الفصل التاسع

105K 2.2K 76
                                    

كان عائدا من عمله يقود سيارته بسرعة يسابق الأميال للوصول اليها.
منذ ان هاتفته السيدة اسراء و اخبرته بما حدث وهو يشعر بتقافز اعصابه , وخاصة وانه لم يتوقف بعدها عن الدوران فى سلسلةٍ من الاجتماعات المؤجلة منذ يوم زواجه .
اخيرا وحين انتهى من آخرها , هب من مكانه متنفسا الصعداء , منطلقا اليها .
أول يوم يذهب فيه الى عمله بعد زواجه وهذه هى النتيجة ... انهيار آخر من انهياراتها التى لا تنتهى , ضرب المقود بقبضته وهويشتم .
ما هو المعقد فى الأمر ؟!!.......انه يريد ان يعرف ما هو الأمر الذى يصعب عليها فهمه ؟!...... كل هذا الانهيار لأنها لا تريد مجالسة السيدة اسراء !!!!......... ثم الى اين كانت تنوى الذهاب ؟!!! .........لقد تلفت اعصابه تماما حين اخبرته السيدة اسراء بنيتها فى الخروج من القصر .......
الى أين كانت ستذهب ؟ ........... هل كانت تنوى الذهاب لايثار ؟
أطل الغضب الأعمى من عينيه و شعر بمشاعرٍ سوداء تكاد تظلم الدنيا من حوله .
الى متى سيمنعها من رؤية امها ...... ولماذا تريد رؤيتها اصلا ......فلو كانت تلك الحقيرة تمتلك أدنى قدر من مشاعر الأمومة لكانت جاءت بنفسها لرؤيتها .
الا ان تلك الأفعى السامة , و منذ ان وافقت حلا على الزواج منه , قطعت علاقتها بحلا نهائيا
ابتسم بسخرية سوداء ....... بالطبع فزواج حلا به ليست صفقة ايثار ... لن تنال منه شيئا , لانها تعرفه جيدا وهو يعرفها جيدا .
زواجه من حلا كان صفقة حلا بنفسها , حين عرض عليها الهروب من مخططات ايثار الجديدة لها .
فكان ان اختارت الصفقة الاكثر تحملا لها ..... زواجٍ صورى اوهمها هو به ....لن يتطلب منها سوى الظهور فى المجتمع بصورة زوجة ادهم مهران .
علم ان ايثار ثارت بشدة و آذتها بشدة ..... الحقيرة ...تعلم جيدا ان هناك فرق بين مهران سيدفع لها الثمن و بين مهران آخر لن تحصل منه سوى الاحتقار , وكان هذا هو السبب فى رجوح كفة طلال مع كفته .فبالرغم من انها كانت تعلم جيدا برغبة ادهم مهران بنفسه فى حلا الاانها فضلت القبول بصفقة تزويج حلا لطلال ,
ادهم مهران من القوة بحيث لا يحتاجها هى للحصول على المرأة التى يريد و بالتالى لن تنال منه شيئا , لذا قامت بالتخطيط مع زوجها امبراطور مهران فى ابقاء الأمر سرا عن الجميع وخاصةٍ ادهم حتى انتهزوا سفره فى عملٍ مهم و تم تزويج حلا لطلال فى فترة لا تتعدى شهورٍ قليلة وقبل رجوع ادهم .
اما بعد موت طلال , ظل هو منتظرا فى الخفاء .. يراقب كل تحركات حلا , يعد كل نفس من أنفاسها , منتظرا الفرصة حين تنهار حلا تماما.... فيتلقاها هو ........و هذا هو ماحدث .
عاد اليه الشعور القهرى بالدناءة .... حين تذكر مخططات ايثار الجديدة لحلا بعد موت طلال .
فقد كان هو مخطط كل شيء ..... خادعا تلك الافعى السوداء .
شاريا جديدا شديد الثراء يأتى من طرفه هو ,لينسج الخطه و يوهم ايثار برغبته فى حلا منذ ان كانت متزوجة و يعدها بالكثير مقابل الحصول على حلا .
و طبعا تنهار ايثار تحت أقدام هذا الشارى الجديد غير مصدقة حظ حلا الرائع فى المكسب الرابح مرة اخرى بعد فترة قصيرة من موت طلال .وخاصة بعد رحيل الأمبراطور فجأة تاركا اكبر طعنة لايثار بخروجها من القصر خالية اليدين الا من الذى نالته من زواجى حلا وسما والذى لم يتحمل فى يدها الكثير فاضاعته ثقة منها فى المزيد و المزيد بعد موت الامبراطور .
