الفصل العاشر

90.9K 2.1K 45
                                    

ليلة .... ليلة طويلة جدا ..... مشحونة بكل انواع المشاعر الهوجاء المجنونة .... هل من الممكن ان يكون الانسان فى لحظة و كأنه طائرا فوق السحاب ... يكاد يلمس السماء ..... يكاد ان يطول النجمات .....ان يكون الانسان فى لحظةٍ محاطا بوهجٍ ذهبى يغشي نظره و يدفىء قلبه ..... ان يتسائل فى كل لحظة كيف سيكون لو......كيف سيشعر لو.......لتأتى الإجابة لتفوق كل التصورات و الخيالات ..... تكاد تطيح بقلبٍ عاشقٍ يدور فى دوامة حبه ... يدور .... يدور .
ثم تأتى لحظة اخرى .....مجرد لحظة ......لحظة واحدة ......يرتكب فيها غلطة ....غلطة غبية لتقذف به من فوق السحاب ليسقط متحطما على صخور الكراهية و يتحطم لشظايا تنزف الما ... حبا ...ندما على لحظاتٍ لن تعود ابدا .
تحول فى لحظةٍ واحدةٍ الى وحشٍ همجى تطل النيران الشيطانية من أعماق عينيه لتصيب اعماقها برعبٍ لا مثيل له .
كانت لاتزال مستلقية وهو كالمارد حولها حين شعرت بمخالبٍ تنشب فى ذراعها تزداد ضغطا و غرزا فى بشرة ذراعها الرقيقة حتى لم تعد قادرة على كبت صرخة انطلقت من اعماقها ... كانت تشعر برعبٍ هائل وهى تراه على وشكِ ان يلتهمها كوحشٍ آدمى .
امتدت يده فجأة لتقبض على عنقها الرقيقة الهشة بقوةٍ كادت ان تحطمها و اقترب وجهه من وجهها و أنفاسه المشتعلة تكاد تحرق وجنتيها
أخيرا قال بصوتٍ كالفحيح
(لا تستطيعين المتابعة؟.......هل شعرتِ بالنفور ؟.......أم ماذا ؟......)
ظلت صامته عيناها متسعتان برعب وهى تحاول رفع حمالات قميص نومها و هى تهز برأسها علامة النفى , بينما هو يكمل وصوته يزداد وحشية
(ام هل ؟........ ام شعرتِ بالخجل ؟.....هل هذا هو السبب سما ......هل شعرتِ بالخجل ؟.........اذن دعينى اطمئنك )
و بحركةٍ واحدةٍ سريعة لم تسمح لها حتى بأن ترمش بعينيها , استقام فوقه ومد يديه وقبض على جانبي قمة قميص نومها ليمزقه من اوله وحتى خصرها بصوتٍ عالٍ جعلها تصرخ بشدة , بينما صرخ هو ايضا فى نفس الوقت
(لا داعي للخجل ..... فأنا لاأستطيع أن ارااااكِ )
ظلت سما تصرخ وهى تتلوى بين ذراعيه برعبٍ لايوصف وهى تبدو كسمكةٍ وقعت بين كفي دبٍ شرسٍ ضخم .... هبط فارس برأسه كالصقر و اخذ ينهل من شفتيها كاتما صرخاتها ..مكبلا مقاومتها بذراعيه .
لم تستطع تصديق ان الحب ممكن ان يكون فى لحظةٍ كنارٍ ذائبةٍ تسرى فى عروقها لتذيبها عشقا و فى لحظةٍ اخرى يتحول الى تعذيب نفسي لايحتمل , شعرت انها على وشكِ الانهيار من هذه المعاملة التى لم تعرفها قبلا و حتى من فارس نفسه ....... وبعد مرور دقائق طويلة فقدت كل أمل فى التحرر منه .
انسابت دموعها بمرارةٍ على وجهها وهى تعلم انه بعد لحظاتٍ قليلة سيقتل حبها له للأبد ......
