الفصل الثالث والعشرون

98K 2K 43
                                    

بعد مرور ثلاثة اشهر
كان أبناء آل مهران مجتمعين ككل ليلةٍ مصطحبين معهم خيبة كل يوم ..... بحثٍ دون جدى , وكأن الأرض ابتلعت بنات الراشد تماما ..
كان احمد يدور حول نفسه ينفث حمما لهبية و هو يتوعد في سره ما سيفعله بها ......لن يحبسها في قلعة ٍ هذه المرة , بل سيضعها في كبسولةٍ و يرسل بها الى القمر ...... على كلِ ما تسببت فيه من شقاءٍ لكل من حولها .........
التفت لينظر الى ادهم المجهد والذى بانت عليه إمارات التعب و الحزن فقد أطلق لحيته الناعمة الخفيفة و قد بان عليه الوقار و في نفس الوقت بركانا يهدد بالانفجار ....
جالسا في مقعدٍ وثير يسند جبهته على يده ...... هادئا في الأيامِ الاخيرة ........كان كوحشٍ ساكن يتقلب على جمر النار لكن يلتزم بالصمت رغما عنه ..... فحبيبته الصغيرة تحن عليه كل فترةٍ وتسمح له بتبادل الحديث معها لفترة ٍ وجيزة .......
ابتسم قليلا وهو يتذكر أحاديثهما الرقيقة في الأيام الماضية .... كانا كشخصين ناضجين يتعرفان لأول مرة ..... كل مرةٍ زادته معلومة صغيرة عنها ..... وكأنه لم يكن يعرفها من قبل .......إنها حلا برقتها و عذوبة صوتها لكنها لم تعد طفلة , بل أصبحت امرأة شجاعة او تحاول التحلي بالشجاعة بشكلٍ رائع يوما بعد يوم ......
إن صوتها يصبح أروع مع مرور الايام .... آخر مرة غابت عنه التهدجات الممزقة و أصبح صافيا ...... حزينا قليلا ....لكن صافيا كمياهٍ شفافةٍ عذبة .......
ضحكاتها الرقيقة و التى ترد بها على شراسته المعتادة كلما سألها عن مكانها ....تشعل قلبه و تجعله راغبا في مد يده عبر الهاتف ليجذبها من شعرها رغما عنها اليه .......فهي حلاه ..... إن أرادت أن تكبر فلتكبر بين أحضانه .....كما كبرت سنة بعد سنة منذ طفولتها .....
صحيح انه لم يوقف البحث , لكنه اطمئن بالا عليها قليلا ..... من حلاوة صوتها الجديد ........
لكنه يشتااااااق اليها ......يشتاق الى حبها ....يحتاج اليها .... فهو الآن متعبا جدا و هو في أمسِ الحاجة اليها .......يشعر بأنه طوال عمره لم يكن يستمد قوته الا منها ......سواء وهي في بيته تعطيه القوة ليصل اليها ..... او حين كانت بعيدة لتفجر براكين غضبه .....وحتى عادت اليه ليشرق بها بيته من جديد .......
أما الآن فقد اظلم البيت وضاعت ضحكاته ..... فقد اختفت حلاه ......اختفت أحلى من فيه ........
تنهد بصوتٍ مرهقٍ عال فنظر اليه احمد بتعاطف ..... فحال ادهم أصعب من حاله .......لأن حلا ليست سابين ..... حلا الرقيقة التى لم يرها سوى مراتٍ قليلة بالتأكيد ليست ساحرته الشرسة الشريرة .....حتى انه تعجب كثيرا من كونهما شقيقتين ......
هو يعرف تمام المعرفة بأن سابين تستطيع حماية نفسها جيدا ..... لكن ذلك لا يفيده بشيء , فهو غاضبا و بشدة .... يكفي أن يتخيل نظراتِ الرجالِ لها أينما ذهبت .....فهي الآن وحيدة و العشرات سيحاولون التودد لها ... بل و التذلل ايضا .....
اشتعلت نارا في صدره وهو يتصورها تبعث اليهم بابتسامتها الساحرةِ العابثة .... فهذه هي سابين و هو يعرفها جيدا .... إنه حاليا يثق بها لكنه يعرف رغبتها المجنونة في العبث بقلب كل من يستحق العبث بقلبه .....