الا انها نسيت انه امبراطور مهران ...... لا يعطى الا ما يريد بالقدر الذى يريده .
وحين جاء هذا المشترى الجديد كان فرصتها الجديدة للثراء ,فضغطت بكل انواع الضغوط النفسية و الجسدية على حلا التى كانت تهدد دائما بالانتحار ان حدث و تزوجت مرة اخرى .
ظل ادهم يراقب هذا الوضع من بعيد تاركا حلا تنهار اكثر واكثر
ثم ظهر هو ..... عارضا عليها صفقة زواجهما لتتحرر من الضغوط القاتلة من حولها , ففى الاخير هو ادهم الذى تربت ببيته وتحت انظاره وهو لن يرغمها على ما لن تحتمله .
و كما توقع تماما ... كانت حلا منهارة نفسيا تماما , فسقطت أسيرة عرضه دون اى مجهودٍ يذكر من قِبله .
و قد حصل عليها اخيرا .......
لن يشعر بالذنب ابدا ..........حلا ملكه ...منذ ان كانت تلعب فى بهو القصر ......هى ملكه ....... وهو لم يفعل سوى استرداد ما يخصه .
عاد يتسائل اين كانت تريد الذهاب هذا الصباح .....هل ارادت رؤية سابين , هو يعلم انهما لم تكونا يوما على وفاق . لم تظهر عليهما مظاهر الأخوة ابدا , فسابين لا تصلح لأن تكون اختا , دائما كانت انسانة قاسية عابثة لم يستطع ان يفهمها يوما ولا احبها ابدا .
تذكر محادثة وحيدة فقط بينه وبين سابين ..... كانت اول حديث حقيقي بينهما , وكان ذلك بعد ان اعلنت حلا عن موافقتها على الزواج به ... ففوجىء بسابين تأتى الى مكتبه دون موعد .
تذكر جلوسها امامه بمنتهى الصفاقة واضعة ساقا فوق الأخرى و هى تنظر اليه باستعلاء .
تذكر كلماتها بوضوح و دون مواراة ( لا تتزوج حلا ......)
نظر اليها يومها دون ان يرمش له جفن , فتابعت دون ان تنتظر رده
(انها ليست مناسبة لك ) ثم اكملت بقسوة
( انها ضعيفة للغاية و سلبية لدرجةٍ بائسة )
صمت قليلا ثم قال بكل هدوء
(سأتزوجها يا سابين ...و سأرى من يستطيع منعى )
يومها ظلت تنظر اليه نظرة لم يفهمها و سألت بكلمة واحدة
(و لماذا تأخرت )
وقبل ان يفهم ما كانت تقصده قامت من مكانها و قبل ان تخرج التفتت اليه وقالت بقسوة
(انت لا تختلف كثيرا عنه )
ثم غادرت و لم تتدخل فى موضوع زواجهما مرة أخرى .
عاد وعيه الى الطريق أمامه وكلماتٍ تدور بذهنه
انت لا تختلف عنه كثيرا .......... انت لا تختلف عنه كثيرا ........انت لا تختلف عنه كثيرا
تطلع امامه بغضبٍ و هو يقبض بشدة على المقود و هو يشتم هذه الأسرة المجنونه من اكبرهم لأصغرهم .
وصل الى القصر و نزل من السيارة بسرعة و اخذ يلتهم السلالم الرخامية كل درجتين معا , وهو غافل عن عينين غاضبتين تراقبانه بحنق من بعيد .
اخذ يصعد السلالم بسرعة يتسابق مع درجاتها حتى وصل الى غرفته , اخذ نفسا عميقا ثم فتح الباب و دخل .
وجدها مستلقية على الفراش و ظهرها اليه وهى ضامة نفسها كالجنين .
التف حول الفراش حتى واجهها ثم جثا على ركبتيه بجوار الفراش و اصبح وجهه على بعد سانتيمترات قليلة من وجهها , مد يده و أزاح شعرها الذى يحجب عنه عينيها .