شعر برطوبةٍ لامست وجهه ... فتوقفت انفاسه لحظة ....اخذ يحرك ذقنه على وجنتيها ليتأكد مما يشعر به ..... توقف تماما .... لتلتقط آذانه صوت نشيجٍ منخفض و شعر بجسمها يرتجف بدرجةٍ مرعبة لم يشعر به الا الآن ..... فجأة مد أصابعه و اخذ يتلمس دموعها ....
ابتعد عنها ببطء وهو يسمع شهقاتها التى أخذت تتعالى بعد افاقتها من الصدمة و التى كانت الدليل الوحيد له على ما كاد ان يقترفه .....ما الذى اصابه .... كيف استطاع ان يتصرف بهذا الشكل القذر .......
منذ وقتٍ قليل دخل الغرفة و هو يحيط نفسه بمظهرٍ هادىء . ليفاجأ ان خلف هذا المظهر بركانا على وشكِ ان يطيح بهما معا ....لم يشعر بنفسه حين سمع جملتها الخرقاء ... أحس وكأنها اشمأزت منه فجأة .... بعد ان اصبح الأمر واقعيا وليس مجرد خيالا عاطفيا فى ذهنها المراهق .
كانا وحدهما تماما بالخارج اثناء سنواتِ زواجهما .... لم تقابل الكثير من الرجال سوى الأطباء ....لم تكن لهم اية حياة اجتماعية ...لذا لم تجد سواه لتحلم بحبه ....اما الآن ....فما الذى حدث ؟.......
هل تكون رؤيتها لادهم و شعورها بان هناك من يستطيع ان يطرى جمالها قد انعشها و اشعرها بانوثتها ....... بالطبع .
ثم جاء هو الآن ليشعرها بالفرق بين رجلا يراها ... و رجلا يكاد يموت رغبة من مجرد استنشاق نسائم الياسمين التى كادت ان تطيح بعقله منذ لحظات ...... بالتاكيد المقارنة لم تكن فى صالحه ..... عليه اذن ان يتحمل نتيجة قراره .... فهو من جاء بها الى هنا ...الى عالمها القديم ... الى الناس .... و لن يكون هو محور عالمها بعد الآن .....
لقد بدأت نهاية الرحلة يافارس ...... و قد كان هذا قرارك ...... فتحمله ...
اصوات بكائها تكاد تمزقه.....لماذا لا تزال تستلقى بجانبه ... لماذا لا تهرب الآن ... ماذا تنتظر بعد ... انها تكاد تحرقه رغبة فيها و حزنا عليها....هل يمكن ان يجتمع الشعوران ......نعم فهذا ما يشعر به الآن ......ندمٍ لايمنع رغبة جارفة .....دناءة وتملك لايمنع ..... ماذا ؟.....
بعد ثلاث سنواتٍ من كبت احتياجاته كرجل ٍ لايقبل ان يستغل مراهقة صغيرة اخطأت الاختيار بسبب جشعها و أمها .. فتاة صغيرة تقوم على رعايته ليل نهار ..... ليأتى اليوم و يدمر كل قناعاته بتصرفه القذر .... وهذا مجرد اليوم الاول من عودتهما .... اذن مالذى سيحدث بعد ذلك ؟.......
اخذت انفاسها تهدأ تدريجيا , مدت يدها لتمسح دموعها ببطء ثم اخذت تلملم اجزاء قميص نومها و هى تستوى جالسةٍ بارهاق , لكنها فجأة شعرت بيدٍ كالقيد الحديدى على ذراعها و هو يستوى جالسا بسرعة ثم يقول بعنف
(الى اين انتِ ذاهبة ؟.......)
ارتجفت بشدة دون ان تستطيع النظر لوجهه و هى تجيب بصوتٍ هامس
(سأذهب للحمام ....)