إنها تطبق عدالتها الخاصة و هو الآن عرف ذلك من كل ما عرفه عمن حاولوا التودد اليها سابقا , ومن لم تضع حدا لهم سامحة لهم بالانزلاق شيئا فشيئا الى أن تلفظهم في لحظةٍ واحدة .......وهذا هو ما لم يستطع تجاوزه أبدا .......
والذى يقتله اكثر أن مازن مهران تحديدا كان استثناءا من هذه القاعدة ......كانت سابين تقترب رغما عنها منه خطوة خطوة .....الوحيد الذى نجح في جذبها هو المدلل صاحب الوجه الطفولي في عائلة مهران .....
لكنه الوحيد الذى يعرف ان خلف هذا الوجه الطفولي نفسا مدللة فاسدة تتلون كالأفعى لتحصل على ما تريده ..... منذ صغره وهو طفلا خبيثا يجذب الأنظار اليه بوجهه المحبب لكنه كان يخفي غيرةٍ من كلِ من حوله .....
حين تقدم لخطبة دارين ... رفض هو رفضا قاطعا .... لكن صغيرته الحمقاء ظلت تبكي أياما و أياما حتى خافوا عليها من المرض فوافق أخيرا وهو يعلم أنه زواجا محكوما بالفشل إن آجلا او عاجلا .... لكنه خدع نفسه و أوهمها بأنه من الممكن أن تغيره دارين بحبها .....
لكن حدسه الذي لم يخدعه أبدا صدق هذه المرة أيضا و ظهر وجهه الثعباني .....لكن ما يتعجبه هو سقوط سابين في فخه بهذه السهولة , بعد أن رفضت و تلاعبت بالكثيرِ من القلوب المريضة ......
ما الذى كانت تحتاجه ؟..... وأي يدٍ ساعدته لتسلمه مفاتيح سابين ليصل الي درجة منها اقرب قليلا ممن سبقوه ؟......
لكنه الآن وضع الحقير في مكانه الصحيح على بعدِ بلادٍ من اخته ...... و زوجته ......لكن أين هي زوجته ؟؟.......
قد يعيش معها اياما من نيران حارقة لا تهدأ بينهما بسبب عبثها..... لكنه سيعمل جاهدا على تربيتها من جديد و تعليمها الالتزام......و لن يستلم و يتنازل عنها .... فسابين الراشد ملكه منذ أن كانت طفله صغيرة ركلته بحصواتِ حديقته ........
لكن أين هي ؟...... أين ؟........
همس بسؤاله الأخير بصوتٍ مسموع .....فنظر اليه ادهم بوجوم يحاول حل تلك الأحجية ثم قال بصوتٍ يائس تقريبا
( لو كنت أنت سابين .......أين من الممكن أن تتواجد الآن ؟....)
نظر اليه احمد يدقق النظر اليه طويلا لتتشابك عيناهما طويلا ثم هتف احمد فجأة بلهفة
( العمل .........إن سابين لن تستلم لترك عملها أبدا فمن المؤكد أنا تبحث الآن عن عملٍ جديد )
نظر اليه ادهم باهتمام وهو يلتقط ما يفكر به احمد ...... لكن احمد سارع الى هاتفه ليعطي تعليماته السريعة ..... ولم يعد لديهم سوى الانتظار ........
عاد ينظر الى ادهم ليقول بوجوم
( من المؤكد أن عملها سيكون أهم ما ستفكر به حاليا ..... بالرغم من وجود الطفل )
رفع ادهم راسه ينظر اليه بدهشة ٍ و قال ( طفل ؟!!........)
ابتسم له احمد ابتسامة حزينة وهو يومىء برأسه , فابتسم ادهم ابتسامة شاردة وهو لا يعلم لماذا أوجعته كلمة طفل الى هذه الدرجة .....
.................................................. .................................................. .............................................
لم تصل احمد أية اخبار سوى بعد يومين.... خلالهما .....لم تصله أي معلومةٍ عن تقدم سابين للعمل في أية مجموعةٍ أخرى ....بالرغم من علمه أن الجميع سيحاول اجتذابها بكل سرور .....لكن ......لا شيء ......
