها رفعت عينيها اليه .... فالتقت عيناهما معا طويلا .....وكأنه يريد أن يمحي بحركاته الناعمة كل ما آلمها به من قبل ......قال لها أخيرا بصوته العميق
( الم تكتفي بعد يا سابين من بعدك عني .......أعلم أن بدايتنا كانت سيئة للغاية , لكن لنصنع بداية جديدة .... من أجلنا جميعا )
ردت عليه سابين بهدوءٍ تشوبه لمسة حزنٍ خفي
( لا تدع الأوهام تتلاعب بك يا احمد ...... ليس معنى هذا اليوم أنني سأعدل عن قراراتي , لا حياة لنا معا وأنت تعلم ذلك جيدا .....أنت لن تثق بي يوما ... وأنا لن أستطيع نسيان ما فعلته بي )
أخفض عينيه وهو يشعر بقسوة كلمتها بأنها لن تستطيع النسيان .... وهل يستطيع هو .....قال لها بصوتٍ خافت
( يجب أن تعلمي أنكِ ستعودي الي ..لا شك بهذا........فلما لا نقلل أيام فراقنا )
قبل أن تجيبه أتت تالا لتجلس معهما فأنزلت سابين قدميها الى الأرض ببطء وقد شعرت بتردد احمد في تركها .....لكنه لم يتركها تماما بل اقترب منها ليلف خصرها بذراعه وهو يقول لتالا دون أن يرفع عينيه عن سابين
( تالا ....سابين تريد أن تخبرك شيئا )
نظرت سابين اليه بقسوة ... بينما انتظرت تالا بتحمس ....فنظرت اليها سابين ولم تجد بدا من التكلم بهدوء
( تالا ....أنا و والدك نريد أن .......أنه سيكون لكِ أخا أو أخت عما قريب )
ذهلت تالا تماما و اتسعت عيناها بشدة ... ثم بعد لحظات انفجرت في البكاء الشديد ..... نظرت سابين بصدمة الي رأسها المحنى و المدفون بين كفيها الصغيرين .. وفي لحظةٍ هاجمتها صورة حلا حين كانت في نفسِ عمرِ تالا وكانت ايثار تضربها في كثيرٍ من الأحيان ..هي أيضا كانت تؤذيها الا أنها كانت صغيرة في هذا الوقت ولم تدرك تأثيره على حلا ... كان من المفترض أن تعاملها كما كانت تعامل سما دائما ....شعرت بغصةٍ في حلقها . فقامت من مكانها الى أن وصلت لتالا ثم هبطت على ركبتيها وهي تضمها الى صدرها وتهمس لها
( هيا الآن يا تالا ....ما الأمر ....الا تعلمين أنكِ ستظلين فتاة أباكِ المفضلة .... لن يتغير هذا أبدا )
دفنت تالا وجهها في صدر سابين وهي تنشج ثم قالت باختناق ( لست ....لست أبكي ....لأني حزينة )
أدارت سابين رأسها الى احمد لتسأله المساعدة .... الا أن نظرته قطعت سؤالها .... كان ينظر اليهما مسحورا حزينا في نفس الوقت ...بهرته سابين في تعاملها مع تالا .... لم يتصورها أبدا بهذه الصورة .....رفع عينيه الى عينيها ثم قال بخفوت
( إن تالا تبكي دائما عندما تنفعل أو تتحمس بشدة ......)
ابتسمت سابين ثم استدارت الى تالا الباكية وجذبت خصلة من شعرها وهي تقول بمرح
( لقد أخفتني يا شريرة .....اذن فقد اتضح أنكِ طفلة مثل باقي الأطفال لقد شككت في هذا كثيرا ....هل أنتِ متحمسة للطفل القادم ؟ )
أومأت تالا برأسها وهي تمسح وجهها بيدها ثم قالت بصرامة وهي تشهق
( لكن ليكن في معلومك يا سابين حين يأتي هذا الطفل سأتين به وتعيشانِ معنا هنا...... وأنا لن أقبل بغير ذلك )
عادت سابين لتنظر بقسوةٍ الى احمد الذى كان يضحك الآن من ابنته التى تشبهه في صرامته .........