ظل صامتا لحظاتٍ دون ان يترك ذراعها و كأنه لن يسمح لها بذلك .... اخيرا دفع ذراعها عنه بقسوةٍ وهو يقول بعنف
(اياكِ ان تفكرى بمغادرة هذه الغرفة........)
صدرت عنها شهقة بكاءٍ صغيرة ثم انطلقت تجرى الى الحمام موصدة الباب خلفها ..و ما ان اغلقته حتى استندت بظهرها اليه و اخذت تهبط منزلقة عليه حتى جلست على ارض الحمام وهى تبكى و تشهق دون ان تهتم ان كان يسمعها ام لا .....
بينما كان هو واقفا خلف الباب مستندا عليه بكفيه مخفضا رأسه يستمع الى نحيبها العالى .... وهو يعلم انها ستبيت ليلتها هناك
همس لنفسه بالم (ستذبلين قربي ..ياسمينااا....).
.................................................. .................................................. ......
ظل الليلة كلها ساهرا بجوارها يتلمسها وهى نائمة .. يتلمس وجهها .. يتلمس خصلات شعرها الطويلة التى تغطى كل مكان بجانب وجهه .... ما اجمل شعرها ...كالذهب و العسل معا ...طويل ...طويل ....اخذ يتخلل خصلاته الطويلة باصابعه و يدنيها من وجهه ليتحسس نعومتها ... الى متى ...الى متى سيظل يرضى بأقل القليل منها ......الى متى سيتعذب ... و الى متى سيعذبها ....
كان يظن ان بامتلاكه لها سيجعلها ملكة على عرش قلبه , الا انه لا يرى الآن سوى الحزن و الالم المحيطان بها ...
لقد افزعها اليوم وهويعرف ذلك ...لكنه ايضا كان على وشكِ الانفجار من شدة غيظه ... من شدة حنقه .... ومن شدة رغبته فيها .... انه يشعر بان بركانا يغلى باعماقه ...بركانا لن يرحمه من حممه اللاهبة الا هى ....
اقترب منها ببطء ليقبل عنقها الناعمة المكشوفة له , كما يفعل كل ليلة بينما هى لا تشعر به , لكن ما ان اقترب منها حتى احس بها تتقلب و تئن ...ها هى من جديد... تسقط فى بئر احلامها السوداء ...تنهد بعمقٍ وينحنى ناويا اخذها بين ذراعيه ليهدئها كما يفعل دائما ...
الا ان انينها اوقفه و جعله يعقد حاجبيه .. فقد كانت تنشج هامسة (طلال.... طلال)
ليس هذا ما اجفله , ولكن ما اجفله هو الطريقة التى كانت تنادى بها اسم طلال .... كانت و كأنها.... وكأنها تستنجد به ..... بل هى بالفعل تنادى على طلال مستغيثة به .
ابتعد عنها ببطءٍ وهو ينظر اليها بقسوةٍ ...... وظل ينظر اليها دون ان يغمض له جفن .
.................................................. .................................................. ......
فتحت باب الحمام ببطء و خرجت منه تجر اقدامها و هى لا تعرف كيف ستواجهه ...
كان منظرها مرعبا ... و لاول مرة تشعر بالارتياح لانه لن يراها بهذا المنظر ... فقد كانت ترتدى روب الحمام الذى يبدو وكأنه سيبتلعها ... وجهها شديد الشحوب كالأموات ... و عيناها حمراوان كالدم مخيفتان للغاية .... و عنقها تحمل علاماتٍ حمراء ....اما شفتيها ....آه كيف ستنزل ليراها الجميع بهذا الشكل ..... شفتيها متورمتين مجروحتين , و لن يحتاج احدا للذكاء ليستنتج ما حدث بينهما .
دخلت الى الغرفة ترتجف , فلم تجده فيها , اخذت تدير عينيها بسرعةٍ حولها لتتأكد من عدم وجوده بالفعل .. فجأة احست بالخوف ..اين ذهب؟.. المكان مختلف هنا عليه ....هل استطاع هبوط الدرج وحده؟....