حين كان بمكتبه واقفا أمام النافذة يتطلع منها بشرود دخلت مساعدته الجديدة وهي شابة طويلة هيفاء جميلة ذات شعرٍ أسود ناعم يشبه شعر سابين الا إنه في نصف طوله .........حين بدأت العمل في أول يومٍ لها كموظفةٍ في مجموعة آل مهران , كان ذلك بعد يومين من زواجه بسابين ..... كان من ضمن مخططاته ان يستبدلها فورا بعد زواجهما ......خلف وعده لها ؟؟......ربما .....لكنه كان يسير وفق مخططاته التى كانت لأسبابٍ وجيهةٍ وقتها ........
لكن كل يوم ما أن يدخل مكتبه و ينظر اليها جالسة مكان سابين يشعر بتأنيب ضمير فظيع و رغبة متوحشة في جذبها بعيدا عن هذا الكرسي الذى تعبت من أجله صاحبته كثيرا .....وحققت فيه الكثير ..... والذى أيضا رآها لأول مرةٍ وهي جالسة عليه........
تذكر نظراتها الوقحة .....ابتسامتها المغرية ..... نظارتها ذات الإطار الاسود ......شعرها المعقود دائما .......
يا الهي كم يشتاق اليها ......كم يتمنى أن يخرج من مكتبه ليجدها على كرسيها بوقاحتها و سحرها ........كيف سلبت لبه بهذا الشكل الغادر .....متى سقط أسير سحرها , إنه حتى لا يعلم ........
تنحنحت مساعدته لتنبهه من شروده الحزين .... فالتفت ينظر اليها و طبعا عاوده الشعور بالذنب حين نظر اليها , الا إنه اخفى ما يشعر به بكل مهارة ....و هو يبتعد بنظره بكل ضيقٍ عن زيها الغير محتشم بالنسبة ِ للعمل , لكنها أفضل من تقدمن للعمل .... لكن ليست في براعة سابين ...... عاد مرة اخرى من تفكيره بسابين و قال بصوتٍ صارم خافت
( ما الأمر حسناء ؟.........)
ابتسمت مساعدته ابتسامة مغرية وهى تقترب منه برشاقةٍ مدروسة قائلة بصوتٍ ناعم وهي تضع ورقة مطبوعة أمامه
( هذه هي أسماء كل الشركات التى أعلنت عن بداية افتتاحها خلال الشهرين الماضيين كما طلبت ..... ولقد تلقينا دعاية منهم بالفعل ...ماعدا واحدة فقط ... والغريب أنها أرسلت بريدٍ الكتروني لكل المجموعات تعلمهم بقرب افتتاح اسما جديدا.... لكنها استثنت مجموعة مهران )
كان احمد بالفعل قد هجم على الورقة الموضوعة على المكتب قبل أن تنهي كلامها و طارت عيناه الى الاسم الغريب الموجود بآخر القائمة ......ثم رفع نظره الى مساعدته قائلا بحزم
( أريد كل المعلومات الممكنة ِ عنها .... وفي اقرب وقت )
أمومأت حسناء برأسها وهي مندهشة من شدة اهتمام احمد مهران باسمٍ مغمور الى هذا الحد .....لكنها ذهبت لتنفذ المطلوب رغبة منها في ابهاره بكل ما تستطيع ....
.................................................. .................................................. ..........................................
كان جالسا على حافة فراشه ... متشبثا بها ... مغمضا عينيه... وهو يرهف السمع لأصواتٍ ناعمةٍ لخطواتٍ متعثرةٍ تحوم من حوله .....حفيف التقاطِ ملابسه من على الأرض .....صوت القمصان وهي تعلق على الشماعات ... أيدٍ ناعمة تملس على القميص بعد تعليقه .... مرة ,مرتين..... أين هي ....ها هي المرة الثالثة .....
التقاط أحذيته المبعثرة ....الحذاء يمسح جيدا .... بضميرٍ منقطع النظير ....يصف الحذاء بجوار قرينه ......والآخر تلوه ......صوت الخطوات يقترب من الفراش ..... الاغطية تجذب قليلا من تحته لتعلمه برغبتها في تغييرها ......
نهض ببطءٍ من على الفراش وهو يهمس مبتسما ابتسامة شاردة (آسف .....)