في المساء ذهبت سابين لتغسل وجهها استعدادا للرحيل و أثناء سيرها في الممر شعرت بيدين قويتين تجذبانها من خصرها لتلصقانها بالجدارِ خلفها ... شهقت بصدمة , ثم قالت بعد لحظاتٍ بغضب
( ابتعد يا احمد ......)
ابتسم وعيناه تبرقان ثم همس قرب اذنها ( حاولي ابعادي ....)
دفعته في صدره بكفيها الا إنها كما لو كانت تدفع جدارا صلبا ....
قالت بغضبٍ يتصاعد (ابتعد عني يا احمد ......)
الا إنه كان يقترب بوجهه من وجهها و ابتسامة عابثة على شفتيه فأخذت تدفعه لكنها لم تستطع النجاح حيث أمسك بذراعيها ليلفهما حول عنقه ثم تمكن من تقبيلها بكلِ ما اعتمل في نفسه من شوقٍ اليها ........مرت عليهما لحظاتٍ دافئة لتكمل سحر هذا اليوم , الى أن أبعد يديها ليأخذ نفسا عميقا قال بعده بحزم
؛( هيا....استعدي لأوصلك )
رمشت بعينيها عدة مرات لتستوعب ما يقوله ....ثم ابتعدت تسير أمامه بكلِ ما استطاعت من السيطرة على النفس
أخذ يراقبها وقلبه يصرخ مناديا إياها بشدة .....لكنه تمكن من اخماد شوقه قليلا وهو يفكر .....قريبا ستعودي الي بإرادتك يا ساحرتي المجنونة .....قريبا جدا .....
ثم تذكر جملة أميرة صباحا ....وهي تقول له .....سأساعدك لتستعيد قلبها فإن أخفقت فاعلم أنها فرصتك الأخيرة ..........
.................................................. .................................................. ........................................
كانت سابين وسما وحلا واقفاتٍ في المطار بانتظار عمار الراشد ......الى أن همست سابين
( ها هو ذا ..... تقريبا ...انه يشبه الصورة نوعا ما )
أخذ يقترب منهن مبتسما .... فاتسعت عينا حلا وفغرت سما شفتيها بينما رفعت سابين حاجبها بإعجاب من تلك الهيئة الخرافية المطلة عليهن .......
كان شابا طويلا بعضلاتٍ قوية يبدو في منتصف الثلاثينات..يرتدي بنطالا من الجينز يبين ساقيه القويتين ...وسترتة جلديةٍ سوداء على قميصٍ ناصع البياض
كان وسيما للغاية بوجهٍ رجولي صلب ...الا إن اكثر ما كان مميزا به هي عينيه بلونهما الأخضر القريب من الرمادي ....لقد حصل على عيون عائلة الراشد المعروفة بعيونهم ذات الألوانِ الغريبة ....
كان مختلفا عن رجال آل مهران المعروفين بقسوة ملامحهم ......
مالت سما الى اذن سابين وهمست
( ما هذا الكائن المذهل ؟!!!.......)
ابتسمت سابين وهمست ( كفى يا سما ......لقد اقترب )
وصل اليهن ثم تكلم مبتسما فخرج بصوتٍ رجولي عميقٍ للغاية ذو نبراتٍ رنانة
( لابد أنكن بنات عماد الراشد .....لا أرى أجمل منكن هنا )
ضحكت سما ببلاهةٍ تقريبا فلكزتها سابين بمرفقها .....بينما كانت حلا مذهولة لا تعلم بما ترد عليه .... الا ان سابين هي من تولت الحديث لتمد يدها اليه قائلة
( أنا سابين ......مرحبا عمار , حمدا لله على سلامةِ الوصول )
أمسك بيدها بيدٍ حازمة قوية وهو يقول مبتسما ( سابين الجميلة بالطبع .... سررت لرؤيتك )
ابتسمت بسحرها المعتاد وهي تقول بصوتها الرائع (هذه هي حلا وهي من ستكون مساعدتي ......أما هذه الصغيرة فهي سما )
ابتسم اليهن بابتسامةٍ ذكورية جذابه سمرتهن في أماكنهن ثم قال
( كم أنا مسرور للتعرف عليكن آنساتي .......)