بالامس ارتطم بالاناء الزجاجى الضخم فاسقطه متحطما ,فماذا سيحدث اليوم حين يتجول بمفرده ..اخذت تدعو الله ان يكون ادهم مستيقظا ليساعده عند نزوله , فهى لن تستطيع مواجهة احد بمنظرها المخزى هذا......
فجأة سمعت صوت طرقات ناعمة على الباب و قبل ان تجيب , فتح الباب ... اندهشت لدخول حلا ببطءٍ الى الغرفة
وقفت امامها لحظة صامتة تنظر اليها ثم قالت بصوتٍ خافت ...
(انا و ادهم ننتظرك لتشاركينا الافطار )
لم تجب سما و ظلت مطرقة برأسها تتمنى ان تبتلعها الارض من شدة خجلها .
تابعت حلا حين لم تجب
(ادهم مصر على نزولك )
ظلت سما صامته لحظات ثم قالت اخيرا بصوتٍ لايكاد يسمع
(اين.....اين فارس؟)
صمتت حلا لحظة و هى تتفحصها بنظراتها ثم قالت
(رفض تناول الافطار معنا و اصر على الجلوس فى الحديقة وحده )
صمتت سما وهى تنظر الارض دون ان تجيب , فاستدارت حلا لتخرج من الغرفة بعد ان يأست من ردها , لكن بعد عدة خطوات التفتت اليها مرة اخرى ثم عادت اليها ببطء و تردد وقالت بصوتٍ خافت
(هل آذاكِ؟.....)
رفعت نظرها الى حلا بسرعةٍ ثم هزت رأسها علامة النفى سريعا , الا ان حلا ظلت تنظر اليها بعدم اقتناع ثم قالت اخيرا
( سما انا اكثر شخص فى الدنيا يستطيع ان يميز الاذى حين يراه ...... فلا تكذبى )
رفعت سما عينين متسعتين الى حلا ..... لا تعلم بماذا تجيبها فلاول مرة منذ سنوات تشعر ان حلا من الممكن ان تهتم باى شيء يخصها ...لكن هل اهتمت هى ؟........هل اصرت على معرفة ما حدث لحلا الجميلة التى كانت تضيء الدنيا بضحكتها ....
وفجأة شعرت بأن كل شىء ضغط عليها دفعة واحدة .... حلا الرقيقة الواقفة امامها كأختٍ لم تراها منذ سنوات طويلة .....انهيارها العاطفى مع فارس .....و ما تبع ذلك من ذلٍ و رفض .....كل هذا فاق احتمالها فلم تشعر بنفسها الا وقد انفجرت ببكاءٍ عالى يمزق القلب وهى تندفع لتحيط عنق حلا بذراعيها مخفية رأسها بحضنها كطفلةٍ صغيرة لم تعرف ما معنى ان تجرى لحضن امها يوما .......
ظلت حلا جامدة لحظات ... مصدومة لا تعرف كيف تتصرف ... ثم اخذت عضلاتها المتشنجة تسترخى تدريجيا ... و رفعت يدا بطيئة و اخذت تتلمس شعر سما ببطءٍ و قد بدأت عيناها فى الامتلاء بالدموع .....
ظلتا واقفتين طويلا تشعران بحاجتهما لاحضان بعضهما اكثر من الحاجة للكلام .... ثم قالت حلا اخيرا بصوتٍ متحشرج
(يجب ان تنزلى ..... والا سيصعد ادهم بنفسه )
ثم اكملت بما يشبه المزاح بينما الدموع تغطى وجهها
( حين امرنى ان اصعد اليكِ ....شعرت من لهجته ان بامكانى اعتبار نفسى مرفودة من العمل اذا لم تنزلى معى )
ضحكت سما ضحكة صغيرة من بين بكائها و هى تحاول اسكات شهقاها ... ثم قالت اخيرا بصوتٍ مرتجف و هى تشير الى وجهها
(لن استطيع مواجهة ادهم بهذا المنظر ...)