لكنه لم يحصل على رد ... فقط سمع صوت حفيف الاغطيةِ الحريرية وهى تتطاير ..... باعثة بنسيمٍ عليل الى وجهه فتتسع ابتسامته قليلا ......مغمضا عينيه آخذا نفسا عميقا ...... لعله يلتقط ياسمينة متطايرة مع الهواء ...... لكن دون جدوى ..... لا ياسمينة داعبت أنفاسه
إنه يسمع الآن صوت قرقعة قنيناتِ عطره ......ترتب أمام المرآة واحدا تلو الآخر .......أذنه التقطت نفسا ..... نفسا رقيقا يستنشق قنينة العطر الأخير ...قبل أن توضع كسابقتها .......
إن اذنه تستحق وساما ذهبيا ......فكر بابتهاج .......تدور من حوله تبتغي المغادرة.... فيدور معها وكأنه يراها ......همس أخيرا
( لابد وأنكِ نحيفة وفي رشاقة الغزال ..........)
توقفت الحركة تماما و صدرت شهقة مكتومة من مكانٍ ما .....فتابع فارس بابتسامةٍ وقحة
(من الجيد أنكِ لم تسمعيني .......يا قطعة الحلوى )
نفسا حادا وصل الى اذنه حتى أنه شعر بنافثةِ لهب على وشكِ الإنفجار في الغرفة فأكمل يتبع حركتها بعينيه
( هل أنتِ جميلةٍ كخطواتك ؟........تتحركين كراقصة ... لستِ كالممرضات القساة اللاتي اختارتهن عمتي )
وصل الي سمعه صوت ارتطام شياؤه بغضب وهي توضع مكانها ........ثم صوتِ الخطواتِ تتحرك ناوية الخروج من الغرفة فقال بسرعة
(انتظري ........)
توقفت الخطوات متاهبة للهرب في اية لحظة .............لكنه تابع وهو يتلوى خارجا من قميصه
( خذى هذا القميص للتنظيف .........)
مد يده الممسكة بقميصه اليها ...... فسمع الخطواتِ الطفولية تقترب منه .... خطوة ... خطوة ......الى أن وصلت اليه فتوقفت أمامه تماما ....... نعم ..... تماما .......أنفاسها الناعمة تلامس أعلى صدره .......تتسارع الانفاس الساخنة وتجري على عضلاتِ صدره القوي العاري .......إنها انفاسٍ لفتاةٍ خجولةٍ مضطربة امام رجل نصف عاري .......أم هي انفاسِ امرأة ٍ تأثرت نبضاتِ قلبها لمرآه بهذا الشكل .......
أصابع مرتجفة امتدت لتلتقط القميص من بين يديه .....وما أن شعر بالأنامل الطويلة الرفيعة تلامس يده عبر طياتِ قماشِ قميصه ... حتى هجم بيده الأخرى على معصمها بقبضةٍ من حديد , وفي لحظةٍ واحدة كان قد أسقط القميص ليحيط خصرها بذراعه جاذبا إياها بقوةٍ الى جزعه الضخم و قبل أن تغادر شهقتها المذعورة شفتيها .....كان قد هبط برأسه كالصقر الى وجهها ملتهما شفتيها بين شفتيه في إعصارٍ ناري أزهق أنفاسها التى كادت أن تودي به الى حافة الجنون في الأيامِ السابقة ........
لم يعلم كم مضى من الوقت عليه وهو يلتهمها متذوقا مستمتعا بحلاوة طعمها ......هل هي ثوانى ... ام دقائق ......مستحيل أن يستطيع التحديد ..... فقد غاب تماما في سحر قبلتها ضائعا من عالمه ......
تركت يده معصمها لتنغرز في خصلاتِ شعرها الحريرية الطويلة و تتخللها بجنونٍ وهي تصل بها الى منتصفِ ظهرها .......
شعر بذراعينِ ناعمتين تلتفانِ بجنونٍ حول عنقه ..... ليزداد تعمق قبلتهما .......
ثم لم يلبث أن حمل أسيرته و رماها في حركةٍ واحدةٍ على الفراش وهجم عليها و مرت عليهما لحظاتٍ تاها فيها عن كلِ ما حولهما .......إنها هي ......إنها هي ........جائت اليه هاربة من حلمٍ مجنون
لكن في لحظةٍ واحدة شعر بها فجأة تقاتله بشراسة نمرةٍ مفترسة الى أن تمكنت من القفزِ من على الفراش وجرت الى آخر الغرفةِ وهي تلهث بشدة ...... ثم تمكنت أخيرا من الصراخِ بشراسةٍ محببةٍ الى قلبه
( من المستحسن أن تكون قد تعرفت علي ........ قبل أن تقدم على هذا التحرش الفاسق تجاه خادمةٍ مسكينة ....... يا فارس مهران )
جلس متمددا على الفراش مستندا الى مرفقه وهو ينظر اليها مبتسما ابتسامة شيطانية بينما صدره يتصارع هبوطا ونزولا يحاول التقاط انفاسه بصعوبةٍ بعد ذلك الإعصار الذى كان ...... لكنه تمكن أخيرا من الهمسِ بشغف
( لا أعتقد أنه يعتبر تحرشا .... مادامت الخادمة المسكينة قد اظهرت هذا التجاوب المذهل ....الغير قابل للوصف ......السخي في عطائه ...ال ....)