وجد عينيها مفتوحتين لكنها لا تنظر اليه .... نادى برقة ...... (حلا ..) لكنها لم ترد عليه
أعاد مرة اخرى برقة اكثر و ابتسامة ( حلا .... ردى علي )
لم يظهر عليها انها سمعته اصلا .فنهض واقفا و خلع سترته ثم اندس بجوارها و لف ذراعيه حولها ضاما ظهرها الى صدره و اخذ يهمس فى أذنها
(كلمينى حلا ....) وحين لم ترد اكمل
(كنت اظن اننا اقتربنا من بعضنا جدا , فما الذى حدث الآن )
احس بارتعاشها و قد اخذت تهتز بنحيبٍ صامت , شدد من ضمها اليه اكثر ثم قال
( اخبرتنى السيدة اسراء انكِ ترفضين الطعام منذ الصباح )
احس بعضلاتها تتشنج حين ذكر اسم مدبرة المنزل الصارمة , فقال برقة
( حلا ... انها سيدة طيبة و لم تقصد ان تغضبك )
استمر بكاؤها الصامت الذى اثقل قلبه فتنهد بتعب ثم حاول مرة اخرى ان يصل الى داخل قوقعتها
( حلا ..... لا زال الوقت مبكرا على خروجك بمفردك )
صدر عنها صوتٍ مختنق و هى تهمس
(انا لست مريضة .....)
كاد ان يعتصرها بين ذراعيه و هو يشدد من ضمها اليه و الالم يعصف بداخله . ثم قال بعمق
(انتِ لستِ مريضة يا حلا ... انتِ فقط تحتاجين الى المساعدة فى الوقت الحالى)
همست بتحشرج
(اريد ان...... اساعد نفسي )
همس باذنها وهو يلامسها بمداعبة
(الا تحتاجيننى يا حلا ؟........)
ثم اكمل بصوتٍ اعمق ومداعباته تتعمق اكثر
(لكن انا احتاجك ... و بشدة )
اخذت تهدأ تدريجيا بين ذراعيه حتى سكنت تماما و بعد لحظات قليلة كادت ان تطيح بعقله , تحركت ببطء حتى استلقت على ظهرها وهى لا تزال بين ذراعيه .
اخذ ينظر اليها و هى تنظر اليه باستسلام و كلا منهما يحاول العبور للآخر ,جمالها الضعيف اصابه بالجنون ثم اخذ يميل عليها و فمه يقترب من فمها . وفجأة همست بسرعة قبل ان تفقد شجاعتها
(أدهم .... اريد ان اتعلم القيادة )
توقف فمه على بعد لحظة من فمها , لحظة واحدة وكان سيفقد نفسه فى دوامة حبها مرة اخرى
هز رأسه و هو يحاول استيعاب ما قالته
(تريدين .... ماذا؟)
ابتلعت ريقها وهى تدعو ان يوافق ثم قالت بتلعثم
( اريد ان اتعلم القيادة )
سألها بصوتٍ أجش
(وفيما تحتاجين القيادة .... يستطيع السائق اخذك الى اى مكان تريدينه )
انعقد حاجبيها وهى تقول بجفاء خافت
(ليس هذا ما حدث اليوم )
نظر الى هذه القطة الغاضبه منه فاجتاحه الحنان و ابتسم
(اين كنت تنوين الذهاب )
لم تجد ما تجيبه به فقد تصرفت بمنتهى الحماقة بعد ان جرفتها الحماسة صباحا , ظلت صامته و قد احمر وجهها احراجا و لم يضغط هو عليها اكثر فقد علم ان لا اجابة لديها , ستظل هى حلا دائما ......منطلقة فى هذه الحياة على غير هدىٍ .
نزل برأسه وقبلها برقةٍ تذيب الأحجار , دون ان يستسلم لمشاعرٍ مجنونه هذه المرة , حين رفع رأسه نظر الى عينيها اللتين تحولتا الى لونِ بحرٍ عاصف , ثم قال برقة
( حين اشعر انكِ مستعدة , سأعلمك بنفسي )
تابع و الابتسامة تغطى وجهه
(هل ستأكلين الآن ....)
ظلت تنظر اليه بيأس دون ان ترد ....... لكن و بالتأكيد بعد دقائق كانت هناك طاولة طعام صغيرة امامها على الفراش وهو يطعمها بيده وهى تأكل ببطء ...بصمت.....باستسلام .