اخذت حلا تفكر قليلا ثم سحبتها من يدها وهى تقول
(تعالى الى غرفتى ..انا ساتصرف )
نظرت فى الممر يمينا و يسارا و حين لم تجد احدا جريتا على اطراف اصابعهما حتى وصلتا الى غرفة حلا ....... بعد وقتٍ قصير كانت بالفعل سما تكاد تكون طبيعية تماما بفعل الزينة التى وضعتها حلا و التى غطت تورم وجهها و احمرار عنقها .
التفتت الى حلا و قالت لها بابتسامة رقيقة
(شكرا حلا ...انا ...انا فعلا لم ......) لم تستطع ان تكمل كلامها من شدة انفعالها
وضعت حلا اصبعها على شفتي سما و هى تقول
(اياكِ ان تبكى ......فسيتلف كل مافعلناه .... هيا الآن اذهبى لإرتداء ملابسك بسرعة قبل ان يأمر ادهم بإعدامى )
أومأت سما برأسها ثم استدارت لتغادر ..... لكن حلا امسكت بيدها فجأة قبل ان تتحرك و لفتها لتواجهها ثم قالت
(سما ... لم يعد هناك ما يجبرك على الاحتمال ...انا سأساعدك ....لن أخاف من ادهم .....أستطيع مواجهته )
نظرت سما اليها و ابتسمت برقة ٍ وعينيها تحملان عطف العالم تجاه حلا المسكينة , فمنظر حلا و هى تتكلم بدا و كأنها تحاول اقناع نفسها وليس اقناع سما .
اخيرا قالت سما بحزم
(بلى يا حلا هناك ما يجبرنى .......أنا احبه )
ثم استدارت وخرجت من الغرفة بسرعة قبل ان تعطى حلا فرصة للرد
ظلت حلا واقفة مكانها ... تحدق أمامها و صدى كلمة سما يتردد فى عقلها
انا احبه ......... انا احبه
.................................................. ............................................
كانت حلا جالسة على مائدة الإفطار شاردة تماما .. غافلة عن نظرات ادهم المسلطة نحوها طوال الوقت , لم تفارقها تقريبا ......
كانت تشعر بالإرهاق ....لقد انتابها نفس الحلم الأسود ليلة أمس ... أسوأ كوابيسها على الإطلاق .....
حين ترى الوجه المقززينظر اليها و العينين الزائغتين تكاد تعريانها من ثيابها .... و صوت لهاثه القذر و هو ينظر اليها بينما يدين منتفختين قصيرتي الأصابع تمتدان لتمسحا على جسدها و هى تحاول ان تصرخ ...... ذارعين كزوجين من الأفاعى تمتدان لتحاوطها وتكاد ان تمتص روحها و كانت هى تحاول ان تناديه لتستنجد به اثناء مقاومتها المستميتة ....طلال ..... طلال
الا انه لا يجيبها ....تشعر بالاختناق من انفاسٍ مقرفة مختلطة برائحة السكر و صوتٍ كالفحيح يقول
(لن يجيبك .....طالما انا هنا ) و بعدها ضحكة حيوانية بشعة صمت اذنيها .... وهى تحاول مرة اخرى طلال .... طلاااااااال
(حلا ..... انا أكلمك )
انتفضت حلا بشدة حين قاطع هذا الصوت الصارم افكارها السوداء لتنظر بسرعة الى ادهم الذى كان يحدق بها عابسا ...
ظل صامتا لعدة لحظات ثم قال اخيرا
(لقد كلمتك مرتين و لم تجيبي ....)
أجابت بارتباك و هى مدركة لعيون سما المراقبة لهما
(آسفة .... كنت شاردة قليلا ...)
شعرت بالخوف من نظرته القاسية و هى لا تعلم ماذا فعلت لتغضبه الآن منها .... اجاب بوجوم اخيرا
(سألتك ان كنتِ تريدين الذهاب مع سما ....)