صرخت بشدة وهي على حافة الجنون
( كفى ....... توقف ....توقف .....أنا أكرهك ......أكرهك اكثر مما كرهت اي أحد في حياتي )
ضحك بشغف وهو يشير اليها بإصبعه لتأتي اليه دون حتى أن يتحرك من مكانه ........لكنها اكملت صراخها
؛( توقف عن هذا .....أنا لست جاريتك بعد الآن )
ضحك اكثر وعبثه يتزايد في عينيه المشتاقتين لياسمينةٍ لم يرها من قبل ....ثم قال بصلفٍ عابث
( إن لم تعودي جاريتي ...... فماذا تفعلين هنا ؟.....)
ظلت تنظر الى غروره طويلا وهي تعلم علم اليقين ... إن الأسد لا سبيل لتغييره أبدا ......و الأسد الأعمى على وجه الخصوص لا سبيل لأن يبصر ...... سيظل أعمى القلب الى النهاية .......
تمكنت من القول بتحدٍ زائف
( أنا هنا بدافع الواجب ليس الا ..........)
ضحك فارس قليلا .. لكن ضحكة باهتة لا اثر للمرح فيها ثم قال بصوتٍ خافت ساخر
( آآآآخ .... لقد أصبتِ كبريائي ياسميناا )
ابتلعت ريقها وهي تشعر بانها مجروحة منه ومن لامبالته حتى الاعماق ... حتى إنها لم ترى انكسار عينيه , لم ترى سوى قسوة ملامحه فقالت بقسوةٍ تضاهيها
( لم تترك لي خيارا و أنت تتعمد اثارة جنون كل من يحاولون خدمتك ..... الن تتوقف عن تصرفاتِ الأطفالِ تلك ؟....)
رد عليها بجفاء
( لم يجبرك أحدا على المجيء الى هنا ..... الم نودع بعضنا آخر مرة ؟)
طعنتها كلماته الفظة فلم تتمالك نفسها ولا المها و هتفت مدافعة
( أنت لازلت زوجي ...... أريد حين أتركك نهائيا ... أن يكون ضميري مرتاحا تماما , حتى أستطيع المضي في حياتي )
تصلبت ملامحه وقست عيناه اكثر ... الا أنه سأل بهدوءٍ خطر
( تقصدين بالمضي في حياتك ......إيجاد شخصا اخر بالطبع .....رجلا .... يستطيع أن يراكِ )
لم يخطر هذا ببالها من قبل .... لم ولن تكون سوى لفارسٍ واحد ..... هو فارس مهران ....الا ان الغضب أعماها و جعلها تقول بترفع
( ولما لا ..... هل ظننت انني سابقى وحيدة طويلا ؟....... اشعر من الان ان الحياة بدات في ..........)
لم تستطع اكمال جملتها الحمقاء لن في لحظةٍ مرعبةٍ وقبل ان ترمش بعينيها كان الأسد قد قفز من مكانه ليصل اليها في خطوة واحدة ولم تخرج من شفتيها سوى صرخة صغيرة قبل أن تمتد قبضته لتقبض على عنقها و تضغط عليه بينما يده الأخرى جذبت شعرها بشدةٍ حتى صرخت الما .... لكنه لم يهتم لصرختها بدا وكأن شيطانا تقمصه وهو يهمس أمام وجهها
( من قابلتِ خلال فترة تسكعك ........انطقي يا سما قبل ان ازهق روحك )
ظلت تنظر الى وجهه الشرس و هي لا تصدق أن هذا المجنون الذي يكاد يسحق عنقها الآن و يتهمها بهذه الخرافات هو نفسه العاشق الذى ضمها في جنون عاصفته منذ دقائق قليلة .....تمكنت من الهمس بغضب وهي تحاول التهرب من قبضتيه المتوحشتين
( لم أقابل أحدا .......ليس بعد ...... لكني لن أظل جاريتك للأبد , سأتحرر منك يا فارس مهران )
تركت يده عنقها لتقبض على فكها بشدة وهو يقترب بوجهه من وجهها ليهمس بشراسة أمام شفتيها المرتجفتين
( بل ستظلين جاريتي للأبد يا ياسمينا ..... ولو حاولت اللعب على هذه النقطة فستكون نهاية حياتك )
رفضت أن تخضع لهذا الارهاب فقالت بشجاعةٍ تتراجع قبل أن تبدا
( الم نودع بعضنا آخر مرة ؟؟......)