همست حلا لسما مدهوشة ( آنساتي !!! ........لقد نسيت هذه الكلمة منذ زمن )
ضحكت سما وهي تحاول اخفاء فمها بيدها ثم قالت سابين
( لابد أنك متعبا من السفر .....لنذهب الآن الى الفندق الذى ستقيم به لترتاح )
أومأ برأسه مبتسما وكأنه ولد بهذه الابتسامة الجذابة .........
انتظرن الى أن يسير أمامهن .... الا إنه ظل واقفا مكانه ليقول وهو يمد يده
( بعدكن .......)
نظرن الى بعضهن بدهشة ثم سارت حلا وسما متعلقتانِ ببعضهما وقد عجزتا عن إمساكِ ضحاتهما الصغيرة المذهولة
بينما ابتسمت سابين له بسحرٍ وتقدمته لتمشي بكل ثقة .........
بعد أن استقر في غرفته و أنهى الإجراءات ...... كان يجلس معهن ليتعارفو اكثر ....
فقالت سابين ( اذن فوالدك كان ابن عم والدي ..........)
رد عليها عمار بهدوء
( نعم ..... لطالما حكى لي عما حققه عماد الراشد .. كانا تقريبا شريكان ... لكن عماد الراشد هو من أسس الشركة )
ثم تابع بقسوة
( كان يتقدم بسرعةٍ جبارة بالنسبة الى عمره ... وكادا أن يصلا الى كلِ ما تمنياه , الا أن شخصا ملقب بالامبراطور وضعهما تحت أنظاره وحاربهما بكل ما يملك .... كان يستعمل كل الطرق الغير نظيفة لمحاربتهما , لكن الأمر لم يكن منافسة في السوق لأنهما كان في البداية ولم يقتربا حتى من مستواه .. بل كان له علاقة بعداوة قديمة فقد حكى لي والدي أن عماد الراشد وقتها كان يريد أن يتزوج أخت هذا الملقب بالامبراطور .ظل يطاردهما الى أن رحل والدي عن البلاد يائسا تماما...إنه رأس مجموعة آل مهران .... بالتأكيد سمعتِ عنها طالما أنتِ متواجدة في سوق هذا العمل )
سعلت سما اثناء شربها العصير فمد عمار يده بمنديلا نظيفا لها وهو يقول برقة ( تفضلي .......)
فهمست محرجة ( شكرا ......)
الا إن سابين لم يرمش لها جفن بل ظلت هادئة تماما ثم قالت برقة
( بالطبع أعرفها .... وأعرف الإمبراطور ... لقد تزوج من أمي منذ أكثر من عشرين عام ...ايثار الراشد بالتاكيد سمعت عنها ... لقد تزوجها أبي بعد رحيل والدك على ما يبدو ......أما أنا فتزوجت من احمد مهران وهو ابن اخت الامبراطور و التى كانت سبب العداوة كلها ........)
بهتت ابتسامته تماما وهو ينظر اليها منتظرا أن تضحك وتخبره أنها مزحة .... الا أنها ظلت هادئة تماما فصدم من هذا الواقع الجديد فأكملت سابين
( ويجب أن أخبرك أيضا أن حلا متزوجة من أدهم مهران وهو رأس مجموعة آل مهران الآن )
نظر عمار الى حلا المحرجة و قد بدأت الصدمة في الظهور بالفعل على وجهه ... لم ينتظر سابين لتكمل فسأل بتوجس وهو ينظر الى سما
( من المؤكد ... أن سما الجميلة قد أفلتت من مخالب تلك العائلة ....أنتِ لستِ......)
الا أن سما قالت بارتباك و تلعثم ( متزوجة من فارس مهران .......)
ارتفع حاجباه بشدة ثم بدأ في الضحك طويلا ...ثم قال من بين ضحكاته
( لكم ستطيب لي الإقامة هنا ............)

لعنتي جنون عشقكWhere stories live. Discover now