افاقت صباحا على أشعة الشمس الدافئة , لكنها لم تشعر بدفء الذراعين الحديديتين من حولها كعادتها كل يوم , ادارت وجهها الى الناحية المجاورة من الفراش فلم تجده , لكن لفت نظرها ورقة صغيرة مطوية بجوارها على الوسادة ,
تناولتها بارتعاش ...... رسالة ..... رسالة منه , فتحتها ببطء وهى تتسائل ماذا يمكن ان يقول لها
(لقد ذهبت الى العمل ....... حاولى الا تفتعلى المشاكل يا صغيرة )
ظلت تقرأ الكلمات طويلا وهى لا تشعر بشىء ..........ماذا انتظرت ..... هى نفسها لا تعلم ماذا كانت تنتظر .
قامت من فراشها ببطء ... شتان بين ما كانت تشعر به حين اسيقظت بالامس وبين ما تشعر به الآن , اتجهت الى النافذة و أطلت منها لتستنشق الهواء بعمق.........
لفت نظرها حركة بالأسفل فى الحديقة .... نظرت ففوجئت بشابٍ يمسك خرطوما يروي به الحديقة و هو يرقص بحركاتٍ غربية سريعة و مضحكة للغاية وهو يطوح خرطوم المياه معه قافزا من حوله واضعا سماعاتٍ فى اذنيه
ابتسمت بمرحٍ وهمست لنفسها
(من هذا الأحمق ؟!!.......)
انه يبدو مألوفا , أدارت وجهها الى طاولة الزينة لترى وردة بيضاء كبيرة بدأت فى الذبول قليلا ... شخصا ما أعطاها هذه الوردة بالأمس ...لكنها لا تتذكر ملامحه تماما , فعادة ما تنسى الكثير من التفاصيل بعد انهياراتها ..... ايكون هو
انحنت على النافذة و أسندت ذقنها على يدها و هى تراقبه مبتسمة .......
الا يخجل من نفسه ........... الا يخشى ان يراه احدا وهو بمثل هذه الحماقة
اتسعت ابتسامتها ...........
كان منعزلا عن العالم و النغمات العالية تسد أذنيه وهو مغمضا عينيه .........فجأة دفعه شيئا ما لفتح عينيه .......شعر انه مراقب فرفع رأسه لأعلى ليفاجأ بالأميرة تطل عليه من نافذتها ...... وهى تضحك !!!
سقط خرطوم المياه من يده و ظل ينظر الى جمالها المشرق .... يا الله ..... انها شديدة الجمال ....... شديدة الاختلاف حين تكون مبتسمة , تبدو و كأن شيئا ما يشع من داخلها .
ما هذه المرأة ... انها تجذب كل من حولها .. فى كل حالاتها ..غضبها ...ضعفها ....حزنها .....اشراقها ..... ابتسامتها .
انها ساحرة من نوعٍ ما.
ابتسم و لوح لها بيده ..........استقامت فجأة بسرعة و اختفت ابتسامتها و قد ظهر عليها الارتباك من تلويحه لها ثم ابتعدت عن النافذة بعد ان اغلقت الستائر ...
انها تبدو و كأنها لم تقابل احدا منذ ميلادها ....لا تعلم كيف تتعامل مع البشر , لا يتخيل كيف كانت حياتها الى الآن ...هل كان لديها أصدقاء؟ .....هل لديها أخوات؟ .......هل هى مدللة والديها ؟ .....هل كانت لديها حياة اصلا ؟ ...........
.................................................. ........................................
تطرق بكعب حذائها العالى......تطرق ........تطرق
جالسة على كرسي مكتبها , تنظر الى باب مكتبه ......الأنغام الناعمة تأبى ان تترك أذنها .....الرائحة الدافئة لا تغادر أنفاسها .
رمت قلمها من يدها على سطح المكتب بعنف ...... ما الذى يحدث؟...... انها تبدو كأنثى بلهاء رقصت رقصتها الأولى .
اهدئى يا سابين ... استعيدى سيطرتك على نفسك , انه مجرد رجل فى النهاية وكل ما فى الأمر انه لا يسقط تحت قدميكِ..لا ينهار لكِ.
زفرت بعنف ,ثم اخذت اوراقها و قامت متجهه الى مكتبه برشاقة الفهد المستعد للوثب على فريسته .