ارتعشت عضلة بعنقه وخفت قبضته على فكها تدريجيا حتى أصبحت ممسكة بها بدفءٍ رائع ثم همس أمام شفتيها بجنون
( لن تستطيعي توديعي ما حييتي يا ياسمينا .....لانك غارقة في حبي من قمة رأسك الجميل وحتى أصابع قدميكِ الصغيرتين )
أظلمت عيناها البراقتان و ارتجفت شفتاها ثم همست بشراسةِ نمرة جريحة تنازع الموت
( و ما أدراك أنت بالحب ........)
القت بهمستها في وجهه فتراجع بحدة و كأنها رمته بشظيةٍ جرحته .... للحظاتٍ صمت هو وصمتت هي وكلا منهما ينظر للاخر دون ان يرى هو عينيها ودون ان ترى هي قلبه ........
جذب ذقنها ليرفعه اليه اكثر ثم انحنى ليلامس شفتيها مرة بعد مرة و كأنه بالفعل يودعها لآخر مرة ..... شعرت بهذا في قبلاته .... إنه يودعها بالفعل ....لم تفكر بهذا طويلا حتى تركها اخيرا ......وهمس مغمضا عينيه
( اذهبي .......)
لم تكن مهياة لهذه الكلمة الحادة كنصلِ شفرة ٍ جرت على قلبها في لمح البصر لتخلف به خيط رفيعا داميا ........همست عابسة لتتأكد
؛( ماذا ؟.....)
اعاد عليها دون ان يفتح عينيه
( اذهبي ..... هيا .......)
انتزعت نفسها من بين يديه بقسوة ٍ وعدلت ملابسها بعنفٍ وهي لا تكاد ترى شيئا بعد أن تمزقت الى آلاف القطع ثم جرت عدة خطوات نحو الباب الا ان همسته اوقفتها
( ياسمينا .....)
التفتت تنظر اليه .....دون أملٍ فقد مات بداخلها مراتٍ ومرات من قبل .......تاهت نظراته وشردت بعيدا ثم قال بهدوء
( أردت أن اطمئنك أني لن أفشي سرك .........فلتعد شقيقتيكِ متى أصبحتا جاهزتين , لن أعيدهما أنا رغما عنهما ........لا تخشي شيئا لن يعرف أحدا أنكِ كنتِ هنا ........)
ظلت تنظر اليه بقلبٍ مطعون و عيونٍ تنزف دما ...... شقيقتيها ؟...... لم يعبرا حتى في ذهنها خلال الدقائق الماضية ........لكن هو بدا في قمه هدوؤه و سيطرته على نفسه
استدارت تبغي المغادرة من هنا سريعا قبل أن تنهار أمامه لكنه نادى مرة أخرى بلهفةٍ
( سما .......)
عادت لتلتفت اليه مرة أخرى وقد انهمرت دموعها هذه المرة على وجنتيها دون صوت فهمس فارس
( سما .....لا تكوني لغيري أبدا )
اتسعت عيناها المغروقتانِ قليلا .... أرادت الصراخ , أرادت تحطيمِ ما حولها ......يالا ظلمه و تجبره وقسوة قلبه ..... فقط يريد أن تظل دائرة في فلكه الى مالا نهاية ..... أن تظل أسيرة حبه , وهو الذي لم يعترف بوجودِ ما يسمى حبا أصلا ......
لكن شيئا ما في عينيه منعها من أن تبثه سما لتقتل غروره , فتاهت عيناها الباكيتانِ بعينيه الضائعتين طويلا ...... الى أن همست أخيرا
( حتى وإن أردت .......فلن استطيع )
ثم استدارات لتخرج من الغرفةِ جريا قبل أن يوقفها للمرةِ الثالثة ........ لكنه لم يحاول أصلا ...........