اجفلت حلا قليلا و هى ترمش بعينيها قائلة
(أذهب معها ....الى أين ؟......)
تنهد ادهم بغضبٍ شديد , فسارعت سما تقول لتتدارك الموقف
(لقد اخبرت ادهم الآن برغبتى فى زيارة سابين )
اتسعت عينا حلا و أدارت وجهها الى الناحية الأخرى و هى تجيب بسرعة
( لا لن اذهب ...... ربما مرة اخرى )
تنهدت سما وحاولت مرة اخرى
(ارجوكِ يا حلا....... ستكون مفاجأة رائعه لها ....ان ترانا معا )
نظرت حلا لادهم و كأنها تطلب نجدته الا ان تعبيرات وجهه كانت متصلبة بشدة .... عادت حلا تنظر لسما مترددة ثم قالت اخيرا
(ربما .....مرة اخرى )
يئست سما من اقناعها فقامت من مكانها و هى تقول
(اذن سأذهب انا الآن ....)
لكنها ظلت واقفة مكانها مترددة ثم قالت لادهم بتردد
( فارس ....)
قاطعها ادهم فى الحال قائلا بخشونة
(لا تقلقى عليه انا ارغب فى التحدث معه و لن اتركه حتى تعودى .....)
أومأت سما برأسها شاكرة لادهم ثم ابتسمت لحلا و انطلقت بسرعة يدفعها شوقها المهلك لسابين
ظل ادهم وحلا جالسين صامتين ... هى تنظر فى كل مكان الا هو ...و هو لا يرفع عينيه عنها الى ان قام اخيرا منسحبا من الغرفة دون ان يعيرها اى اهتمام .....
زال توترها بعد ذهابه .....الا ان احساسا آخر طاف بداخلها .... احساسا فظيعا بالخواء.
قامت من مكانها بعد فترة و اخذت تمشى فى القصر على غير هدىٍ حتى وصلت الى غرفة الجلوس الضخمة فدخلتها ... الا انها ما ان دخلت حتى تصلبت مكانها حين شاهدت فارس واقفا فيها يوليها ظهره ووجهه الى النافذة وكأنه ينظر منها ..... لم تكن تعلم انه دخل الى هنا و الا كانت صعدت الى غرفتها .....حاولت الانسحاب بصمتٍ ... الا ان صوته اوقفها فجأة
(لماذا تنصرفين يا حلا .....)
تسمرت فى مكانها لحظات ثم قالت اخيرا بصوتٍ متلعثم
(كيف عرفت .. انها ..انا )
اجاب بنبرة ساخرة (رائحتك ....)
عقدت حاجيها وهى تردد (رائحتى ؟!!.....)
اجابها بنفس النبرة الساخرة ( رائحتك كالتفاح ....)
سألته بوجوم (هل تتعرف على كل الناس من روائحهم .....)
التفت اليها وعلى وجهه ملامح بدائية ثم اجابها
(ليس دائما .... فاحيانا من الاصوات التى يصرونها ...)
سألته رغما عنها بينما قدميها تتحرقان لتخرج من هذا المكان الذى اصبح خانقا فجأة
(كيف؟!!...)
اخذ يقترب منها ببطءٍ و هويقول بقسوة
( انتِ مثلا .....خطواتك متعثرةٍ خرقاء )
صمتت وقد اتسعت عيناها بينما هو يقترب منها اكثر قائلا
(انتِ تكرهيننى ...اليس كذلك ؟.... استطيع سماع الكراهية فى صوتك )
ظلت حلا صامتة تشعر انها على وشكِ الاختناق من اقترابه البطىء منها خطو خطوة ...ثم اندفعت فجأة لتقول بعنفٍ و هى غير قادرة على التحمل اكثر
( اكره ما تفعله بها.....)