طرقت الباب بهدوء ودخلت .......ظل نظره مثبتا على شاشة حاسوبه وهو يعمل لا يعيرها أى اهتمام , ظلت واقفة لحظات تنظر اليه نظراتٍ شرسة ثم تقدمت الى المكتب ووضعت الأوراق أمامه وقالت
(هذه الأوراق تحتاج لتوقيعك )
التفت من الشاشة الى الأوراق امامه ..تناولها بهدوء و اخذ يوقعها واحدة تلو الأخرى
فجأة رن هاتفه الخاص وحين نظر الى الاسم ظهرت ابتسامة رقيقة على شفتيه اذابت تصلب ملامحه , ذهلت وهى ترى هذه الابتسامة على شفتيه لاول مرة .
اجاب محدثه بصوتٍ هادىء
(اهلا حبيبتى ...)
ارتفع رأسها بسرعة و قد ضربتها هذه الكلمة البسيطة ,فانتبهت بكل حواسها تنصت اليه وهو يقول
(اشتقت اليكِ انا ايضا .......) صدمت
اعصابها تحترق ... احساس غير مرحب به اخذ فى التصاعد بداخلها
سمعته يضحك برقة و يقول بدلال
(اعرف انكِ تكرهين هذا العمل جدا .....)
اخذ حاجباها يرتفعان بدهشة بينما عيناها تقسوان بشدة , لمن يسمح بأن تتذمر من انشغاله بعمله .
تابع يقول برقةٍ تذيب الحجر
(حسنا سيدتى ...... ماذا لو اخبرتك ان بامكاننا اطالة السهرمعا الليلة فى المنزل ......)
ضحك بحبٍ وهو يكمل
(نعم ....و سنفعل كل ما تطلبينه الى ان تسقطى نائمة ......)
صعقت ..صعقت تماما من صفاقة الحوار , الا يراها لا تزال واقفة .. الا يخجل من نفسه
تابع كلامه
(هيا حبيبتى ..اتركينى الآن لأنهى عملى و أعود اليكِ سريعا )
وضع هاتفه من يده مع انتهائه من آخر توقيع , ثم عاد ملتفا الى شاشته بدون ان يعطيها اى كلمة .
لمت الأوراق من أمامه بمنتهى الهدوء وخرجت تجبر نفسها على السير معتدلة حتى وصلت الى مكتبها فرمت أوراقها بعنفٍ عليه وهى تتنفس بحدة .
الوغد ....مدعى الفضيلة ....موزع الأخلاق و المبادىء
هى تعلم تماما ان احمد مهران غير متزوج ....... ويجرؤ على محاسبتها هى .!!
عاد البرود ليلفها .. انه يحاسبك من اجل دارين فلا تنسي هذا ابدا .
ارتمت على كرسيها عائدة الى عملها , تحاول السيطرة على غضبٍ هائج دون محاولة ايجاد تفسير له .
.................................................. ........................
كان يحرك عضلاته بتعب بعد جلسة العمل الطويلة جدا , لم يجد العمل متعبا هكذا من قبل و لا شديد الملل لهذه الدرجة
يبدو هذا اليوم طويلا...... طويلا جدا لا ينتهى , تنهد بعمق و هو يتسائل هل بدا يكبر فى العمر .. ولماذا لم يشعر بهذا الشعور الا الآن ما الذى تغير منذ زواجه ....ابتسم بسخرية .. هل ازداد عمرا منذ زواجه .....لا..... انه يشعر بانه يزداد عمرا حين يكون بعيدا عنها .....لكنه يعود و يصغر ليصبح فى مثل عمرها حين يعود اليها...الى نبض قلبه ....الى من قلبت حياته رأسا على عقب .
وهو الذى كان يظن انه سيرتاح اخيرا بعد امتلاكه لها .الا ان الراحة هى آخر شعور ممكن ان يشعر به الآن
انها تجعل حياته تبدو كسماءٍ تنطلق فيها الألعاب النارية ...لا تهدأ ...ولا يتوقف الاحتفال .
ترى ماذا تفعل الآن ....هل اثارت المشاكل ......
ابتسم بمرحٍ و هو يتذكر صوت السيدة سراء الصارم المستاء و هى تخبره بالعرض الغير لائق الذى قدمته حلا بالامس فى الحديقة ...ازدادت ابتسامته اتساعا وهو يتذكر صوتها يزداد قسوة وحزم ناسية انها تخاطب ادهم مهران بينما تنبهه انها تصرفاتٍ لا تليق بالسيدة خاصة أمام الخدم والعاملين بالقصر , و أن السيدة وإن كانت صغيرة الا انها ليست طفلة لتتصرف بمثل هذا الانفعال المبالغ فيه
ظل ادهم يستمع اليها واعصابه تحترق من فقدان حلا لسيطرتها على نفسها مرة اخرى , لكن الذى طمأنه ان السيدة اسراء تمكنت من اعادة حلا بهدوء الى القصر.....