.................................................. .................................................. ..........................................
كانت سابين تمشي جيئة و ذهابا وهي في قمة الغضب بينما حلا تنظر اليها بتوجس وقلق مما ستفعله بسما حين تعود ......انها تبدو في شكلٍ شرس مخيف ..... فحاولت الكلام بخفوت
؛( سابين ......إنها فقط ذات ضميرٍ حي اكثر من اللازم .....الا تعرفين سما و احساسها العالي بالواجب )
التفتت اليها سابين بشراسة وعيناها تلمعان وهي تهتف حانقة
( واجب ؟!!..... اي واجب هذا ؟.... الا تكفيها اربع سنواتٍ كاملةٍ من حياتها لتنتهي من هذا الاحساس الأعمى بالواجب تجاه شخصٍ تلذذ بافقادها كل ما لديها من كرامة ؟؟)
أطرقت حلا برأسها شاعرة باليأس من أن تفهم سابين يوما معنى أن تحب بعمق حتى يفقد كل شيءٍ آخر معناه ....رن هاتف سما الذى تركته هنا ليجعل نبضات قلبها تقفز أضعاف المعتاد فقامت جريا اليه لترد على توأم روحها , ولكن مع نظرة سابين التى ازدادت وحشية وقسوة , لم تستلم حلا بل التقطتت الهاتف بكل ثقة وهي تقول بهدوءٍ عذب
( سابين ... لقد انتهينا من كلِ هذا .... أنا صاحبة قرار نفسي و إن أردت أن أجيب زوجي فسأفعل ......أنا هنا بإرادتي لذا اعطيني حرية القرار من فضلك )
نظرت سابين اليها في حنقٍ لكنها لم تستطع ايقافها فقد كانت بداخلها تشعر بالاعجاب من تقدم حلا الرائع خلال الايام الماضية .....ظل حاجباها معقودان لكن ابتسامة غير مرئية بدأت في الظهور فابتسمت حلا ابتسامة عريضة وهي ترد على ادهم بصوتٍ خلاب و تبتعد بالهاتف .......
وفي تلك اللحظة فتح الباب ودخلت منه سما بتثاقل فاندفعت اليها سابين بغضب لتصرخ بها
( لماذا تأخرتِ ؟...... كل هذا وأنتِ تعملين بلا توقف ؟......بدلا من ان توفري كل طاقتك استعدادا للعام الدراسي الجديد , اصبحت خادمة الآن ؟؟؟......)
رفعت سما عينيها المتورمتين الى سابين دون ان تنطق بكلمةٍ واحدة فقالت سابين و قد خمد غضبها تماما
( ماذا حدث ؟...... هل كنتِ تبكين ؟.... ماذا فعل بكِ من جديد ؟)
لم تستطع سما التحمل اكثر فانفجرت باكية وهي تدفن وجهها بين كفيها ... فاقتربت منها سابين بسرعة وضمتها اليها وهي تربت على شعرها بقلق هامسة
( ماذا حدث يا سما ؟؟ ....تكلمي لقد اقلقتني جدا )
لكن سما ازدادت تشبثا بها وهي غير قادرة على إيقاف عاصفة البكاء التى اصابتها , فقادتها سابين حتى اجلستها على الاريكة وهي مازالت تضمها الى صدرها .....ثم تركتها تبكي طويلا حتى شعرت بها تهدا قليلا فقالت بحزم
( الآن أخبريني ماذا حدث ؟...........الأمر لا يحتاج الى ذكاء لقد تعرف عليكِ اليس كذلك ؟.....)
أومأت سما برأسها المدفون في أحضان سابين وهي تبكي بصمت ثم همست
( آسفة جدا يا سابين أعرف أن هذا سيجلب لكِ المشاكل ........)
استمرت سابين تمسح على شعرها بنعومةٍ وهي تسند ذقنها عليه ثم همست برقة
( لا عليكِ .... كان هذا سينتهي إن آجلا أو عاجلا .... لقد آن الوقت و أنتِ تعلمين هذا ....... الآن أخبريني ماذا حدث و لماذا أبكاكِ بعد أن تعرف اليكِ , الم يكفيه أن تعودي لخدمته بعد كلِ ما فعله ؟.......)
شهقت سما شهقة بكاءٍ ناعمة و همست بعذاب
( لم يردني يا سابين ..... طلب مني الذهاب وعدم الرجوع ..... تماما كما كان يفعل قديما ..... لقد عشت في الوهم طويلا ......)
نفثت سابين هواءا ساخنا من شفتيها من شدة غضبها على ذلك الأحمق الذى تسبب في تعاسة سما طويلا .......قالت أخيرا بصوتٍ خافت
( أعطِني الإشارة فقط يا سما وأنا سأذهب اليه وأضربه حتى يطلب الرحمة .....لطالما تمنيت أن يأتي هذا اليوم منذ اربع سنوات )
ضحكت سما قليلا من بين دموعها وهمست بعد لحظة
( هل تتذكرين عندما كنتِ تدافعين عني دائما ونحن صغارا ؟............كثيرا ما جريت اليكِ وأنا أبكي و أنتِ بين صديقاتك , الا إنكِ لم تهتمي أبدا بهن و كنتِ تندفعي ممسكة بيدى حتى تضربي من أبكاني .....)
ضحكت سابين برقةٍ وهي تهمس
( لقد تعرضت للعقاب بسببك كثيرا ...........)
ضحكت سما هي الأخرى بينما دموعها تابي الانقطاع ثم رفعت رأسها أخيرا و نظرت الى عيني سابين بعينيها الدامعتين وهمست
( أعتقد أنها النهاية بالفعل يا سابين .....لقد قدمت كل شيء , لم أعد أملك ما أقدمه بعد الآن ........)
أومات سابين برأسها وهي تربت على وجنتها ثم قالت بحزم
( لا أريد أن يشغلك أي شيءٍ بعد الآن عن التفكير بدراستك , مفهوم ؟؟.........كنت أتمنى أن تكوني معي أنا وحلا , لكن لن اسمح بأن يعطلك أي شيء بعد الآن ........)
قالت سما بهدوء حزين بالرغم من تمزق قلبها
( أعتقد ان دراستي ستكون هي الأمل الوحيد للخروج مما أنا فيه .......لقد رهنت حياتي لشيءٍ واحد فترة طويلة ..... طويلة جدا .....و آن الأوان لأن يتغير هذا .......)
في هذه اللحظة خرجت حلا ووجهها لم يكن يوما اكثر جمالا منه في هذه اللحظة بابتسامتها المشرقة و كأنها مراهقة انهت للتو حديثها العاطفي مع خطيبها .......فهتفت سابين في وجهها مغتاظة منها
( حلا لماذا تركتِ الملفات التى طلبت منك أن تدرسيها لتتعلمي منها .........ثم من فضلك امسحي هذه الابتسامة الحمقاء عن وجهك , تبدين كمراهقةٍ عاشقة .........)
ظلت ابتسامة حلا على شفتيها لم تغادرها وردت بكل هدوء
( لن تنجحى في اغضابي الآن يا سابين ........سأدرسها بعد قليل , أما الآن فلي رغبة في الإستمتاع بصحبة شقيقتي )
ثم تقدمت لتحشر نفسها بينهما بالقوةِ وهما تحتجان الى ان تمكنت من الجلوسِ بينهما بكلِ براءة ثم نقلت نظرها بين كلا منهما الى أن استقرت على عيون سما المتورمة لكنها لم تسألها .... فقط أحاطتها بذراعها وهى تهمس
(لم يكن هناك من هي أشد مني بؤسا .......فقط انتظري , الأيام السعيدة لم تأتيكِ بعد .......انتظري قليلا )
اغمضت سابين عينيها وهي تهمس حانقة
( يا الهي هاهو المزاج العاطفي الأحمق الذى يتبع كل مكالمةٍ لها مع ادهم مهران الذى يحاول جاهدا أن يكون عاطفيا هذه الأيام )
ابتسمت حلا اكثر وهي تهمس حالمة
( بل هو من علم الرجال جميعا كيف يكونوا عاشقين .........)
تأوهت كلا من سما وسابين بحنقٍ و ملل و قامتا من جوارها ........أخذت تضحك بسرور لمنظرهما الطريف ..... بل هي تشعر الآن أن الدنيا كلها أصبحت طريفة للغاية ..........

لعنتي جنون عشقكWhere stories live. Discover now