توقف عن السير فجأة و ضاعت السخرية من وجهه وملامحه تتصلب بشدة اثارت رعبها ... ثم قال ببطءٍ بعد لحظات وقد عادت اليه السخرية السوداء
(هذا اهتمام مفاجىء ...... بالرغم من انكِ لم تسألى عنها لمدة ثلاث سنوات )
لم تعرف بماذا تجبه الا انها لن تسمح له بالانسحاب بعد ان وصلت الى هذه المرحلة فقالت بعنفٍ يخالطه الخوف
(لقد آذيتها ليلة أمس ....وكان هذا ظاهرا بآثاره على وجهها )
إن لم تشاهد عرقا نبض بعنفٍ فى رقبته لقالت انه تحول الى تمثالٍ حجرى ... ظل ينظر امامه حتى بات الوقوف امامه مخيفا ..لكنها صرخت به فجأة وهى تشعر ببدء فقدانها السيطرة على نفسها
(كيف تفعل بها ما فعلته .......الا يكفى انك تسجنها بقربك )
شعرت انها رمت قنبلة فى الغرفة و بدا الصمت المحيط بها كدوى المدافع فى اذنيها .....شاهدته برعبٍ وهويعود للاقتراب منها فتراجعت تنوى الهروب من الغرفة ...الا ان مع اول خطوة سريعة منها كانت خطواته اسرع فوصل اليها وقبض على ذراعيها بقسوة و هو يديرها ناحيته ثم اخذ يدفعها الى ان حشرها فى زاوية الغرفة ..ظلت واقفة امامه تلهث بشدة بينما قال هو اخيرا و تعبير شيطانى يظهر على وجهه
(اذن فقد اظهرتِ مخالبك اخيرا ... كنت قد بدأت ان اشك انكِ ابنة ايثار الراشد ) اظلمت عيناها بشدة بينما هو يتابع
(تمتلكين شجاعة فائقة بالنسبة لمن تزوجت من طلال مهران )
اخذت الدنيا تدور من حولها و هى تشعر بالهواء يسحب من رئتيها ....
كان قد بدأ يتكلم بهدوء قائلا (لقد حاولت الوصول اليكِ فلم ....)
الا انها وضعت كفيها على اذنيها و هى تصرخ بشدة اجفلته و قطعت كلامه ........
لم تكن تدرى انها بدأت تبكى بشدة و تصرخ بصوتٍ عالى ....صدم فارس تماما من شدة بكائها , لم يكن يعلم انه آذاها الى هذا الحد و خاف ان يصيبها مكروه ٍ فمد يديه الى ذراعيها مرة اخرى يحاول تهدئتها ... الا انها كانت قد عبرت حاجز الواقع و انفصلت تماما عن كل ما حولها و قد بنت بشهقاتها جدارا يحميها مما حولها ...
فجأة شعر فارس بقوةٍ هائلة تدفعه بشدةٍ ليرتطم بالحائط المقابل ... وصوت ادهم يصرخ كالمارد يهز ارجاء القصر
(ابتعد عنها يا فارس .....اياك و الاقتراب من حلا )
ظل فارس واقفا مكانه صامتا ينظر امامه ... يكره نفسه اكثر و اكثر
اقترب ادهم من حلا التى كانت لا تزال تبكي بشدة و حاول جذبها بين ذراعيه الا انها ظلت تقاومه بشدة فماكان منه الا ان حملها بين ذراعيه بقوة و خرج من الغرفة صاعدا الى غرفتهما .. وبعد ان وضعها برفقٍ على الفراش استلقى بجوارها و ضمها بشدةٍ بين ذراعيه الى ان استسلمت تماما منخطرة فى بكاءٍ شديد .....ظل يهمس فى اذنها بكلماتٍ رقيقة و هو يهدىء من روعها حتى راحت فى سباتٍ عميق و هو يتخلل شعرها باصابعه لا يريد ان يتركها ... شعر فى هذه اللحظة انه لو انفصل عنها فستاخذ معها قطعة من قلبه ....

لعنتي جنون عشقكWhere stories live. Discover now