فبما انها استطاعت امتصاص انفعالها الذى يدرك عواقبه جيدا فهذا يدل على خبرة السيدة اسراء ..حين رآى الوردة البيضاء على طاولة الزينة شعر بالتفاؤل ...فهذا معناه ان السيدة اسراء استطاعت تهدئتها فى نهاية الامر و ان حلا بدأت تستسلم لسلطتها وهذا ما اراحه فهو يحتاج الى شخصٍ حازم ليحل محله فى غيابه نظرا لحالة حلا النفسية .
ولقد تعب كثيرا حتى عثر على السيدة اسراء بعد توصية اسرة عريقة و اشادتها بالكفاءة
لكنه لم يخبر السيدة اسراء بأى تفاصيل عن حلا فقط نبهها الى احتمال حدوث ما قد يسوء من آن لآخر فلا تغفل عنها ابدا .
ترى ماذا تفعل الآن ......تسائل ثانية .
نظر الى صورتها الموضوعة على مكتبه و التى اخذت لهاو هى اصغر سنا ..قبل ان ...اللعنة ..ليس مرة اخرى
رجع بتفكيره الى الصورة .
كان دائما ما يسخر من رجالٍ مهمين يدخل الى مكاتبهم ليجد صورا لزوجاتهم موضوعة بقربهم و يتسائل الا يكتفون منهن فى المنزل لتظل هذه الصور تطالعهم اثناء العمل تحمل ابتساماتٍ ساذجة .
ابتسم الآن وهو يجد نفسه و قد اصبح زوجا تقليديا يضع صورة زوجته فى اطارٍ على مكتبه و هى تحمل نفس الابتسامة الساذجة ...ابتسم بحزنٍ وهو يتمنى من كل قلبه الآن ان تعود اليها هذه الابتسامة ..ليأخذ لها صورة جديدة وهى زوجته .
شعر فى هذه اللحظة انه يكاد يحترق لسماع صوتها فتناول هاتفه ليكلمها على هاتفها الخاص و الذى لا يحوى سوى رقمه فقط .
ظل الرنين المتصل يحرق اعصابه ..ان لن ترد حالا سيكلم السيدة اسراء على الفور بالرغم من انه كلمها مرتين الى الآن وقد اكدت له فى المرتين ان السيدة لا تزال بغرفتها .
بدأ الخوف البارد يعصف به .ثم فجأة سمع صوتها الساحر يرد عليه بهدوء فتنهد بعمق وقال
(مرحبا يا صغيرة )
(مرحبا)
(ماذا تفعلين ...)
(مستلقية فى الفراش...)
تنهد بتعب وسألها
(لماذا لا تنزلين الى الحديقة ؟)
(وحدى؟....)
رد بحسم (لا)
(سأنام قليلا ..فانا متعبة ) ثم اغلقت الخط دون ان تسمع رده ,
ظل ينظر الى الهاتف وهو لا يصدق انها اغلقت الخط , عصف به غضبٍ اهوج ...يبدو انه كان متساهلا معا اكثر من اللازم
انتِ تدفعيننى كثيرا يا حلا ..وانتِ ليست لكِ القدرة على تحمل غضبى
عاد الى عمله حانقا و غضبه يهدد بقتل كل من سيقترب منه فى هذه اللحظة .. وبالفعل لم ينج من غضبه بعض الموظفين المساكين .فاخذ الجميع يهربون من حوله يتحاشون غضب ادهم مهران .
بعد فترة رن هاتفه ليطالعه اسم السيدة اسراء فانقبض قلبه و هو يهمس (حلا....)
اسرع يرد عليها متوقعا سماع خبرا مروعا فهذا ما يشعر به كلما طالعه اسم السيدة اسراء على الهاتف , الا ان السيدة اسراء كان صوتها هادئا وهى تقول بنبرة عملية
(سيدى هناك ضيوف لك فى القصر ....السيد فارس و السيدة زوجته )

لعنتي جنون عشقكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن